الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شيزوفرينيا قصصية

حبيب مال الله ابراهيم
(Habeeb Ibrahim)

2016 / 10 / 15
الادب والفن


شيزوفرينيا قصصية
حبيب مال الله ابراهيم
ماتت الناس في ليلة ظلماء وعم هدوء مشوب بالفناء. لم يبق إنسان أستطيع أن أتحدث إليه، سألت نفسي آنذاك:
- يجدر أن أجد غابة لأعيش على ثمارها قبل أن يقتلني الجوع. كأنني سأصبح آدم زماني أجوب باحثا عن حواء لكني لن أجدها إذا كان الجميع قد ماتوا.
خرجت إلى الشارع كانت الظلمة قاتمة حدثت نفسي قائلا:
- يبدو أن محطات الكهرباء قد توقفت بعد أن نفد وقودها.
كانت هناك سيارة واقفة، فتحت بابها،أخرجت منها جثة ووقفت مليا أرقب. اخترقت شوارع المدينة وبحثت عن ناجين دون جدوى. يبدو إن يوم الحساب قد حان، لكن ما الذي جعلني أبقى هنا لوحدي أنا أعترض ينبغي أن أكون معهم في المحكمة. توقفت أمام محل كبير. دخلته. كانت الجثث على الأرض تشكوا الإهمال وقع نظري على حقيبة، تناولتها وهممت بفتحها، كانت مليئة بالمال. سالت نفسي:
- إنها لا تنفعني بعد اليوم، ينبغي أن ابحث عن بني جنسي.
عدت إلى البيت فتحت الباب رأيت رجلا جالسا على الكنبة الموضوعة في الصالة، سألته في الحال:
- أنت حي إذن من تكون؟
- أنا القدر!
- ماذا؟ اسالك عن اسمك؟
- أنا القدر. ألست تصدقني؟
- القدر الذي يخطط لمستقبلنا؟
- اجل.
جلست على كرسي قريب منه:
- ماذا سأفعل لوحدي الآن في هذه المدينة؟
- بل في هذا العالم!
- تعني انك قتلت العالم جميعا.
- بل توفاهم الله جميعا.
وضعت كفي على وجهي وأجهشت في البكاء:
- لماذا تبكي؟ ألست تستطيع العيش لوحدك؟
- وهل كنت أستطيع العيش مع غيري لأعيش وحيدا.
- لكنت دعوت مرارا أن تكون في هذا العالم لوحدك!
قلت بصوت عال:
- دعوت ولكن أتقبل كل دعواتي؟ أيستجاب لها؟
- هذه كانت رغبتك إني ذاهب.
قام وانصرف بعد أن تركني وحدي، قمت لأفتح التلفزيون، لكن لا شيء، حتى قنوات التلفزيون قد انقطع بثها. قررت أن أنام، اجل، لم لا، حتى الصباح.
*****
استيقظت فجر ذلك اليوم كعادتي متوجها إلى عملي، كانت أمي ما تزال نائمة وصياح الديك الوحيد في بيتنا يحز في النفس إحساسا بالوحدة. كان خالي وابنته بانتظاري في الحقل لذلك كان لابد من الالتحاق بهما قبل مجيء وقت الظهيرة وارتفاع درجات الحرارة. سلمت عليهما وجلست. سألني خالي:
- لماذا جلست؟ هيا بنا.
اقتربت من جدول الماء وغسلت وجهي كي يعود لي رشدي ويذهب النوم من عيني:
- هيا بنا.
- خالي، لقد حلمت بك الليلة.
- كيف؟
- حلمت انك أهديت لي أحد قمصانك.
ابتسم في هذه الأثناء قائلا:
- يبدو انك تمزح!
- لا أبدا.
- إذن، يجب أن ننهي الموضوع الذي تحدثت به مع أختي قريبا وان نزف إليك اميرة.
نظرت إلي اميرة في الحال وابتسمنا في هدوء.
- وهناك شيء آخر لابد أن تعرفه..
- ما هو؟
- آه…خالي..
- أحذر..إنها أفعى…انتظر…سأقتلها
- لكنها لسعتني..
- ماذا تقول؟
فقدت وعيي في هذه الأثناء.
*****
فتحت عيني فشممت رائحة شهية تفتح الأنفاس.ناديت ببرود:
- علياء.
سمعت صوتها من المطبخ:
- ألا تستيقظ يا حبيبي.
رن جرس الهاتف…فرفعت سماعته:
- الو…أأنت السيد حميد؟
- نعم تفضل.
- أنا النقيب سمير من مركز الشرطة، أريد إخباركم إن شقيقك مقبوض عليه بتهمة الاعتداء على زوجته.
- ماذا وأين هو الآن؟
- انه معي…تستطيع التحدث إليه.
لم يكد تمر ثوانٍ حتى سمعت صوته:
- الو حميد أرجو أن تحضر في الحال!
- أصحيح ما سمعته؟
- اجل يا أخي كله بسببها.
- سأحضر حالا.
- لا تتأخر.
وضعت السماعة ودخلت زوجتي في هذه الاثناء:
- مع من كنت تتحدث؟
- مع أخي.
- أ هناك شيء؟
- انه بخصوص شجاره مع زوجته.
- الشجار من جديد يا لها من امرأة مسكينة.
- أرجوك، لا تتدخلي في أمور الآخرين.
- أتذهب لزيارته؟
- بل لرؤيته في مركز الشرطة لأنه مقبوض عليه بتهمة الاعتداء على زوجته.
- ولن تذهب إلى عملك؟
- ساذهب إلى بيته أولا لإقناع زوجته للتنازل عن شكواها اعتقد إن حياتهما لم تعد تتحمل العيش سوية، لابد أن يفترقا. كنت بعد ساعة جالسا مع زوجته:
- أنا عاتب عليك لان ما قمت به. لم يفعله أحد غيرك انه زوجك على أية حال دعك من العلاقة بيننا .تقدمت وجلست قربي:
- لا تبالي.
وضعت يدها على صدري وأمسكت وجهي بيدها الأخرى ثم طوقت عنقي بيدها:
- ماذا تفعلين أجننت؟
- اجل جننت بحبك.
أمسكت برأسها وأبعدته بيدي وقمت في الحال. توجهت إلى الباب لأقفل خارجا فسمعت صوتها:
- إياك أن تخرج وإلا قتلتك..انتظر.
سمعت صوت طلقة نارية وقعت على أثرها على الأرض وأحسست بدمائي تسيل وتقدمت مني حتى وقفت على رأسي وهي تضحك ففقدت وعيي.
*****
فتحت عيني ونظرت إلى الساعة كانت تشير إلى الحادية عشرة مساءً، تذكرت إنني نمت عند الساعة السابعة مساءً. كان صوت المطر ما زال متواصلا والمذياع إلى جانبي يبث صوتا لأغنية شجية. أخرجت رأسي من تحت الغطاء وألفيت الجو باردا في الغرفة. قمت في الحال وتوجهت إلى المطبخ. حين فتحت الثلاجة، كانت هناك قطعة من اللحم وفخذ دجاجة وعدة تفاحات. تناولت عشائي بشهية وعدت إلى غرفة نومي. جلست على كرسي وأحضرت ورقة وقلما لأكتب رسالة إلى ابني:
(ابني العزيز..لا تظن إن مفارقتك لي كانت أمرا هينا على شخص مثلي تجاوز الخمسين من عمره، بل أقول إن الحياة لم تعد تطاق، فالوحدة بدأت ترهق كاهلي النحيل فحين ذهبت مع والدتك اعني مطلقتي أيقنت انه من الصعوبة العيش لوحدي، لذا يجدر بك زيارتي في أقرب فرصة سانحة مع حبي).
وضعت الرسالة داخل مظروف وتركته على الطاولة، عدت من جديد واستلقيت على سريري فغلبني النوم.
*****
استيقظت على صوت انفجار قذيفة في الطابق العلوي حين كنت نائما بعد انقطاع عن النوم دام ليومين متتالين. اقتربت من الشرفة ورأيت قطع الزجاج متناثرة سمعت أحدهم ينادي:
- برلين احتلت...تبا...يجب أن تقاوموا.
فحز ذلك في نفسي وهمست:
- الرايخ...لماذا لم يقاوم؟ أين هتلر؟ يبدو انه يخطط لمفاجأة، ليس يستسلم بهذه السهولة.
عدت اسمعه ينادي:
- التحالف دخلوا مدنكم أيها الأوغاد...تبا لكم...هبوا لقتالهم..آه..آه..
يبدو أنهم قتلوه...آه..أين الرجال؟ لقوا حتفهم بين الثلوج. إنها الحرب لا ترحم.
دخلت غرفة النوم، بدأت اسمع الأخبار من مذياع قديم تركه لي ابني قبل أن يرحل إلى النمسا قبل اندلاع الحرب بأيام. سالت نفسي آنذاك:
- ترى أين أنت الآن يا آلان...لقد اشتقت إليك. أخشى أن أموت...وان يجدوا جثتي تحت ركام هذا البيت القديم...وابتسمت حين راودتني فكرة طريفة...الموت...أنرغب أن يتم بأمرنا نختار نحن اليوم والمكان؟ رقدت على السرير وتناولني النوم من جديد.
*****
استيقظت على صوت الجرس. ألفيت نفسي جالسا على كرسي في قاعة المحاضرات في معهد الترجمة بجامعة سيدي منصور. كان لابد من معرفة أسباب نومي لأنها المرة الأولى منذ دراستي، تذكرت إنني كنت ساهرا أمس برفقة نجلاء أرادت أن أنسى نفسي ليلة أمس والتفرغ إليها بكل حواسي. لم استطع في البدء لان تفكيري كان منشغلا بامتحان اليوم لكنها أجبرتني على نسيان اسمي حتى حين جلست على جانبي وبدأت تعبث بشعري وتلثم بقايا مقاومة ظلت في.
أرادت أن تبرهن لي ان مفتاح حياتها اليوم سيكون بيدي وإنني أتحكم بما بقيت فيها من حياة..أطلعتني على أسرارها.. وجعلتني أقوم بما لم أقم به في سابق سنوات صباي. أردت أن اعبر لها عن مدى احترامي لمفاتنها..لكني فشلت..لم أكن إلا كالذي يدعي انه لا يكذب..بيد ان عينه سرعان ما تكشفان عن كذبه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -مندوب الليل-..حياة الليل في الرياض كما لم تظهر من قبل على ش


.. -إيقاعات الحرية-.. احتفال عالمي بموسيقى الجاز




.. موسيقى الجاز.. جسر لنشر السلام وتقريب الثقافات بين الشعوب


.. الدكتور حسام درويش يكيل الاتهامات لأطروحات جورج صليبا الفكري




.. أسيل مسعود تبهر العالم بصوتها وتحمل الموسيقى من سوريا إلى إس