الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التمسك بأسوار الشعر الغربي.....- بلامغفرة- تكرار مهذب لأبحاث السرياليين الفرنسيين

متعب أنزو

2005 / 12 / 29
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


إن كان هناك من بين علماء النفس من يؤكد أن الحلم هو نظام لغوي خاص ينشئه العقل الباطن ومناطق اللاوعي في النفس والدماغ البشريين, يفرض إقامة نوع من التوازن لشخصية الفرد, فإنه يراوغ قمع الاجتماعي للذاتي, ويلتف عليه محرراً المكبوت في الذات الإنسانية, ويصبح بالتالي تفكيك صور هذا النظام اللغوي وحل رموزه أساسياً في سبر أعماق الروح في حالات بُرئها وسقمها على حدٍ سواء. خصوصاً لناحيتي تشكل الحدس واستشراف حقائق الحياة, بضربات رؤيوية مكثّفة تطال أدق الدقائق في حركة الكائن وسلوكه.
ونحن بمواجهة العمارة الشعرية التي ينشئها يوسف بزي... نجد أنفسنا بمحاذاة حالة وجدانية لعقل باطنه ظاهر وظاهره باطن..... وبما يشبه حالة الإفصاح الإرادي المخطط عن رؤية فنية آنية, يرمي يوسف بسرده انطلاقاً من ارتباط واه بما يسمى العالم الواقعي.
وكأنه يقلب طاولة هذا النوع من فن الكتابة الذي عُرف في النسق الشعري الغربي أكثر منه في القصيدة العربية, ولعل الشعراء السرياليين الفرنسيين ممثلين " ببول إينور وأبولينير ولوتريامون " هم امتثال حي لهذا النسق الذي تسلل حتى بأشكاله إلى نص يوسف بزي... وهو ما قد يفسر حصوله على جائزة يوسف الخال الشعرية عن ديوانه" المرقط الصادر عن دار رياض نجيب الريس في العام 1989.
في المتن يسلك صاحب بلا مغفرة ناصية الشعر وهو محلّف بأدوات ومنهج آخذ بالتشكل, وروح صناعة تكاد تلخص بمجملها, فحوى مغامراته التأليفية ويؤكد من خلال نص موارب على استخدامه كإعلان عن انفصال الذات عن الصورة المشتركة والمألوفة للواقع المعاش.
وهو بذلك يغادر موقعه من الكلام في دواوينه السابقة ( رغبات قوية كأسناننا - والمرقط- والمطرقة) ومتحايل عليه في (بلا مغفرة) بإسناده للآخرين دونه, وقد يكون ذلك الخروج حلاً مناسباً للعياء الذي يكتنف القصائد وللجهد الذي يبذله بزي مفتّشاً عن عُدّة تقيه قول ما يريد دون أن يعري القول, ودون الوقوع في التقريرية.
وهو بذلك يدفعنا إلى عدم الاقتناع بضرورة استنتاجاته بالصورة التي جاءت عليها, وذلك ليس ادعاءً شعرياً على كل حال.... هو فقط يحاول تشذيب إحساسه المباشر, لجعله بارداً ومحايداً أكثر فأكثر وليتسنى له أن الادعاء أن الشعر مبنى ومعنى, وأن ما يقع خلف هذه الجملة وما يليها هو ما يشاء كتابته..... لكن القصيدة والحال هذه تقع لتبدو وكأنها تعليقاً على حدث بدواعي إغفاله وتقديمه كأمر نافل يفيض عما فيه ليخبر ما يتعداه.
ولذا يصرّ يوسف بزي على اتخاذ مكانه في مسافة مريحة حين يشحّن قصائده بحوادث خالصة وعارية من كل تدخل وفي ذلك ما لا يصح.
إذ أن استحضار اللغة والفكرة والعُدّة البلاغية كان دوماً في الخروج من السلوك المجاني في بناء النص وتحديداً الشعري, وهو ما لم يكن في اهتمام الأغراض التي حفلت بها نصوص بلا مغفرة.
يقول في إحدى كناياته عن المحكي:
( الخريف مضى من تحتنا.... نرفع علبة الشوكولا إلى سطح المقام.... ولا شعر في هذه الظهيرة.... لا شيء, لا شيء..... طائرات تقصف المدينة....شظايا لمبة في عين عجوز.... مبولة معدنية بالقرب من حناننا.... كالسيوم و بوتاسيوم..... مع لزوجتنا الداخلية التي لا فقه لها ولا مسرب).
بين انسحاب الشاعر ودخول الآخرين إلى القصائد, يقع تباين يبدو طفيفاً للوهلة الأولى, لكن في استعمال يوسف بزي لضمير الجماعة وتكراره وفي تجهيل الفاعل واستعمال ضمير الغائب ما يجعلنا ننسب إليه موقع الشاهد في النص وبالتالي إعفاءه من المسؤولية عن الكثير من الزلات..... إنه انسحاب بمعنى من المعاني إلى موقع يحتاج المكوث فيه إلى أمرين لا يتحصلان ليوسف وهما شدّ القصيدة للإمساك بفضائها التأثيري واختيار المشاهد بدقّة وتصفيتها في مسراب اللغة, وهي لذلك (أي المشاهد) جاءت وفق تراتب غير محكم وكانت أقرب إلى الفوتوغراف منها إلى الشعر.
{ جمر ووبر يحترقان أيضاً...... وبمثل القوة ذاتها..... التي تكتمها النسوة.... في مكان واحد..... الغربان والنسور تمزق القطيع }
من هذا النزوع للإيهام لا يملك الشاعر طريقاً أنسب من الاستقالة من مسؤولية النص والخروج منه دون ترك أي أثر, وكان في أمر إيكاله للآخرين ما يعفيه من تبعات الحدث, حتى وإن أراد إقناعنا بذلك.... فإن انسحابه المدوي كان مربكاً وفاضحاً في كثير من الأحيان.
وهذا ما يفسّر الحالة الشعرية لديه والتي هي أقرب إلى رؤى ناجرة بالشكل الذي هي عليه أكثر منها حالة فصاحة بلاغية... إذ أن اللغة لا تسعف في هكذا حال, لأن الحدث كرؤية أسرع من تكوّنها, وهو يبقى مرتهن للحواس, ويصعب تحويله فور تشكّله إلى لغة واللحاق به والإخبار عنه.
ورغم ذلك يبدو صاحب بلا مغفرة وكأنه يجعل الأمور أعمق, ولذا تطفو لغته على سطح آخر سوى ما يقصه ويخبر عنه, فتشذ عن دلالاتها القصدية, مما يضع القارئ في مرتبة ضبابية من النص المتحقق الذي يُنشأ غاياته بصورة قد لا تكون يقينية بالمطلق..... ويحيل الشعر المتأتي منها إلى تجريد خادع هو كناية عن لعبة تناسل الصور من الصور وحسب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا والصين.. تحالف لإقامة -عدالة عالمية- والتصدي لهيمنة ال


.. مجلس النواب الأمريكي يصوت بالأغلبية على مشروع قانون يمنع تجم




.. وصول جندي إسرائيلي مصاب إلى أحد مستشفيات حيفا شمال إسرائيل


.. ماذا تعرف عن صاروخ -إس 5- الروسي الذي أطلقه حزب الله تجاه مس




.. إسرائيل تخطط لإرسال مزيد من الجنود إلى رفح