الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اقتصاد العالم وعلاج نقص الطلب في التقرير الأخيرللصندوق: بعض المؤشرات وملاحظات

أحمد إبريهي علي

2016 / 10 / 10
العولمة وتطورات العالم المعاصر


اقتصاد العالم وعلاج نقص الطلب في التقرير الأخيرللصندوق: بعض المؤشرات وملاحظات
الدكتور أحمد إبريهي علي
تقرير "آفاق إقتصاد العالم World Economic Outlook " يصدره صندوق النقد الدولي مرتين سنويا، في نيسان وتشرين الأول ( اكتوبر) ، واختار العنوان الثانوي لتقرير اكتوبر 2016 الذي صدر هذه الأيام " الطلب الهابط : الأعراض والمعالجات Subdued Demand : Symptoms and Remedies "
ويقدر نمو الناتج العالمي 3.2 بالمائة عام 2015 و 3.1 بالمائة عام 2016 و 3.4 بالمائة عام 2017 . وهذا النمو محسوب للناتج بالدولارات متعادلة القوة الشرائية، اما نمو ناتج العالم عند التجميع باستخدام اسعار الصرف السوقية فهو اقل من ذلك إذ يقدر 2.4 بالمائة و2.8 بالمائة لعامي 2016 و 2017 على التوالي . واستعرض التقرير مؤشرات بينت ان معدلات النمو تلك منخفضة، وهي دون ما تسمح به الطاقة الأنتاجية لو اشتغلت بالمستويات الأعتيادية، ولذا تبقى وتتسع الفجوة بين الناتج الممكن والفعلي في العالم. والأداء المنخفض للأقتصاد المتقدم مخيب للآمال إذ يقدر نموه 1.6 بالمائة و1.8 بالمائة عامي 2016 و2017، وفي ايطاليا واليابان دون 1 بالمائة سنويا. وكان نمو الأقتصاد المتقدم سنويا 2.8 بالمائة بين عامي 1998 و2007 ولم يتمكن من استعادة ذلك المعدل لحد الآن ويبقى دونه في السنوات القادمة حتى عام 2021.
بينما يقدر نمو البلدان الناهضة والنامية 4.2 بالمائة و4.6 بالمائة عامي 2016 و2017، رغم انخفاض نمو الصين إلى 6.2 بالمائة عام 2017 . لكن الهند تحافظ على معدل نمو سنوي 7.6 بالمائة وهذا من ملامح الصعود وكأنها تقتفي اثر الصين رغم الفارق بين تاريخ الأقتصادين وبنيتيهما. وروسيا والبرازيل نموهما سالب لسنتي 2015 و2016 ويصبح موجبا حسب المتوقع للعام القادم 2017 ولكنه نصف الواحد بالمائة في البرازيل و 1.1 بالمائة في روسيا.
ولحساب النمو افترض الصندوق 50.64 دولارا سعرا للنفط الخام عام 2017 وقد بين على انه افتراض وليس توقعا، وكذلك اسعار الفائدة التي سيأتي ذكرها عدّها التقرير من بين الفرضيات إلى جانب ثبات اسعار الصرف الحقيقية الفعالة، اي ان اسعار الصرف الأسمية تتغير فقط لألغاء فروقات التضخم بين الشركاء التجاريين.
البلدان النامية والناهضة اصبحت عام 2015 تسهم بنسبة 57.6 بالمائة من الناتج العالمي، مقاسا بالناتج المحلي الأجمالي، وهو114137 مليار دولار، اي تقريبا 114 ترليون، بالدولارات متعادلة القوة الشرائية. وبهذا يبلغ متوسط الناتج ( الدخل) للفرد في العالم 15500 دولار تقريبا. لكن الناتج العالمي اقل عند اعتماد اسعار الصرف الأعتيادية فهو 73599 مليار دولار اي تقريبا 74 ترليون دولار، وبهذا يكون متوسط الناتج للفرد 10013 دولار عام 2015. ويظهر التفاوت بين مجموعتي البلدان، فالمتوسط للفرد في الدول المتقدمة اكثر من اربعة امثاله في البلدان النامية بالدولارات متعادلة القوة الشرائية، اما بالأسعار الأعتيادية فالتباعد اوسع من هذا بفارق جوهري. والتفاوت لا يستهان به فيما بين البلدان النامية والناهضة ذاتها وداخل البلد الواحد، وتبقى قضايا توزيع الثروة والدخل والرفاه خارج الأنشغال الرئيسي لتقرير الآفاق.
ورغم الأنجازات التنموية للبلدان النامية والناهضة وخاصة الصين التي اصبحت الدولة التجارية الأولى في العالم، وبعدها الولايات المتحدة الأمريكية، إلاّ ان البلدان المتقدمة لازالت تهيمن على التجارة الخارجية حيث حصتها من صادرات السلع والخدمات 63.4 بالمائة عام 2015 ما يعني ان استيراداتها ايضا لها مثل هذه الأهمية النسبية. وإذا اضيفت إلى الصورة الهيمنة الطاغية للبلدان المتقدمة في اسواق المال، والتي تحتكر لحد الآن العملات الأحتياطية الدولية والصين لازالت في البداية، فإن انتقال مركز الأقتصاد الدولي إلى آسيا ينتظر زمنا طويلا.
وقد اهتم التقرير بخروج بريطانيا من الأتحاد الأوربي وهو من جملة اسباب خفض النمو المتوقع، ويرى عدم التأكد في مستقبل العلاقات التجارية والمالية بين بريطانيا وبقية دول الأتحاد الأوربي، وتؤثر في الأستثمار والتشغيل. ويعبرالتصويت تأييدا للخروج عن استياء من الهجرة العابرة للحدود والتي غذّت المشاعر القومية في اوربا، وجعلت التقدم نحو مزيد من التكامل موضع تساؤل. وهذه المسألة لها علاقة بالنزوح من البلاد العربية التي استعرت فيها الحروب. وهناك خوف من محاكاة الشعوب الأوربية الأخرى لهذا السلوك البريطاني، خاصة وانه يتماثل مع ما ظهر في الولايات المتحدة الأمريكية في الحملة الأنتخابية الأخيرة. وهذه المرة يلاحظ حديث هذه المؤسسات صريحا في السياسة مثلا القول ان نزعة الأنكفاء قد تكون لها ردود افعال سياسية سلبية عابرة للحدود.
ويجري التركيز على عدم كفاية الطلب وأظهر حسابات تبين كيف ان الناتج الفعلي دون الممكن الأعتيادي لدى عدد من الدول المتقدمة، وعادة ما يعزى هذ ا لعجز عن تشغيل الطاقة الأنتاجية إلى نقص الطلب. ولهذا جاءت السياسات التي اقترحها لتحفيز وزيادة الطلب الكلي وخاصة الأستثماري منه، لما له من آثار مضاعفة او تكاثرية وينعش صادرات السلع الوسيطة وسلع رأس المال. ولكن مزاج قطاعات الأعمال والتوقعات لها الدور الكبير في تحديد مستوى النشاط الأستثماري.
والخوف من الأنكماش له مايبرره إذ كان معدل التضخم في البلدان المتقدمة واطئا دون 1 بالمائة سنويا ومن المتوقع ان يصل 1.7 بالمائة عام 2017 وهو ايضا منخفض. وفي هذه البيئة تبقى اسعار الفائدة واطئة فهي قريبة من الصفر اوسالبة لليورو والين في سوق لندن لما بين المصارف لمدة ستة اشهر، وعلى الدولار 1.3 بالمائة عام 2017. وسوف تبقى السياسات النقدية ساندة في محاولة رفع الطلب ولهذا تتردد البنوك المركزية عن زيادة اسعار الفائدة.
واصبحت فاعلية انخفاض اسعارالفائدة مشكوك فيها لتقاعس الأستثمار نتيجة الفائض في الطاقة الأنتاجية وتراكم الخزين، من جهة، ولأن المعدل المنخفض للتضخم يقلل المكاسب الحقيقية لأنخفاضها فالمستثمر يهتم بسعر الفائدة الحقيقي وهو الأسمي المشار إليه آنفا مطروحا منه معدل التضخم. ولقد استمرالتضخم منخفضا لمدة طويلة ويُخشى نتيجة لذلك من انغراسة في التوقعات ما يقود إلى توقع ارتفاع سعر الفائدة الحقيقي وانخفاض الأنفاق وتراجع النمو. ويفهم من ذلك وجود احساس بالمشاكل التي صنعها تاريخ طويل من السياسات التي رجحت الأستقرار على النمو وخسرت الأثنين. والآن يراد تأجيل تلك المشاكل أو تخفيفها عبر تعجيل النمو الأقتصادي ، والذي صار مطلبا صعبا.
ورغم انخفاض اسعار الفائدة في الدول المتقدمة فهذا لا يعني ان البلدان النامية يمكنها الحصول على قروض بفوائد واطئة قادرة على تحملها من السوق المالية الدولية، إذ يتكفل التقييم الأئتماني وتقدير المخاطر برفعها لتكون باهضة جدا، وكلما تضخم حجم الدين إزدادت صعوبات وتكاليف تدويره حتى يصبح بذاته سببا لأزمة دائمة. ومع ذلك يبشر التقرير البلدان النامية بألأنتفاع من انخفاض اسعار الفائدة في الدول المتقدمة لتستقبل تدفقات راسمالية من هناك. وذلك على امل إنعكاس زخم النمو من البلدان النامية إلى المتقدمة عبر التجارة الخارجية.
وقد لاحظ التقرير قوة النزعة الحمائية والأتجاه إلى الداخل والتي قد تكون لها انعكاسات سلبية في التجارة الدولية ما يؤدي إلى المزيد من انكماش الطلب. ولتلك النزعة ارتباط باتساع فجوة التفاوت في توزيع الدخل، وحسب رأيهم عمّقها تقاعس نمو الأنتاجية، وهبوط دافع الأستثمار والتشغيل لدى الشركات..
ولا يخفى على القارئ نفوذ التحليل الكينزي اكثر مما اعتادوا عليه ، مثلا الشكوى من عدم كفاية الطلب الخاص والتوصية بأن تأخذ السياسة المالية دورها وعبر زيادة الأنفاق وإن لم تتمكن فعلى الأقل تغيير بنيته بحيث يسهم اكثر في انعاش الطلب، إلى جانب القول أن السياسات النقدية اصبحت مرهقة اي اعتراف ضمني بضعف فاعليتها. وهذه التوجهات ليست بلا مقدمات فقد تضمنت اصدارية سابقة اجراء تقديرات تبين مضاعف الأنفاق الحكومي، في حين يشكك النقوديون ( النيوكلاسيك) بالمضاعف الكينزي او على الأقل ليس له اثربعيد الأمد. وهذا المنحى ربما إضطراري إذ يستبعد انتعاش الأستثمار مع وجود فائض في طاقات الأنتاج، وقد يبقى الأقتصاد حبيس هذا التوازن الواطئ دون تدخل حكومي بجسارة، ورغم الخطوات الواضحة نحو واقعية اكثر مما اعتاد عليه الصندوق أظهرها في التقرير لازال دون المهمة المطلوبة بمسافة قد لا يستطيع اجتيازها.
لقد كان الشركاءالتجاريون للصين في البلدان المتقدمة والصندوق يضغطون عليها لرفع سعر صرف عملتها وزيادة نسبة الأستهلاك إلى الدخل، لخفض الأدخار والفائض في ميزان مدفوعاتها. وفي المدة ألأخيرة وبعد تراكم مشكلات ولّدتها التنمية السريعة خفّضت نموها وباشرت في إجراء تعديلات في منظومة الأنتاج وسياسات البيئة وليها الكثير من الشركات المثقلة بالدين. ولكن حاجة اقتصاد العالم والغرب بالذات إلى زخم النمو الصيني اصبحت مبتناة في آليات عمل نظام الأقتصاد الدولي، ولذا تُراقب إجراءآت الصين بقلق. فالتحول من اقتصاد يعتمد الأستثمار المرتفع والتصنيع والتصدير نحوزيادة الأستهلاك والتوسع في الخدمات له مضامين سلبية على كثير من الدول الأخرى والتي كانت صادراتها إلى الصين مرتبطة بإستراتيجية التنمية السابقة. ومتوسط الدخل للفرد لا يتجاوز نطاق الدول النامية متوسطة الدخل وتحولها إلى الخدمات سابق لأوانه وليس من المعقول مثل هذا الأنزلاق في الصين ، كما ارى.
ان انحسار موارد البلدان النفطية مع النزاعات في عدد من الدول العربية والأفريقية، والهجرة والنزوح والأرهاب، اضرت كثيرا في اقتصاد تلك الدول ويصيب العالم نصيب من هذا الضرر. اي ان اصلاح اقتصاد العالم يتطلب اصلاح سياسات الدول الكبرى في العالم النامي وإلاّ سوف تتراكم آثار ترتد عليها بخسائر كبيرة.
وينصح التقرير بتوظيف كافة السياسات لتحاشي خيبة الأمل بالنهوض ولكي لا تتولد قناعات بعدم قدرة السياسات على رفع النمو الأقتصادي، وايضا كي لا تسود قناعات بأن الفئة عالية الدخل فقط هي التي تنتفع من النمو، وهذا موقف ايجابي إن كان يمثل توجها جديدا يطال سياسات الصندوق والمؤسسات الأخرى. نعم التأكيد على النمو والتوزيع العادل للرفاه هو ما ينفع الناس وليس المبالغة في الحرص على الأستقرار المالي الدولي الذي انتهى إلى اعنف ازمة بعد الكساد الكبير، والخوف من التدخل الحكومي الذي انتج حكومات عاجزة عن اداء دورها الأقتصادي، ولم تتحسن بيئة الأعمال ، ولم تشتغل الأسواق تلقائيا لصناعة النمو المستدام كما وعدت الأدبيات الرائجة. ولابد للتجربة الطويلة للدول والمجتماعات ان تأخذ مداها في التنظير. د. احمد إبريهي علي













التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تطبيق يتيح خدمة -أبناء بديلون- لكبار السن الوحيدين ! | كليك


.. تزايد الحديث عن النووي الإيراني بعد التصعيد الإسرائيلي-الإير




.. منظمة -فاو-: الحرب تهدد الموسم الزراعي في السودان و توسع رقع


.. أ ف ب: حماس ستسلم الإثنين في القاهرة ردها على مقترح الهدنة ا




.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يلاحقون ضيوف حفل عشاء مراسلي البيت ا