الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل انهيار الاتحاد السوفييتي سبب أزمة اليسار؟

حسن خليل

2016 / 10 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


هل انهيار الاتحاد السوفييتي سبب أزمة اليسار؟

كثير من المعلقين علي أزمة اليسار في العالم يربطون هذه الأزمة بانهيار الاتحاد السوفييتي . سأحاول في هذه المقال البرهنة علي العكس . أي أن انهيار الاتحاد السوفييتي هو أحد نتائج أزمة اليسار.

كانت الفكرة الأساسية عند ماركس هي أن عدد من الدول الرأسمالية المتقدمة سوف تتحول للاشتراكية مرة واحدة بفضل ثورات العمال . و بالتالي ستسود الاشتراكية العالم . و ربما كان يمكن أن تتحقق هذه النبوءة لو لم تتحول الرأسمالية إلي الإمبريالية . و قبيل الثورة البلشفية في عام 1917 كان هناك نقاش حول أمكانية أقامة الاشتراكية في بلد واحد . و في جوهر النقاش أن الإمبرياليات ستجتمع كي تسحق الاشتراكية الناشئة . و قد وقف لينين لجانب أمكانية بناء الاشتراكية في بلد واحد . و قد صدقت توقعاته لحد ما . طالما أن هذا "البلد الواحد" هو روسيا بأبعادها الشاسعة و ثرواتها من كل نوع . لكن من الصعب تصور حدوث ذلك في بلد متوسط الحجم . علي كل حال كانت الاشتراكية تعني بناء مجتمع جديد . مجتمع تحكمه الطبقة العاملة . ديكتاتورية الطبقة العاملة بدلا من ديكتاتورية الطبقة البرجوازية.و ديكتاتورية الطبقة العاملة كانت تعني ليس فقط تحسن أحوالها ماديا و روحيا لكن أساسا سيطرتها السياسية عبر مجالسها المنتخبة. و عوضا عن ديكتاتورية البروليتاريا ظهرت دكتاتورية الحزب ثم ديكتاتورية الفرد . و يعتقد البعض أن ستالين مسئول شخصيا عن ذلك و أنه كان يمكن الوصول للاشتراكية لولا ستالين . لكن لا يوافق التاريخ هذه الاستنتاجات لأن ستالين رحل و مضت عشرات السنوات و لم تظهر الاشتراكية بل علي العكس تفككت الدولة السوفييتية تدريجيا حتي وصلت لمرحلة الركود في عصر بريجينيف ثم التفكك في عصر جورباتشوف . و بدون نفي كل مسئولية لستالين فقد كان هناك عامل موضوعي في ديكتاتورية ستالين و هو الحصار الإمبريالي علي الدولة السوفييتية الذي لم يتوقف أبدا . بل أن روسيا الحالية مازالت تعاني من الحصار لحد ما , فكون روسيا شاسعة المساحة و الموارد و تضمن بناء الاشتراكية في بلد واحد لكنها من ناحية أخري تجلب الأطماع الشرسة في ثرواتها . كما أن الصين أيضا تحولت لعبادة الفرد و ليس للاشتراكية فهي الأخري كانت محاصرة. لكن نظرية لينين تحققت من زاوية معينة و هو بناء دولة قوية متقدمة مستقلة عن الإمبرياليات .
و يري البعض أن انهيار الاتحاد السوفييتي كان بسبب العسكرة. و بالطبع العسكرة تخالف مثل الاشتراكية . لكن العسكرة كانت أيضا حتمية مثل الاستبداد . فلم يصل الاتحاد السوفييتي للتعادل الاستراتيجي مع أمريكا إلا في السبعينات. لا يجب أن ننسي أن الاتحاد السوفييتي كان يواجه أمريكا و أوروبا الغربية و اليابان مجتمعين أي 80% من الإنتاج العالمي و أقصي تقدم تكنولوجي و عسكري . أدت العسكرة و الاستبداد لظهور فئة – أو طبقة – متنفذة و حاكمة و لها مصالح مستقلة عن مصالح الشعب و هذه الطبقة هي التي فككت الاتحاد السوفييتي . و الآلة النظرية و الدعائية السوفييتية الجبارة كانت من ناحية كانت تقيس كل قضية نظرية علي مصلحة دولة الاشتراكية الأم و من ناحية أخري تقدم التبريرات المزيفة لمختلف المقولات عن اشتراكية الاتحاد السوفييتي و دولة كل الشعب و التطور اللارأسمالي و بالتالي تزيد الأزمة تعقيدا بدلا من المساهمة في حلها.
و الحصار الإمبريالي ليس كل شيء . فلم يعرف أحد كيف يجيب عن سؤال كيف تقوم الطبقة العاملة بالحكم مباشرة عبر لجانها المنتخبة دون أن يسيطر عليها أقل القطاعات تقدما فيها ناهيك عن القوي العميلة للغرب . أي كيف تكون هناك تعددية في ظل الاشتراكية. فمعضلة الاتحاد السوفييتي ليست عملية -حصار- فحسب بل نظرية و فكرية أيضا . روزا لكسمبورج تقول أن ديكتاتورية البروليتاريا هي الحكم المباشر لجماهير الطبقة. كما أنها حذرت من البيروقراطية السوفييتية. لكنها لم تقل كيف يمكن فعل هذا في ظل وجود قطاعات متقدمة و متخلفة و تحالف مع الفلاحين الخ. بينما لو عدنا لفكرة ماركس الأصلية عن تحول عالمي للاشتراكية فأن هذه القضية تجد حلها بشكل تلقائي طالما أن الحصار لن يكون موجودا و العسكرة لن تكون ضرورية . بل أن حتي دول التحرر الوطني تعرضت لنفس الحصار فعبد الناصر أضطر للحرب أعوام 56 و 62 – في اليمن – و 67 ناهيك عن الحصار الاقتصادي . و علي هذا المنوال في كل الدول بما فيها الاغتيالات و كل صنوف العنف للدول التي تخرج و لو جزئيا عن الانضباط الإمبريالي الصارم. كذلك لم يقدم تروتسكي أكبر منتقد لستالين أي حل لقضية الاشتراكية في بلد واحد . فرغم أنه رفض الفكرة لكنه لم يقول كيف يمكن أهدار السلطة السوفييتية المتحققة بفضل الثورة البلشفية و كيف يمكن أن يكون الروس بديلا عن شعوب أوروبا التي انهارت ثوراتها الخاصة في ألمانيا و إيطاليا . ثم لم يحل قضية التعددية و الاشتراكية أيضا.

الدعاية الإمبريالية تروج لأن الاتحاد السوفييتي تفكك لأنه كان دولة استبدادية بينما العكس هو الصحيح تحول الاتحاد السوفييتي للاستبداد و العسكرة بسبب الحصار الإمبريالي. لكن علي المستوي الشعبي هناك قناعة أن الاشتراكية "فشلت" و هذا ليس بعيدا عن الواقع بالمفهوم السالف الذكر . لكن الرأسمالية أيضا فشلت مرات عديدة . و لا داعي لسرد قائمة فشل الرأسمالية في العديد من الدول التي كانت متقدمة في العصور الوسطي خصوصا الصين و مصر الفاطمية ثم الجمهوريات الإيطالية الخ. و كثير من محاولات الرأسمالية المبكرة قضي عليها نمط الإنتاج الإقطاعي السابق لها . تماما مثل الاشتراكية. فأزمة اليسار نابعة من فشل الاشتراكية بالمعني المشار ألية.
و قد اتضحت أزمة اليسار منذ ثورة 1968 الشبابية التي كانت تساوي بين الاتحاد السوفييتي و الإمبريالية الأمريكية . رغم صدور انتقادات واسعة له ليس من تروتسكي فحسب بل و الصين و عديد من الفصائل الشيوعية و اليسارية .لكنها كلها لم تستطيع أن تقدم حلا نظريا لقضية ديكتاتورية البروليتاريا الثورية في ظل هذه الشروط .كما أن "التحريفية السوفييتية" لم تكن سوي تحايل رخيص علي واقع الدولة السوفييتية. و هذا يوضح أكثر كيف أن انهيار الاتحاد السوفييتي نتاج للأزمة لا العكس.
و بدون شك أن هناك ما يسمي "تغذية عكسية" أي أن الأزمة التي قادت الاتحاد السوفييتي للانهيار عمق هذا الانهيار نفسه أزمة اليسار سواء من الزوايا المادية أو الفكرية . فلقد انهار العالم كما عرفه أغلب اليساريين لعقود بدء من ظهور حركة تضامن البولندية و وقوف الطبقة العاملة البولندية ضد السلطة "الاشتراكية"...
لكن أزمة اليسار لا يمكن حصرها في حصار الدولة السوفييتية و أثره الهائل و لا التحدي الفكري لنظرية الاشتراكية في بلد واحد هذا يمكن أن نسميه الجانب الإيجابي للأزمة . بمعني من جانب معسكر اليسار . لكن هناك جانب سلبي أيضا أي معسكر أعداء اليسار. الطور الجديد الذي اتخذته الإمبريالية منذ السبعينات . أي بداية العولمة و الهجمة الرجعية الشرسة المتمثلة في النيوليبرالية .
مع انقضاء فترة التوسع الرأسمالي الكبير عقب الحرب العالمية الثانية دخلت الرأسمالية في أزمة طاحنة و لأول مرة ركود مع تضخم . و كان الرد هو التحول للنيوليبرالية و معادة تدخل الدول في الاقتصاد و الديون المفخخة الخ . كل هذا أدي لتوقف التنمية مع زيادة عدد السكان . أصبح لدينا طبقة كبري من المهمشين بل دول كاملة مهمشة فاشلة . و هذا التحلل الاجتماعي و ضعف العلاقة المنتظمة بالإنتاج يشكل وسطا غير ملائم لليسار بل ملائما للهجرات و الأمراض الاجتماعية المختلفة . و كي تعزز الإمبريالية هجمتها علي شعوب العالم قامت مع اتباعها المحليين بنشر العصابات الفاشية من كل نوع حول العالم . عصابات الكونترا و شبيهاتها في دول أمريكا اللاتينية و عصابات الإسلام السياسي في منطقتنا و عصابات التناحر العرقي و القبلي في أفريقيا . فبالنسبة لمنطقتنا كان صعود اليمين الديني المتطرف أساسا بسبب الدعم الرسمي من اتباع الإمبريالية و أسياهم و ليس ظاهرة "ثقافية" أو حتي "دينية" كما يروج البعض . و ها هي تلك العصابات تتوسع لأبعد حد اليوم لا تهدد اليسار فحسب بل مجمل المجتمع .
لا أريد أن أتوسع فيما أسميه الجانب السلبي في أزمة اليسار . فقط أردت أن أبرهن علي أن انهيار الاتحاد السوفييتي كان نتاج الأزمة . فالأزمة ظهرت طويلا قبل أنهيار الاتحاد السوفييتي بل منذ نشأته تقريبا حقا . أن اليسار و الشيوعيين عليهم أن يبتكروا حلولا لأزمتهم
حسن خليل
10/14/2006








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أي حلول أمام إيمانويل ماكرون في حال هزيمة حزبه أمام التجمع ا


.. الخارجية الأمريكية: واثقون تماما من موافقة إسرائيل على مقترح




.. حرائق ضخمة تنتشر بمناطق من الشمال الإسرائيلي.. ووزراء يطالبو


.. شهداء وجرحى في قصف على باب مركز إيواء شمال دير البلح




.. الاحتلال يسيطر بشكل كامل على محور فيلادلفيا