الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السينما والصحافة - 2 - الصحافة حين تخفي نصف الحقيقة .

حسين علوان علي
(Hussain Alwan)

2016 / 10 / 15
الادب والفن


فيلم (Nightcrawler)

في فيلم الجريمة والاثارة (Nightcrawler) هذا الذي أُنتج في هوليوود عام (2014) والذي يتناول عالم الاجرام في مدينة لوس انجلس الاميركية، نواجه قصة رجل طاريء على العمل الاعلامي ، عاطل سابق عن العمل وذو ماض مهني سيء، يكتشف (مصادفة) انه يمكن ان يعمل مصورا للاحداث المثيرة التي تقع في شوارع وأحياء لوس انجلس الكبيرة، ويجني منها بعد هذا مالا وفيرا ماكان ليحلم به ، وذلك بعد أن شاهد مصادفة مصورا صحفيا يغطي حادثا مروعا حدث في أحد الشوارع، ويسمعه بعد ذلك يتصل هاتفيا ليبيع الفيلم الذي صوره لتوّه لقناة تلفزيونية حتى قبل ان يراه محرروا الاخبار في تلك القناة ويفحصوا مضمونه.
لقد رسم المخرج وكاتب السيناريو "دان غيلوري" لشخصية البطل موهبة اقتناص الفرص والنوايا التائقة على نحو كبير الى الاستغلال والتربح ، فيمضي بنفسه ليشتري كاميرا فديو بسيطة غير احترافية، وليستخدم كل مايمتلك من قدرة شخصية على الخداع والتضليل، ومهارة في ضبط الاعصاب والتركيز الشديد، ليحوز نجاحا وصعودا متسارعا في مجال تغطية (الاخبار اليومية المحلية) للمحطات الفضائية التلفزيونية في المدينة.
لكن.. كيف يستطيع شخص محتال طاريء على مهنة الصحافة أن يبرز سريعا كمصور صحفي شهير بين ليلة وضحاها ؟ هل لمجرد أنه كان يلفق اخبارا كاذبة من خلال التلاعب بمسارات الاحداث مخادعا الجمهور المولع بمتابعة اخبار الحوادث ؟ يمكن للمحتال أن يفعل أي شيء وهو يعدو الى هدفه غير النزيه ، خصوصا وانه في هذه الحال تلقى دعما من (محررة الاخبار) في شبكة تلفزيونية محلية متعثرة اخذ يتعامل معها، وذلك بعد ان شاهدت المحررة أول فيلم له يصور حادثا ما بكامرته البسيطة، ولمست في شخصيته خصلة تطابق افكارها واسلوبها المهني، إذ هي وكما يشير الناقد "أنتوني لين" في صحيفة "ذا نيوركر – بتأريخ 3 نوفمبر/2014" تعلّمه بجملة واحدة أصول الصنعة كما تراها بعينها هي بالتحديد ، فتقول " لاتهمني نقاوة الصور التي تجلبها للعرض ، مادامت تصور مثلا.. إمرأة بيضاء.. ثرية.. تركض صارخة في شارع من حي راقٍ.. بحلق قُطع بسكين ".
على الفور أخذ المصور الصحفي في هذا الجو المهني الفاسد يرسم خطا (ضبابيا) بين الصحفي المراقب للحدث والراصد له بشفافية ومصداقية ، وما بين المحتال المشارك فيه ، بل وحتى محرك رئيسي لحدوثه أحيانا ولو كان جرائم قتل تسفك فيها دماء بريئة، فيتحول عبر هذه الضبابية من اعلامي نزيه مهنيا ، الى مشارك غير مباشر في الجريمة عن سابق اصرار وترصد.
وهكذا، فعلى الرغم من ان المصور الصحفي (لويس بلوم) الذي يؤدي دوره الممثل (جاك جيلينهيل) أصبح بالنسبة لتلك القناة الفضائية المصدر الرئيسي للحصول على تغطية (زائفة) لمسرح الاحداث في المثيرة في شوارع مدينة لوس أنجلس ، فانه ما كان له لأن يمضي بعيدا في الطريق غير الاخلاقي الذي اختطه لولا أن مديرة الأخبار تلك هي من شجعه على المضي قدما بدوره في لعبته الخطيرة ، وذلك لنيّاتها المدروسة في الحصول على السبق الصحفي المشكوك بصحته أصلا، والذي يمكن أن يدفع بقانتها التلفزيونية (المتعثرة) الى الامام في حومة التنافس الشديد بين المحطات الاخبارية الاميركة الكثيرة شديدة التنافس، ولاندفاعها في جذب اهتمام المشاهد الى محطتها التلفزيونية مهما كان الثمن، حتى لو كان غير مهني أو غير أخلاقي، حتى لو كان كذبا وزيفا على حساب الحقيقة.
إلى أي مدى إذاً يمكن ان تشكل المصداقية في عرض الخبر الصحفي ضرورة ملحة والتزام مهني اخلاقي في خضم الثورة الاعلامية الحديثة، والانتشار العريض للقنواة التلفزيونية الاخبارية ؟ وبكلمة أخرى في خضم وفرة الاخبار التي تحيط بنا من كل جانب وحدب وصوب ؟ فضلا عن التأثير الكبير الذي تحدثه وسائل الاعلام في رسم اتجاهات الرأي العام المتعطش بدوره لكل ماهو مثير وحادث بشكل مباشر، ولصيق بحياته اليومية ؟.
قد لايبدو هذا الأمر (غَش المتلقي أو مشاهد التلفزيون) على جسامته غريبا تماما في عالم الإعلام المعاصر، حيث يرى عالم الاجتماع الألماني " يورغن هابرماس" ضمن دراسة للكاتب "ستيفن لويال" في كتابه (سايكولوجية أنتوني غيدينس) "أن عالم الإعلام في (شكل من اشكاله) أصبح يقوم بدور صناعة الرأي العام عن طريق (الاستمالة والتلاعب والسيطرة المفروضة) ، فتغدو العقلانية رهينة للمصالح التجارية والاقتصادية بالدرجة الاولى".
الغش الذي إتبعه المصور الصحفي (لويس بلوم) في عمله كان لأغراض تجارية بالدرجة الاساسية، جني المزيد من الأموال . فهو حين يتواجد في مكان الجريمة قبل وصول الشرطة، يقوم بتغيير أماكن وأدوات الجريمة وضحاياها، كأن يسحب جثة احد القتلى الى مكان آخر ليصور مشهدا اكثر إثارة، أو يقوم في أحد المشاهد بتغيير مكان الصور الملصقة على (برّاد) المنزل قرب ثقوب طلقات الرصاص التي أصابت البرّاد، ليبدو المشهد ملفتا أكثر لانتباه المشاهد حسب وجهة نظر بلوم ، وهو يعلم جيدا انه يقوم بتغيير وقائع مسرح الجريمة التي ينبغي أن تبقى على حالها ليقوم محققوا الشرطة بفحصها في سعيهم لتحديد المسار الحقيقي للأحداث.
لكن المصور بلوم لايلقي أي بال لذلك؟ بل هو يهرع بما صورته كامرته الى المحطة التلفزيونية ليبيع الشريط المصور ويقبض اجرته، ويتم عرض الشريط على الجمهور بوقائعه الزائفة، فيصدقه جمهور المشاهدين، لان الجمهور بالطبع سوف يستجيب لماتراه عيناه مصورا على الشاشة.
على نفس المنوال لاتهتم كذلك مديرة الاخبار المتواطئة معه مادامت نسب المشاهدة لقناتها زادت كثيرا واصبح الناس يهتمون بنشرة الاخبار المحلية التي تحررها، فيصبح الاثنان كما يقول الناقدان السينمائيان "فريدريك و ماري آن روسان" في تناولهما للفيلم بموقع (spiritualityandpractice) انهما مستعدان لكسر أية قاعدة أو قانون للمضي قدما الى الأمام، وأن الحدث بالنسبة لهما كلما كان دمويا اكثر.. كلما كان مؤثرا اكثر.
في نهاية فيلم (Nightcrawler) الذي حاز على ثناء الكثير من نقاد السينما، يفاجئنا المخرج وكاتب السيناريو بنتيجة هي عكس ما نتوقعه من أن الصحفي يُفترض ان يقع أخيرا تحت طائلة القانون ويُمنع من العمل في مجال الاعلام وأن أسلوبه المخادع هذا لابد أن يفشل فشلا ذريعا، يفاجئنا بان الشرطة تطلق سراحه بعد التحقيق معه، فيقوم بهمة ونشاط بتأسيس شركة اخبارية صحفية، بل ويوظف مجموعة من العاملين المساعدين له، ليحذو بالتاكيد حذو ما كان يقترفه في السابق من أسلوب مضلل (مادام قد احرز نجاحا مشهودا، وأفلت من سلطة القانون). وقد تكون هذه رسالة من المخرج يعلن فيها للعلن وللقنوات التلفزيونية التي تؤثر في الرأي العام إلى أن الجمهور لن يكون غافلا عن (حقيقة) أن هذه القنوات قد تخفي عنه نصف الحقيقة، وأنه يطالب بالتعامل في هذا المجال بصدقية كاملة وشفافية مهنية مثالية. فلعله أراد في فيلمه المثير هذا أن يحدد الخط الفاصل مابين الصحافة النزيهة المسؤولة، وتلك الزائفة فاقدة المصداقية والباحثة عن الانتشار بأي ثمن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أحمد حلمى من مهرجان روتردام للفيلم العربي: سعيد جدا بتكريمي


.. مقابلة فنية | الممثل والمخرج عصام بوخالد: غزة ستقلب العالم |




.. احمد حلمي على العجلة في شوارع روتردام بهولندا قبل تكريمه بمه


.. مراسل الجزيرة هاني الشاعر يرصد التطورات الميدانية في قطاع غز




.. -أنا مع تعدد الزوجات... والقصة مش قصة شرع-... هذا ما قاله ال