الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضفتان

حبيب مال الله ابراهيم
(Habeeb Ibrahim)

2016 / 10 / 15
الادب والفن


ضفتان
د. حبيب مال الله ابراهيم
كم جلسنا في أعالي القلعة الموغلة في القدم وتعاتبنا وأطلنا من هناك لنرى مفاتن مدينة كركوك. عرفتها قبل ثلاث سنوات وفكرت في أمر الاقتران بها قبل أسبوع، سألت نفسي آنذاك: أليس الحب يفضي إلى الزواج؟ طريق نحو مملكة الزواج. وإلا ما فائدة إننا نتبادل الرسائل ونتهاتف بعد منتصف الليل؟ وتتملكني الرجفة حين تمتد يدي لتلامس يديها، أو حين نشاغل الزمن لنسرق قبلة قبل أن ترانا نظرات عاذل.
أخبرتني أميرة قبل أسبوع إننا وصلنا بمركبنا إلى مرفأ الزواج الذي انتظرناه، لم أناقش نفسي بأمر الزواج، فقد كنت على استعداد لتقبله على انه خاتمة لحبنا في شطره الأول، أما الشطر الثاني للحب فيبدأ بعد دخولنا المملكة أعني بعد الزواج.كنا جالسين في متنزه قريب من المكتبة العامة على مرأى من نهر الخاصة تفصل بيننا طاولة وضعت عليها كأسا مليئة بالماء.
- أميرة..لقد فكرت في موضوع زواجنا كثيرا، وعلمت بان روحي تطلبك قبل نفسي.
- إنها الفرصة الأخيرة فليست في الأيام المقبلة فرص أخرى.
- ماذا سيحدث لو ردمنا هذا النهر؟ لو ألغينا ضفتي المدينة إنها تعذبني.
ابتسمت وهي تهمس:
- أهناك المزيد من هذه الأحاديث؟ أتريد أن تقود ثورة بوجه ضفتنا؟ وقد قلت لي يوما بانك ترغب بالانتقال إليها لأن الأغنياء يسكنون بين أحيائها.
- لو ثرنا واحتل ثوارنا ضفتكم، لن أدعهم يمسونك بسوء.
- لا أخشى شيئا أنك تحتل.....
- احتل قطعة من قلبك، أليس كذلك؟ ومن يحتل قلبي يا سيدة ضفة الأغنياء؟
- وهل أنت سيد ضفة الفقـ....؟
لم تكمل، إنها هكذا منذ أحببتها لا تريد أن تذكرني بأنني حبيب فقير لقلبها يبحث عن حلمه في ضفة الأغنياء.
- أميرة، لو كان بيدي لتزوجتك في عالم الأرواح لا أريد أن تأتى لتسكني في (المصلى) لأنك لا تستطيعين العيش فيها.
فقاطعتني:
- وهل تستطيع أنت أن تتخلى عن ضفتك؟
تأوهت قبل أن أقول:
- وهل يشتاق الغني إلى الفقر؟ أم ترين الفقير يرفض الغني؟
فابتسمت قائلة:
- يبدو إننا سنواجه مصاعب في طريقها إلينا كأنني معك في مدرسة أتعلم كل يوم ما يدخل في حساب العقل.
- ولو فقدنا الأمل؟
- لن نفقده أعدك.
نظرت إلى ساعتها وأضافت:
- سمير..الحب يصنع المعجزات.. أخشى ألا يصنع شيئا لنا.
- حبك معجزة يا حبيبتي، وإلا كيف يجدر لروحين تسكن كل واحدة في ضفة أن تلتقيا.
- لا تنس انك ألان ضيف في ضفتنا.
- أريد أن يمنحني سيدة ضفتكم إقامة دائمة.
- أهناك سيدة أخرى لضفتنا غيري؟
- ستمنحينني أنت الإقامة اذن في ضفتكم.
- هذا مستحيل، إلا إذا كنت تقصد إقامة من نوع آخر.
- في قلبك مثلا .
قامت في الحال وهي تهمس:
- لقد تأخرت ورددت قبل أن تنصرف:
- إلى اللقاء.
فقلت لنفسي:
- ليتني اعلم أهناك المزيد من اللقاءات في سجلات الغد؟ أجيبيني أيتها الأيام.
عدت إلى ضفتي الفقيرة وجلست في مقهى قريب من القلعة، فلاح أمامي صديقي حسين وجلس قربي.
- سمير..ما بك تفكر في الأعماق.
- لا أستطيع التفكير إلا في جناحين أستعين بهما في الطيران.
- أتريد أن تكون فرناس زمانك؟
- إنني صادق أريد أن احلق عاليا، أن أغيب بين الغيوم وأكون كالشمس اغرب في المساء وأشرق في الصباح، لان الليل بات يؤرقني.
امسك بيدي فجأة وهو يقول:
- هيا بنا
- إلى أين؟
- إلى القلعة، اشتاق لزيارتها بين حين أخر.
- القلعة، كم أتمنى أن تتحول إلى قصر، لأسكن فيه واقضي بين جدرانه سنوات حياتي، وان تسكن معي الحبيبة. أتعلم إن لي حبيبتين؟ القلعة وأميرة.
- كركوك جميلة بقلعتها.. يخيل لي إنها لن تكون كذلك دونها.. كغابة قطعت أشجارها
- هيا بنا ما دام وصفك لها كان جميلا.
*****
- قلت لحسين إن الحب ثورة تحدث تغييراً في نفوس العشاق، ويقذف بهم في الأعماق ويشغلهم عن كل ما حولهم وينسيهم كرههم للآخرين.
- لأنك حبيب سخي يا صديقي، أحببت لتتزوج، وقد طرقت الباب ليفتح لك...اعني لم تحاول الدخول من الشباك.
- وهل كل حب مؤطر بالإخلاص يلاقي في سبيله المحبون عذابا، إنني مشتاق لسهولة الوصول إلى أحلامي يا صديقي، أرجوك ادعوا لي بيسر الوصول.
- لا تحزن، أتظن إن الأنهار تفيض في كل موسم؟ انه موسم الفيضان بالنسبة لك يا صديقي.
- وموسم الفيضان هذا أيهدد الساكنين في ضفتنا؟ أعني من يعتلون قاربا محفورا، أم انه يهدد ساكني الضفة الأخرى وهم على متن باخرة.
- أتريد أن تصل إلى إحساس تقنع به نفسك؟ لن يكون وصولك بالكلمات انه وصول بالقلب، أرح قلبك يا صديقي، وإذا أردت الراحة؟ فصل إلى هذا الإحساس بإيمانك.
- أميرة سنثور في القريب، سنأتي أفواجا لتحرير ضفتكم.
- وكيف ذلك؟ ستكونون محتلين.
- برأيي لن أكون محتلا، لأنني أثور من اجل تحرير سيدة الضفة الأخرى من الحزن انه حق مشروع أن أحرر ضفتكم لأفوز بك.
- أأبقى في أسرك طويلا؟
- سآخذك إلى قصري في القلعة.
- دعنا نصحوا من حلمك.. وأسألك.. ماذا قررت في أمرنا؟
- قررت أن أتزوج سيدة الضفة الأخرى حين أحررها.
- سمير..أرجوك..أنا أسالك بجد.
- أميرة لماذا أنت غاضبة؟ أهناك شيء لا يسر؟ منذ جلست معك وأنت شاردة البال.لم أسالك، فقد أردت أن اقنع نفسي بأنه ليس هناك ما لا يسر.
فقالت بغضب:
- بل هناك شيء..وشيء لا يسر.
- أيتعلق بأمر وظيفتك؟ أنقلت إلى مدرسة أخرى؟
- كلا..انه بخصوص طلب يدي للزواج، أعلمت ألان؟
- لم اعلم.
- لقد تقدم شاب لطلب يدي، وقد وافق والدي، ماذا تنتظر أخبرني؟
وضعت رأسها على يدها وسمعت صوت نشيجها، تملكني حزن عميق، أحسست إن الزمن يصرخ بوجهي:
- لا مزيد من اللقاءات أيها الفقير، اذهب وابحث عن فرصتك في مكان آخر.
رفعت رأسها بعد لحظات....وقامت، ثم ألقت علي نظرة رثاء ليست إلا، نظرة لمحت فيها أحلامي وهي تتهاوى تاركة مكانها خرابا. تذكرت حينها حديث صديقي حسين قبل أيام حين جعل يحدثني عن حالي، وختم حديثه قائلاً:
- نم يا صديقي قبل مجيء ليالي السهر.
آمنت بما قال، يجدر أن اذهب إلى البيت لأنام لأن الثوار لن يقتنعوا بفكرتي في احتلال الضفة الأخرى... وداعا قلتها و لمست بسبابتي قطرة دمع عالقة في طرف عيني، لتفتح الطريق لقطرات أخرى وهمست:
- أأستطيع أن أغزو ضفتكم؟ أم إن سيدتها سترحل قبل أن أحررها؟
انصرفت دون أن تجيب بعد أن أعادت ألي قلبي الموجع.
*****
تزوج صديقي حسين بعد أسبوع سيدة الضفة الأخرى أميرة، لم يفاجئني بذلك إلا قبل زواجه بيومين، خشيت أن يصفعني حين اخبرني وهو يقول:
- لماذا لم تخبرني إن أميرة كانت حبيبتك أيها الأحمق؟ كم مرة لمست يدها؟ اخبرني أيها الخائن.
يخيل لي إن الزمن لا يريد أن يقطع صلتنا بالحياة مرة واحدة, بل يمنحنا بصيص نور في ظلمة الطريق لنبقى على صلة بالحياة وإلا لسلك الجميع طريق الانتحار لأنهم أصبحوا فريسة لليأس، لذلك تزوجت أنا الآخر..طريف أن أقول إنني تزوجت ابنة خالي في الضفة الأخرى، وطريف أيضا أن أقول إنني انتقلت للسكن معها في ضفتها. وبدأت أتساءل:
- ما هذا التناقض، كأنني وأميرة، أعني (زوجة زميلي) شهد الزمان لنا ألا نعيش في ضفة واحدة. هي جاءت لتعيش مع زميلي في ضفته ومضيت انا للعيش مع زوجتي في الضفة الاخرى.
رايتها مع زميلي في أعالي القلعة، كنت وحدي، كأنني ذاهب لمحو ذكريات الأمس القريب. كنت كتلميذ تقدم من السبورة ليمحو عليها ما كتب فضبطته معلمته. توقفنا على مقربة من الدرج المؤدي إلى مقبرة الخاتون. كان المكان مزدحما فانصرف حسين ليسلم على أصدقاء توقفوا على مقربة منا، فسألتني أميرة مبتسمة:
- أما زلت تفكر في قيادة ثورة لتحرير الضفة الأخرى؟
فابتسمت أنا الآخر قائلا:
- لقد انتقلتِ أنت إلى ضفتنا، بينما انتقلت أنا إلى ضفتكم.
- لم اعلم قسوة الأيام إلا حين عشت بين أحياء ضفتكم.
طبعا.... تعيشين بين أحيائها....وهل تريدين العيش بين أمواتها.
- أعني....أحيائها....أي جمع (حي).
- أمزح معك يا أميرة، أأحسست بالوحشة لأنك تركت ضفتك؟
- وهل يعشق الغني عيشة الفقراء.
- إلا إذا اشتاق الحي إلى القبر...أتتذكرين؟
تقدم منا حسين وهو يبتسم:
- انه صديق قديم....لماذا لم تأت لتسلم عليه؟
- لم أتعرف عليه، قد اسلم عليه حين أراه مجددا،يجدر بي الذهاب إلى اللقاء.
إلى اللقاء... قلتها وهمست بعد الانصراف…لا حروب…لا ثورات…لا احتلال…لا تحرير، و ما زال سكان كل ضفة يعيشون حتى اليوم بسعادة في ضفتهم,إلا إذا قال الأغنياء للفقراء:
- إن ضفتنا أجمل من ضفتكم، يشتاق آنذاك أمثالي وأمثال أميرة كل إلى ضفته كما يشتاق كل حبيب إلى حبيبته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الممثل الباكستاني إحسان خان يدعم فلسطين بفعالية للأزياء


.. كلمة أخيرة - سامي مغاوري يروي ذكرياته وبداياته الفنية | اللق




.. -مندوب الليل-..حياة الليل في الرياض كما لم تظهر من قبل على ش


.. -إيقاعات الحرية-.. احتفال عالمي بموسيقى الجاز




.. موسيقى الجاز.. جسر لنشر السلام وتقريب الثقافات بين الشعوب