الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضباب الرؤية وضوء الماضى

نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)

2016 / 10 / 12
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان



منذ خمسة وثلاثين عاما، وجدت نفسى بالسجن، على أرض زنزانة مليئة بالحشرات القارضة، بقرار شخصى منفرد من حاكم مصر حينئذ، لم يكن اسمى واردا فى القائمة التى تشمل ألفا وخمسمائة وستين شخصا، أعدتها المباحث العامة ليراجعها الحاكم بنفسه، وحين رأى أنها لا تشملني، أمسك قلمه وكتب اسمى بخط يده فى نهاية القائمة.
لم أدخل المنابر الهزلية ولا الأحزاب الورقية التى أصدر الحاكم قرارا بإنشائها، تمهيدا لأن يقلب نظام الحكم، ويتلقى المعونة الأمريكية: المسمار الأول فى نعش الاستقلال الوطنى السياسى الاقتصادي، والعودة الى دوامة التبعية والاستعمار.

كتبت ثلاث مقالات فقط، أفزعت الحاكم، نزعت فيها النقاب عن التناقضات الصارخة تحت اسم الديمقراطية، والثورة الخضراء، والانفتاح، والعلم والإيمان وغيرها من الشعارات الجوفاء، فالثورة الخضراء قضت على الخضرة وقتلت الإنتاج الزراعى، وهاجر الفلاحون سعيا للرزق، وأدى الانفتاح الى إغلاق المصانع وتشريد العمال وضرب الإنتاج الوطني، والاعتماد على الاستيراد والمعونات الخارجية وقروض البنك الدولى وصندوق النقد، مما أدى لتفاقم البطالة والفقر واللامساواة، وزادت الهوة بين الأثرياء والفقراء، وانطلق رجال الأعمال يلتهمون لحم الشعب، بالضبط كالنمر الدى نهش جسد طفلة العياط منذ أيام، والوحش الذكورى الذى إغتصب جسد طفل المعادى وأحدث به ثقبا أسود ينزف حتى اليوم، أما دولة العلم والإيمان فقد أدت الى انتشار الخرافات والعفاريت والثعبان الأقرع وعذاب القبر، وانطلقت النمور الدينية الإرهابية يلتهمون العقل المصري، يحرقون الكنائس، يزرعون الفتن والانقسامات، يضربون حقوق النساء، يفرضون الختان والنقاب على الأطفال، ويشجعون الرجال على التعددية الجنسية واشباع النزوات داخل الزواج وخارجه، وامتلاك الإماء والجوارى وملك اليمين، وتوغل هذا الانغلاق الفكرى فى المدن والقرى والنجوع فى الدولة والأسرة، فى الاقتصاد والثقافة والتعليم، أما التعددية الحزبية فقد أنتجت أحزابا كرتونية لم يعد لها أثر فى يومنا هذا، ونهشت أنياب الديمقراطية الحريات الفردية والجماعية أكثر مما تفعل الديكتاتوريات الشرسة.

وكان يمكن للعبور الناجح الذى قام به الجنود المصريون فى الأيام الأولى لحرب أكتوبر، أن يحرر مصر كلها وليس فقط سيناء، من التبعية والاحتلال لكن الحاكم ضرب الشعب فى أوج الفرح بقرار منفرد أدى الى ثقب أسود فى جسد النصر سمى «الثغرة» وبعد الفرحة غرقنا فى الحزن والكمد على ما يحدث فى الضباب من وقف إطلاق النار، الى مفاوضات الكيلو 101، الى دخول مصر فى ثقب أسود، اسمه ـ التفاوض لتسوية الصراع العربى الإسرائيلى ـ ثم معاهدة السلام، التى أدت لمزيد من الحروب والمفاوضات اللانهائية داخل الثقب الأسود كنت فى الزنزانة مع المحبوسات، ومن الراديو الترانزيستور، نتابع الحاكم يهدد بقطع أعناقنا، ويخيم التشاؤم والاكتئاب على الجميع، فينتفض عملاق الأمل فى أعماقى هاتفا: هو هيموت وإحنا هنخرج من السجن, وتتهكم امرأة محجبة على تفاؤلى الطفولى صارخة: هيقتلنا كانت متعصبة متشنجة تتهم السافرات بالكفر والإلحاد، وتتهم زميلاتها الإسلاميات بعدم النطق الصحيح للقرآن، وتشتبك يوميا فى معارك عصابية ضارية حتى قررت جميع المسجونات مطالبة إدارة السجن بنقلها إلى عنبر آخر.

وفى يوم احتفاله بعيد نصره تم اغتيال الحاكم ، بسلاح القوى الدينية الإرهابية ذاتها التى دعمها بالمال والسلاح والاعلام.

منذ التاريخ القديم يظل الشعب المصرى أكثر ذكاء وإبداعا من ملوكه وحكامه، فالعقل المبدع لا يهدر وقته فى السعى للحكم، ولا يغير التاريخ إلا العقول المبدعة، يستخدم أغلب الحكام إبداع الشعوب للتسلط والإثراء، ثم يموت الحاكم، وتبقى الشعوب أقوى من جيوشها وحكامها الطغاة، تغلب الشعب المصرى على جميع الغزوات والهزائم التى جلبها ملوكه وحكامه بالداخل والخارج، تغلب الشعب المصرى على هزيمة يونيو الكبرى منذ تسعة وأربعين عاما، وتغلب الشعب بثورته فى يناير منذ خمسة أعوام على حكم الاستبداد والفساد ثم تغلب فى يونيو، منذ ثلاثة أعوام فقط، على دكتاتورية الحكم الدينى ترفض الشعوب الهزيمة بحكم الطبيعة والتاريخ والذاكرة والإبداع.

يقوم الإبداع الشعبى على الربط بين السياسة والحرب والاقتصاد والجنس والثقافة والتعليم والعلم والفلسفة والفن والدين والأخلاق، لا تنفصل الحرب العسكرية عما يعقبها من نتائج اقتصادية سياسية اجتماعية ثقافية يلعب الزمن دورا فى الكشف عن الهزيمة أو النصر، وتظل الرؤية ضبابية فى الحاضر، حتى يكشفها ضوء الماضى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الى أجمل واصدق امرأة
فؤاده العراقيه ( 2016 / 10 / 12 - 21:46 )
نتابع كتاباتكِ التي تحمل معاني الجمال دوما وننتظرها بفارغ الصبر فهي بمثابة الزاد لنا ومنكِ نتزود بالامل والحب الذي تنطق به كلماتكِ


2 - سئ الذكر
على سالم ( 2016 / 10 / 13 - 06:03 )
من المعلوم جيدا ان الاغبر الساداتى كان فأل خراب ودمار على مصر , المنكوب كان مدمن حشيش وافيون والكحول وخاصه الفودكا وكان مدمن على رؤيه الافلام الاباحيه ومجله البلاى بوى وكنت اضحك كثيرا عليه عندما كان يتحدث الانجليزيه المكسره , هذا الداعر كان يسمى نفسه الرئيس المؤمن ؟؟حقا شر البليه مايضحك


3 - ما لم تقله نوال السعداوي
سامي الذيب ( 2016 / 10 / 13 - 15:22 )
ما لم تقله نوال السعداوي
---------------
في مقابلة لها
https://goo.gl/bHFCzk
تقول نوال السعداوي:
-لدي افكار كثيرة لم اعلنها بعد، ولا احد يجرؤ على نشرها-
وعندما سألها مقدم البرنامج: -حول ماذا تدور هذه الأفكار الجريئة؟-
وكان جوابها:
-على كل المحرمات. إحنا لسا حياتنا كلها محرمات. أنا لم اكتب كل آرائي. أنا عملت -الإله يقدم استقالته في اجتماع القمة- (انصحكم بقراءته https://goo.gl/oBrJDb). عملوا علي قضية وعشت المنفى. انا عايز اعمل مسرحية اكثر شجاعة من هذا. لسا لسا. من يستطيع ان ينشر؟ مين؟ لا احد. كتاب -الإله يقدم استقالته- الناشر مدبولي حرقه. يعني الي نشره ودفع فيه فلوس حرقه بناء على أمر البوليس. ولا دار في بيروت ما يقدروش-.
وسألها مقدم البرنامج: -ما بتفكري تنشري بخارج العالم العربي؟ في اوروبا وفي امريكا؟-
فأجابت:
-ولا في اوروبا يمكن ينشروه ... انت تعرف نحن نعيش في عالم واحد-.
يا ترى ماذا تخفي لنا نوال السعداوي؟
آمل ان يمد الله في عمرها وأن تكشف لنا عن خبايا فكرها
وانا اتعهد بنشر كتابها حالا لو انها كتبته وهذا عنواني
[email protected]

اخر الافلام

.. السودان الآن مع صلاح شرارة:


.. السودان الآن مع صلاح شرارة: جهود أفريقية لجمع البرهان وحميدت




.. اليمن.. عارضة أزياء في السجن بسبب الحجاب! • فرانس 24


.. سيناريوهات للحرب العالمية الثالثة فات الأوان على وقفها.. فأي




.. ارتفاع عدد ضحايا استهدف منزل في بيت لاهيا إلى 15 قتيلا| #الظ