الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفقر المدقع

كمال تاجا

2016 / 10 / 12
الادب والفن


الفقر المدقع

أنه من صنف
هذا الفقر المدقع
الذي يحبو على عكاز
فاقة مستدامة
وهو يضرب بالأرض
يسأل عن حاجة ماسة
ولو من سقط الأيدي
ويفتش بجيوب
النظرات المتخفية
عن قرش زائد
-
وهو الذي يكنس الشوارع
من غبار الزفت
ووحل الأرصفة
ويمسح الأرض بمتاعه
الذي يقطن فيه
بين المنعطفات
وخلف الزوايا الحادة
من حصيرة ممزقة
يحضرها ليلف بها رفاته ~ النائمة
مع كوب ماء فارغ
و كسرة خبز جافة
مع عبرة جامدة
تلملم حبات القلوب
في كأس عين شاردة
*
وهو العاهة الاجتماعية
التي لا شفاء منها
في مجتمعات متحضرة تعسفاً
وإلى حيث لا حياة لمن تنادي
*
وهو المتمتع بالمتانة الحصريه
لذلك الطراز القديم . المقموع
بالإذلال الذاتي
*
ومن هذا النوع المستهلك
الكثير الإهمال
من الضآلة الإنسانية المخزية
والمحضر جيداً
لانتحال صفة مسكين

ويقف مثل نفر عبرة
كرقرقة دمعة
هوت كحد السيف
عن جفنيه
ويبتعد
وعلى شفا مواربة
أنظاركم عنه
*
إنه صاحب تكشيرة .. الخنوع العنيفة
واستكانة الشفتين المنكمشتين
من عضة الاضطهاد
وتلوي الاستكانة
*
وهو الذي يزدرد
كسرة الخبز الجافة
وجرعة الماء الضئيلة
التي يلعقها بلسانه
نقطة تلو النقطة
والتي لا تروي غليل معتل
*
و يلتقط رزقه
ومن بين وحل الفتات
بمنقار طائر حزين
*
وهو سارق هذه الأنفاس
اللاهثة بالفرار
والتي استولى عليها عنوة
غصباً عن أنوفكم
*
إنه ذلك الإنسان البسيط الجائع
والباحث عن بقايا الطعام
في حاويات القمامة ...الناتجة
عن فرط شهيتكم
من فضلات عفت عنها نفوسكم
تطعم نصف سكان العالم جميعاً
***
وهو الذي يرتدي ملابسكم الممزقة
و التي بالكاد يقدر على أن يرفو .. ثقوبها
والعاجز عن ترقيعها
فتبان ألوان بشرته الصفراء المحروقة
من مزق وفتحات خلفتها
وهده اضطجع .. تكم
وعلى بال مستريح
***
وهو عابر المدى الرحب
بالشحاطة المتهرئة المهلهلة
والتي تسمح لأصابع قدميه
لأن تهرب منها
لتمسح زفت الشوارع
وتكنس ملاط الأرصفة
و بأن تلتقط كسرة الأشواك الجافة
برؤوس أصابعها المكوية من اللسع
وهو يتلوى من غيظ متاعب الطريق
و تنكمش نفسه
وهي تلطت بنثرات
الزجاج المحطمة
كوخذ وعلى حين غرة
من لدغات المباغتة
*
و يا من يراه يحبوا بتقرحات
تنزف من خطواته المحبطة
المتخبطة جيئة وذهاباً بالمكان
وهو منهمك على الدوام
كعامل سخرة
دون أجر
على جر أحمال الطريق
في قفف الهموم
الذي يقربها إلى أذهانكم
***
إنه صاحب النظرة المنخفضة
المحنية الرأس
ومن تحت مستوى الذقن
***
وهو أيضاً خائن البصر
على رفه العين المختلسة
لعلو قيمتكم
العظيم الشأن
خوفاً من انخطاف النظر
على ثرائكم المدهش
***
والذي يحمل طعنته الخاصة
في صميم القلب
وعلى شكل تلوي
وفي كل موضع مغص
-
ويعاني من ظلم المجتمع المدني
على تعرية أعضائه
من الحطام
أمام شهود عيان
الحضارة السائدة
*
يامن يراه وهو يتأبط جراحة النازفة
من عاهات
سببتها قسوة قلوبكم
على استهلاكه حتى آخر نفس
بقية باقية من رمق
*
ويترك أشلاؤه المحطمة على الأرصفة
من أولاد عاهات
وبنات ملطخات
وأطفال رضع
أمهاتهم تلقي لهم بأثداء ممصوصة
من شدة إعياء~الاستياء
وعلى عيون الإشهاد
جرى شفطها
دون تعويض غذاء
حتى أخر رمق
-
والعائلة الكريمة تمد الفراش ~ للنوم
وعلى عيون الناس
وتحت مستوى الأنظار
والتي تتأففون عن رؤيتها
وتغضون النظر عنها
ممعنين .. بسوء معاملته
*
وهو دون أن يدري
يكشف عن عاهاته علناً
يسدل يداه المحطمة
من ثقل الرفش
وجور المنجل
*
ويحني كتف مهدودة
من رعونة المطرقة
وصدمة الفأس
*
ويعاني من شدة البأس
ومن وجع الرأس
***
ومن فم معوج
عن الجهر بالحقيقة
أثر صفعة شديدة
***
أو كاهل محني
محدودب الإرادة
من شدة السلب المعنوي
*
أو وهو بتطلع بعين مكسورة
لا تعلو على الحاجب
*
وهو أيضاً المسفوك دمه
في مواجهة الجشع البشري
وهو المعد للاستهلاك الإنساني
معروض للبيع علانية
وبسعر مجاني .. لا يجارى
***
أبن شوارع متشعبة
وجار أزقة مسدودة
وحارات مرصوصة رص
ساكنيها يقضون جل أوقاتهم
على أرائك محطمة
في صالون الطريق العام
المشرع ضيوفه
على سالكي السبل الضيقة
حتى نهاية المطاف
*
و البعض منهم ساكن على السطوح
مع عش يمامة
وحجر صرصور أليف
متعايش مع جرذ وليف
والفيء كثير
*
ويتبارزون بسيوف عصي خشبية
تنفيساً عن النكد
العصي
على دمع عيونهم
***
ويقضون جل أوقات حياتهم
بين طنين ذباب
فوق المزابل
ومع جيوش صراصير
تحت الموائد
و بصحبة جحافل جرذان
بين الخرائب
ناهيك عن لسعة البعوض
والذي يكوي فرائصهم
ومن كل جانب
*
ولا تحسبن أنهم سعداء
في قضاء. عمر . جل أوقاتهم
بهذه الروضة الاستثنائية
مع وسائل هباب تشجيعية
تثير هياج عجاج
في كل محط غبار
مما تلف الأنظار
برداءة الطقس
*
و لا تحسبهم ينعمون
دون أي اعتراض
في عيش حياة رغيدة
بين أشلاء الحطام
وضمن الخرائب
وفوق مقالب القمامة
***
هذا الرجل المسحوق
شفتاه المنكمشة
لا تفضي إلى بسمة
ولا لعابه يسيل
على مذاق لهفة
سقطت من على صكه أسنان ملتوية
*
ويعاني من طعنة
تكشيرة عنيفة
هتكت أوداجه
و قلبت شفة مزاجه
من عيش حياة صعبة ..
من وطء الهجير
كشر مستطير
ويتمرغ في درك قذارة
الانحطاط الدونية
وإلى ما لا نهاية له
من ضآلة واستخفاف
***
يا من تراه يتابع
تشرد فراخ أوهامه
كعورات مكشوفة للعيان الاحتفالي
وعلى طريق السابلة
وهو يلقي بمواعظ
على منبر الوعي الحضاري
من فساد أخلاقي
وسلب معنوي
ونقمة عامة
*
وأطفاله يستجدون الناس
عن فلس بسيط
و عن كسرة خبز من رغيف جاف
وهم يبحثون بين نبش مكب
القذارة البشرية
عن لمسة حنان
تربت على كتفهم
أو نظرة ودودة
غير التكشيرة المعهودة
والتي تنهاهم عن الكلام
*
وهو دائما يقع تحت الأنظار
كمتهم اعتباطي
لسرقة وهم
أونشل طيف
أو بالسطو على محض خيال
في كل توجيه
أصبع إدانة
إلى انحطاط قدره
وينام على الطوى
يبحث عن نظرة شفقة
ترد له روع ذل الاستكانة
*
والفقير وحده هو الذي سيدفع الثمن
المجحف بحقه
ويقوم بتسديد قروض .. الدين العام
للمجتمع المدني
وعلى الدوام

كمال تاجا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاعلكم الحلقة كاملة | حملة هاريس: انتخبونا ولو في السر و فن


.. -أركسترا مزيكا-: احتفاء متجدد بالموسيقى العربية في أوروبا… •




.. هيفاء حسين لـ «الأيام»: فخورة بالتطور الكبير في مهرجان البحر


.. عوام في بحر الكلام | مع جمال بخيت - الشاعر حسن أبو عتمان | ا




.. الرئيس السيسي يشاهد فيلم قصير خلال الجلسة الافتتاحية للمنتدى