الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أمراء الحرب والسلطان المتحوّل

يوسف أحمد إسماعيل

2016 / 10 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


ليس صدفة أن يُسمّى قادة الجماعات المسلحة المتقاتلة بـ " أمراء الحرب " ؛ فالأمير في التراث العربي هو وكيل الخليفة أو السلطان في إقليم أو حاضرة أو مقاطعة ؛ بمعنى أنه ينوب عنه ، ويعمل بمشورته وسلطانه وقوته ، ولا يستطيع مخالفته إلا إذا وجد في نفسه القوة و القدرة على الانفصال . وهذا لا ينطبق على "أمراء الحرب"؛ لأن الإضافة هنا بـ " الحرب " تختلف من حيث القدرة عن أمراء الأقاليم والولايات وما شابه ذلك .
فالانفصال، وإن كان وارداً عند أمراء الولايات، غير وارد عند "أمراء الحرب "؛ فهؤلاء قد يضعفون ويستقوون ويضمحلّون ويُقصَون، ولكنهم لا يستطيعون التمرد والانفصال بحكم محدودية قوتهم، وارتباطهم المباشر بالداعم الخارجي الرئيس الذي يتبعون إليه ؛ أي سلطانهم الذي يعودون إليه، وينفذون أوامره وتوجيهاته . وعليه فهم لا يمتلكون القدرة على التقرير أو التفكير أو التنفيذ بمعزل عن مرجعيتهم السياسية والمادية والعسكرية . ولأن السلطان الآمر والداعم والمتحكم لم يكن تاريخيا مُمثّلاً بالشعب ، وخاصة في ظل الحروب الأهلية ، وإنما كان خارج الدولة وحدودها ، فإن "أمراء الحرب" لا ينفّذون رغبة الشعب وطموحاته ، ولا يمكن وفق ذلك قبول زعمهم بأنهم يمثلون الشعب، أو يدافعون عنه أو عن حريته أو عن تحرره وكرامته ، فتلك المقدمة لا تمهد لهذه النتيجة.
غير أنّ المفارقة في ذلك تكمن بأنهم مخدوعون بقتاعتهم بتمثيلهم للشعب ، وبقناعتهم بأن السلطان الذي يشكّل مرجعيتهم يعمل لخدمة شعبهم ، وفي الوقت ذاته يصادرون حق شعبهم في الرأي والاعتقاد والحركة ، وكل ما يمثله التطلع إلى الحقوق الإنسانية التي أقرتها المعاهدات الدولية . ولا يستفيقون من تلك الخديعة إلا حين ينبذهم سلطانهم أو يضعفهم ، أو يعمل على اغتيالهم ، ولكنهم في كل الحالات لا يستطيعون التلويح له إلا بإشارة الخضوع والخنوع.
ولكي يُتاح لهم التعويض النفسي عن الإحساس بالذل أمام السلطان، يعمدون إلى إبداء البطش والتعنت والجبروت في حكم من يقع تحت سيطرتهم ، ولأنهم من حملة السلاح والقناعة بأن الدم هو الحل الأمثل للانتصار على عدوهم، يستغلهم تجار السياسة، عبرتعميق خديعتهم، بأن السلطان الذي يتبعون له هو سلطان محب لشعوبهم ، فيعملون على تجميل صورته وتسليط الضوء على مواقفه الإنسانية وتبرعاته ودعمه لحقوق الشعوب المضطهَدة .
وذلك الفعل من تجار السياسة يماثل ما يعرف بـ " تجار الحرب " من مهربين ومحتكرين وانتهازيين وعصابات ، ولكن في هذا الموقع يرتدون ثيابا مخملية ويتعلمون لعبة الكلام والإعلام والغضب ، ويدّعون " المعارضة السياسية " باعتبارها رديفا للمعارضة المسلحة . وهكذا تُغلق دائرة الخديعة على "أمراء الحرب" من جهتين : السلطان والمعارضة السياسية . فيصدّقون أنفسهم بتمثيل الشعب دون الانتباه إلى دم الشعب المسفوك طوال التمثيل ذاك.
ولكن المفارقة الكبرى في قضية "أمراء الحرب " أن الأمير لا يتحوّل إلى سلطان، وإنْ توهّم ذلك بنفسه في لحظة تاريخية من لحظات الحرب ، لأن المعارض السياسي هو من سيستثمر نجاح العسكري ، ويتبوّأ عرش السلطنة المزعومة ، ونقول المزعومة، لأنه حتى المعارض السياسي في مثل تلك العلاقات المتداخلة في الحرب الأهلية هو تابع للسلطان الخارجي، ولا يعدو أن يكون ناطقا إعلاميا بلباس وطني؛ سوري، أو عراقي، أو يمني ، أو ليبي !
غير أنّ السلطان الذي شبّت في بلاده الحرب الأهلية، قد يتحوّل إلى أمير من "أمراء الحرب" أيضاً، وذلك حين يكون طرفا في الصراع، ويجعل من مواليه وقودا لحربه ، ومن بقية شعبه من المعارضين عدوّاً وخائنا للوطن ، أي له باعتباره رمز الوطن !
ولأن "أمراء الحرب" لا بد لهم من سلطان خارجي يدعمهم في حربهم ، لا بد أيضا للسلطان المتحوّل من سلطان خارجي يدعمه ، وحين يجده يصاب بانفصام شخصي كأي أمير حرب من "أمراء الحرب" فيقف أمام داعمه الخارجي كتابع وأمام شعبه كسلطان ، متوهما كأي أمير حرب أنه على حق وبصيرته نافذة !
ولكن الرؤية الضبابية تلك لا تلبس أن تنفشع حين يقرر السلاطين، الخارجيون الداعمون، الاتفاقَ، أو تغيير قواعد لعبة الصراع ، أو تغيير بعض "أمراء الحرب" ، أو إضعافهم أو اغتيالهم ، أو إبعادهم؛ حينها يكتشف السلطان المتحول أنه تحوّل إلى أمير حرب تابع ، سيُغتال ، أو يُقصى ، لأن الصراع بين السلاطين كان في جغرافيته من أجل مصالحهم فقط ، وليس من أجله هو .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نارين بيوتي تتحدى جلال عمارة والجاي?زة 30 ا?لف درهم! ??????


.. غزة : هل تبددت آمال الهدنة ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الحرس الثوري الإيراني يكشف لـCNN عن الأسلحة التي استخدمت لضر


.. بايدن و كابوس الاحتجاجات الطلابية.. | #شيفرة




.. الحرب النووية.. سيناريو الدمار الشامل في 72 دقيقة! | #منصات