الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل العراق الجديد.. جديد حقاً؟

سعد الشديدي

2005 / 12 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


اولئك الذين دخلوا العراق بعد سقوط الديكتاتورية مولعون بالحديث عن العراق الجديد. يتغزلون به. يصرخون بأسمه. وهم على استعداد لأجتراح كل ما من شأنه ان يقنعنا نحن العراقيين بأن عراقنا قد اصبح جديداً.
حاولت ان اتوخى الموضوعية والأنصاف وأقف على تلةٍ ما، بعيداً عن قناعاتي والحقائق التي امتلكها، لأنظر الى عراقهم. وبالتحديد الى تلك الصفة السحرية التي يضفونها على عراقنا: صفة الجديد. علّني اكون مخطئاً. وعلّهم يكونون على صواب. ولكي لا اجانب الحقيقة كثيراً كان عليّ ان اقارن بين العراق: القديم وذلك "الجديد". وكانت المقارنة:

العراق القديم: جاء حزب البعث الفاشي الى الحكم عام 1968، وبأعتراف احد قياديه، في قطارٍ امريكي.
العراق الجديد: جاء النظام الديمقراطي الحالي الى الحكم على دبابة، بل قطار كامل من الدبابات الأمريكية.
النتيجة: لا جديد في الموضوع طالما ان النظامين القديم والجديد جاءا بدعم امريكي. ولا اعتقد ان الشعب العراقي تهمه وسيلة النقل التي استخدمها ارباب النظامين للوصول الى القصر الجمهوري. ففي لغة السياسة لا فرق بين القطار أو الدبابة طالما ان السائق امريكي.

العراق القديم: ادعى البعث الفاشي بأن من اهدافه بناء عراق قوي، يتمتع بعافية وحيوية في اقتصاده وبمنعة وسيادة لدولته. ورفاهية تعمنا نحن العراقيين.
العراق الجديد: احيلكم فقط الى برامج الأحزاب التي قادت الحكومات المؤقتة وشعاراتها المرفوعة. وقارنوا بأنفسكم. وتذكروا فقط شعار اعادة الأعمار لتعرفوا حجم التشابه بين اهداف وشعارات البعث البائد وحكوماتنا المتعاقبة.
النتيجة: تعرفونها جيداً واترك الجواب للقراء لثقتي بأن العراقي لا يقرأ الممحي فقط، بل هو قادر على قراءة واستقراء المستقبل. ليس على طريقة قارئة الفنجان التي غناها عبد الحليم والتي تصرّ على ان طريقك مسدودٌ.. مسدودٌ مسدود، يا ولدي. بل على طريقة ونهج اجداده الذين خبروا التاريخ وساروا في دروبه الوعرة لأكثر من سبعة آلاف عام.

العراق القديم: تمّ تبعيث الدولة بكامل مؤسساتها. وكان في حكم المستحيل على العراقيين ان يجدوا وظيفةً في بعض المؤسسات كالجيش والأعلام والخارجية والداخلية.. وتقريباً كل ما تبّقى من الوزارات.
العراق الجديد: اغلب الوزارات اصبحت مغلقة لأحزاب وتيارات معينة. واصبح من الصعب على المواطن معرفة هذا الكمّ من الأحزاب التي تتحكم بالوزارات كي ينتمي اليها وينال الحضوة ووظيفة محترمة في احدى تلك الوزارات ومؤسساتها التابعة لها.
النتيجة: ماكو فرق. قدر العراقي ان ينتمي الى حزبٍ ما غصباً عن سنسفيل اجداده حين يتعلق الأمر بالحصول على احد حقوقه التي يضمنها الدستور سواءاً كان مؤقتاً او دائماً.

العراق القديم: كان لدينا صدام، واحد.
العراق الجديد: اصبح لدينا، ماشاء الله، صداديم كثر. بعضهم يتصرف ويتكلم ويسير، متنك وراح بعد شوية ينكطع، مثل الديكتاتور الساقط. بعضهم ما زال في طور التفريخ. وآخرون في الأنابيب لأنهم سيكونون من قادة الأنابيب. اي مثل اطفال الأنابيب تقريباً.
النتيجة واحدة في حالة وجود صدام واحد او عدد من الصداديم.

العراق القديم: كانت صور الديكتاتور، بحجم شاشة سينما سكوب، تملأ الشوارع.
العراق الجديد: صور بحجم شاشة سينما سكوب ملوّن لعدد كبير من اولئك "اللي منجيب اسمهم اخاف الأكثرية تزعل".
النتيجة: الصور موجودة وبنفس الحجم سواءاً كانت لصدام أو لغيره. كما ارجو ان تلاحظوا بأن كلمة (حفظه الله) التي كان العراقي مجبوراً على استعمالها بعد ذكر اسم القائد الضرورة الشفيّة، ما زالت قيد التناول على الصعيدين الرسمي والشعبي. الفرق هو انها تستعمل بعد ذكر اسم... تعرفوه ماكو داعي نجيب اسمه. لأن الأكثرية راح تطلع مظاهرات اذا جبنا اسمه واحنة ما نكدر على زعل الأكثرية.

العراق القديم: كان المواطن العراقي لا يدري في اي معتقل او قبو تعذيب او زنزانة اعدام او جبهة قتال سيقضي نحبه.
العراق الجديد: المواطن العراقي لا يدري في اي شارع او سوق او زقاق او راس دربونه سيقضي نحبة على يد انتحاري ارهابي او سيارة مفخخة.
النتيجة: تعددت الأسباب والموت.. ما زال، واحدُ.

العراق القديم: كان قَوّاد عدي المقبور بن القائد الشفيّة، يعمل فقط لحساب سيده المدلل ابن الرئيس وولي عهده.
العراق الجديد: اصبح القّواد الخاص لعدي المقبور سمساراً لعدد كبير من المسؤولين وابنائهم. يعني ان شغل السمسرة اصبح ماشي جداً في عراقنا الجديد.
النتيجة: بدون تعليق.
هذه فقط بعض المقارنات التي قفزت امامي. ولا أريد ان اذكر اقبية التعذيب، لان اولئك الذي تمّ تعذيبهم كانوا سبعة فقط لاغير. ولن آتي على الرشوة التي كانت قانوناً من القوانين التي تسيّر حركة الدوائر والمؤسسات والوزارات واستمرت في عراقنا الجديد. ولن أتطرق للعمولات التي كان ارباب النظام البائد يتقاضونها من الشركات الوطنية والأجنبية لتمشية معاملاتهم ولعقد الصفقات معهم والتي ما زال جماعتنا يمارسونها دونما تغيير كبير يُذكر. ولا اريد ان اسبب للقراء الأعزاء اي صداع بالحديث عن الأنتهازيين الذين كانوا وما يزالون اسياد الموقف. تعرفونهم فهم رجال كل المراحل.. وهل يخفى القمر؟؟؟؟
المقارنة بالتأكيد ليست في صالح العراق الجديد.
لكن يبقى الفرق، وهو بسيط جداً، بين عراقنا الماضي وعراقنا القادم، في اصرارنا على الصراخ بوجه الخطأ وارهاب الدولة والطائفية. في قرارنا بأن ننزع عباءة الخوف وأن نحرقها علناً وعلى رؤوس الأشهاد. ونغادر والى الأبد قطار التقية السياسية، ندفنه ونهيل عليه التراب كي لا ينهض ثانية من بين الأموات.
وليكن ما يكون.
هذا هو الفرق فقط بين العراق القديم... والجديد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حملة ترامب تجمع تبرعات بأكثر من 76 مليون دولار في أبريل


.. القوات الروسية تعلن سيطرتها على قرية -أوتشيرتين- في منطقة دو




.. الاحتلال يهدم مسجد الدعوة ويجبر الغزيين على الصلاة في الخلاء


.. كتائب القسام تقصف تحشدات جيش الاحتلال داخل موقع كرم أبو سالم




.. وزير المالية الإسرائيلي: إبرام صفقة استسلام تنهي الحرب سيكو