الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-الجيل الثالث- و بداية بعث -الهوية الثقافية-..

علجية عيش
(aldjia aiche)

2016 / 10 / 10
العولمة وتطورات العالم المعاصر


تشير الدلائل أن الجيل الثالث من المهاجرين أصبح يثير تخوفا لدى الدول المستقبلة و بخاصة أمريكا، فأن تصبح أمريكيا مثلا عند العنصريين لا يعني إتقان اللغة الإنجليزية فقط، بل نبذ لغة و ثقافة الأبوين كذلك، و لهذا تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى"عولمة الثقافة" الهدف من ذلك إلغاء التعددية و الخصوصية الثقافية، و اعتناق الشعوب نمط ثقافي موحد

العديد من أنصار التعددية الثقافية من ذهبوا إلى الحديث عن الثقافة في بلاد الهجرة ، و دور المثقف في الحفاظ على هوية الأجيال، و قد صاغ أحد مؤرخي الهجرة و هو ماركوس لي هانسن في عام 1937 قانونا متعلقا بالأجيال، يقول هانس: " أن الجيل الأول من المهاجرين، و لأنهم مثقلين بهموم مادية، فهم لا يبدون اهتماما كبيرا بثقافة العالم القديم الذي جاءوا منه، و هو ما دفع بالجيل الثاني إلى تبنّي ثقافة النسيان، و الهروب من عادات الأسرة و الدين، بيد أن الجيل الثالث من الأبناء الذين ولدوا في بلاد الغربة ( أمريكا أو فرنسا أو في دولة أخرى) و تعلموا لغتها ، يتذكرون جذورهم و تراثهم المشترك، و هذا الجيل حسب هانسن، هو الذي يغذي اليوم بعث الهوية الثقافية و الحماسة للتعددية الثقافية، و من ثم فهم لا يعانون أيّ من مشاعر النقص، طالما يحملون جنسية البلد الذي ولدوا فيه ، و يقيمون فيه، و بها أصبحوا مواطنين و لهم كل الحقوق المدنية و السياسية، حيث راح البعض إلى جعل من الثقافة كعلم يدرس، و وضعوا لها قواعد و آليات، و منهم الإنتروبولوجي ليزلي وايت الذي صاغ في عام 1959 مصطلح "علم الثقافة" culturologie باعتبارها سلوك إنساني، و قال انه لا بد أن يخضع هذا السلوك إلى التحليل، في رده على علماء الاجتماع الثقافي، الذين رأوا أن المثقف وحده هو الذي له مَلَكَة إعطاء معاني للأشياء و المعاني ، و له القدرة على فهم تلك المعاني، و وحده يكشف عن فاعلية الممارسات الثقافية و تنوعها.
و الحقيقة أن الثقافة هي مركز الثقل الحقيقي في عملية البناء و النهضة، و تنمية الرصيد الثقافي والمخزون الفكري والحضاري الذي تزخر به الأمة العربية، و الذي من شانه أن يعمق الحوار الثقافي والانفتاح على ثقافات وحضارات الشعوب و يعزز منظومة القيم والتآخي والتسامح واحترام الخصوصية الثقافية، و بذلك فهو يشكل ( أي المثقف ) نقطة تواصل بين الأجيال، غير أنه في ظل التحولات و التغيرات، أصبح هذا الذي نسميه المثقف يرى كل شيئ ثقافة، و يرى نفسه أنه مطالب بإرضاء الجميع و تلبية رغباتهم، و يرى أن كل شيئ يمكن أن يكون ثقافة و حتى الذوق العام، و إن كان الذوق العام نظاما ثقافيا كما يقول الإنتروبولوجي كليفورد جيرت Clifford Geertz ، فالخطأ و الخطر هو أن ينظر المثقف إلى كل جماعة باعتبارها ثقافة، و لهذا اختلط الأمر بين دور السياسي و المثقف، و الدليل على ذلك، أنه يصعب اليوم فهم العلاقة بين ثقافتين أو أكثر، لأن التعددية الثقافية تقوم على أصل ثقافي.
يطرح بعض الباحثين سؤالا : "كيف يمكن للثقافة أن تتغذى و تبقى بعيدا عن العمل و إنتاج الثروة؟، و هم بذلك أرادوا أن يضعوا للثقافة هيكلا اقتصاديا، بمعنى إخضاعها للعرض و الطلب، ثقافة قائمة على اقتصاد السوق، و في هذا يمكن أن يُطْرَحَ السؤال بصيغة أخرى هي: كيف نبيع الثقافة؟ و هل يمكن أن نشتريها، أو بالأحرى نستوردها؟، إن استيراد الثقافة قضية مرتبطة بتكريس روح التبادل الثقافي، دون أن نضع النشاط الثقافي في إطاره الاقتصادي، اللوم طبعا يقع على"المثقف" الذي لم يفرض وجوده في الساحة، و كان سببا في تراجع الثقافة، و لم يضع رؤية واضحة تغذي التنوع الثقافي، و ترك جماعة تبحث عن الربح السريع ، تتلاعب بالمنظومة الثقافية ، ما جعل البعض ينعتون الثقافة، و من هنا يبدو دور "المثقف" كفاعل أساسي في بناء مجتمع معرفي ينتج أكثر مما يستهلك، و يؤثر في الآخر و لا يتأثر، و يفعل أكثر مما يقول، يحدث التغيير الإيجابي في المجتمع ، يصحح أخطاءه و ينتقل به من الحسن إلى الأحسن.
تلك هي التحديات التي ينبغي أن يرفعها المثقفون و النخبة لتحقيق تطلعات المجتمع و تؤصل إبداعات أفراده، و المثقف العربي وحده مهما كانت جنسيته و توجهاته الفكرية قادر على رفع التحديات ليضع الحلول للمشكلات الثقافية، نظرا لما تتسم به من شمول و مرونة و عمق، وحده قادر على أن يؤسس للوعي الثقافي المعرفي العام، و يخلق إطار فكري حرّ و مبدع، و لا يتأتي له ذلك إلا بالاحتكاك بالآخر و التعرف على عاداته و تقاليده و مراحل حياته الثقافية و يجعَل من المستقبل شيئا غير الحاضر، فالمدنية و النهوض الحضاري و الثقافي لا يمكن أن يستقيم كل واحد منها إلا في إطار تسوده الحرية الفكرية و الإبداعية ضمن إطار الممارسة الديمقراطية، الأمر هنا متعلق بقيام إجماع فكري بين جميع التيارات الثقافية الفكرية وحتى السياسية منها حول قضايا و أهداف وطنية و قومية تفرضها الظروف الراهنة ككل، فعندما تتوحد الأفكار و توضع في إطارها الصحيح، يستطيع الكثير المتعدد الثقافات كما قال إدوارد سعيد أن يصنع" أمة " منسجمة .
علجية عيش








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا يحب لاعبو الغولف ملاعب -لينكس- الصعبة؟


.. دمار كبير في عيتا الشعب وتبادل مستمر للقصف.. كيف يبدو المشه




.. المحكمة العليا الأميركية تحسم الجدل حول -حصانة ترامب-


.. وضع -غير مألوف- في فرنسا.. حكومة يمينية متطرفة تقترب من السل




.. قبل -جولة الحسم- في إيران.. معسكران متباينان وتغيير محدود |