الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


داعش...وما بعد الموصل

رياض حسن محرم

2016 / 10 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


فى الحرب يطلق الخصوم كثيرا من الشائعات فيما يعرف بالحرب النفسية وقد حدث ذلك من المحور السعودى التركى وتيارات الإسلام السياسى السنية بالتهويل من خطر الحشد الشعبى "أغلبيته من الشيعة ومدعوم من إيران" وأنه يمكن أن يقوم بمذابح طائفية ضد السنة فى حال دخوله للموصل، وفى ظنى "وليس كل الظن إثم" أن الأمر فيه مبالغة شديدة وإلاّ لماذا لا ينتقم الشيعة مباشرة من السنة بين ظهرانيهم بعد كل عملية تفجير فى مواكب الشيعة ومساجدهم وحسينياتهم، كما أن ماهو معلوم بالديموغرافيا فإن الشيعة يمثلون اغلبية الشعب العراقى ومن حقهم المشاركة فى تحرير وطنهم من البؤر السرطانية لداعش والقاعدة، هذا المحور يبالغ فى بعض التصريحات العاطفية لقوى شيعية كتلك التى أطلقها قائد مجموعة "عصائب الحق" وهى ضمن تكوين الحشد الشعبى "قاسم خزعلى" (إن معركتنا فى الموصل هى إنتقام من قتلة الحسين)، عموما وتحسبا من تلك الأقوال فقد قررت قيادة العملية فى الموصل عدم دخول الحشد الشعبى أو الأكراد للمدينة المحررة وقيامهم بأدوار مساعدة فقط.
الثانية هى أن القوات المحاصرة للموصل تركت ممرا لخروج الدواعش منه باتجاه سوريا، وهذا حقيقى كتكتيك عسكرى مبنى على تجارب سابقة وذلك لتقصير أمد المعركة والحفاظ على حياة المدنيين بالمدينة وعددهم يقترب من المليون، فليس من الحكمة حصار المدينة من كل الجهات فإن ذلك يضع مقاتلى داعش كالفأر فى المصيدة ولا يجعل لهم خيارا الاّ إتخاذ المدنيين كدروع بشرية والدخول فى حرب الشوارع والأفخاخ البشرية مما يعرض المدنيين لخطر شديد "فى سوريا يتم نقل العناصر الإرهابية الى مناطق آمنة لهم تحت حراسة قوات النظام".
عموما فإن للحرب تكتيكاتها وأسرارها لكن المهم هو السؤال الوجودى أمام داعش الآن: ماذا بعد سلسلة خسائرهم فى العراق وسوريا؟ وماذا بعد خسارتهم لدابق فى سوريا ودحرهم من عاصمتهم الأساسية فى العراق؟، وماذا بعد أن هيأ الحلف المعادى لداعش طويلاً بعمليات جوّية واستخباراتية معقدة قامت باستنزاف قوى التنظيم الماليّة ومصادر ثروته واستهداف قادته وتحطيم معنويّات عناصره وبث البيانات والدعايات الداعية للمقاومة وقتل جنود التنظيم، الأطراف المشاركة في الحملة طرحت أرقاما كبيرة منها أن عدد الطائرات المشاركة التابعة للتحالف الدولي هو 88 طائرة إضافة إلى 48 طائرة تابعة للجيش العراقي، وأن المعركة تتضمن أكثر من 30 ألف جندي ومسلّح من قوّات الجيش والشرطة العراقيين إضافة إلى القوات الكردية «البيشمركه» و«الحشد الشعبي» الشيعي و«الحشد العشائري» السنّي، والقوّات الأمريكية (وصل عددها في العراق إلى 5200 جندي) والبريطانية والفرنسية الخاصة " ، وكأننا في حرب عالمية ثالثة" في مواجهة أربعة إلى ستة آلاف عنصرمسلّح لتنظيم «الدولة الإسلامية» بالموصل.
لاشك إن التحرّكات الأميركية العملياتية أو الإستشارية تدفع بقوّة باتّجاه حصر عناصر داعش في الصحراء الغربية للعراق، ما قد يدفعهم في حال عجز خندقهم الناري (الذي حفروه باتّساع مترين حول الموصل بغرض عرقلة تقدّم القوّات العراقية وحجب الرؤية عن طائرات الإستطلاع) عن تحقيق أهدافه، إلى الفرار باتّجاه مناطق الرقة ودير الزور؛ هناك حيث تسعى الولايات المتّحدة إلى إغراق الجيش السوري في دوّامة جديدة من الإستنزاف، وتعويم حلفائها وسط الأطراف المحتشدة لمحاربة «داعش»، ما يمكّنها لاحقاً من فرض شروطها السياسية على الجميع وهى تشطير العراق إلى ثلاث دويلات، سنية وشيعية وكردية، وتحويل سهل نينوى لمحافظة مستقلّة، وجعله منطقة غير متنازع عليها، متذرّعة في ذلك بحقّ السكّان السريانيّين والآشوريّين والكلدانيّين (المسيحيّين) والأيزيديّين وغيرهم، وهي دعوة أعادت إحياء طموحات قديمة، تمتدّ إلى عام 2004، لإنشاء «كيان مسيحي» في سهل نينوى، كما أن المطامع التركية التاريخية في مدينة الموصل " التى كانت قديما عاصمة الدولة السلجوقية التركمانية في أواخر القرن الحادي عشر"، يضاف إليها تطلّع أنقرة إلى القضاء على عناصر حزب العمّال الكردستاني في سنجار، والبقاء على مسافة قريبة من تلعفر تسمح لها بشدّ عضد «التركمان السنّة»، فضلاً عن الوقوف سدّاً منيعاً ضدّ أيّ تواصل حيوي بين أكراد سوريا وأكراد نينوى.
مبدئياً سقطت الموصل قبل أن يبدأ الهجوم لتحريرها ومن الواضح ان خيارات «داعش» تضيق بعد هزائمها المتكررة فى العراق وسوريا، فمن وجهة النظر الأمريكية فإنها تعمل بكل قوة للقضاء على داعش فى العراق قبل إنتهاء فترة ولاية أوباما، وهى مع من يريد الانضمام إلى المعركة (قد استخدمت تكتيكات مماثلة ضد السوفييت في أفغانستان)، بالنسبة لها فإن الوسيلة لا تهم، العبرة فقط بالنهاية وهى على يقين بأنه سوف يتم هزيمة الدولة الإسلامية، لكن قد تكون العواقب المحتملة أكثر سوءا، فليست هناك نهايات في الشرق الأوسط من وجهة نظر الأمريكيين، إن هدفها فى المنطقة هو إستعادة الهيبة للجيش الأمريكى والإجهاز على داعش وردع إيران، الأزمة السورية بصورة خاصة لم يعد حلّها أولوية لإدارة الرئيس الأميريكي باراك أوباما ويبدو أنه ترك هذا الملف ليديره وزير خارجيته كيفما يشاء، مع غض النظر عن المتسبدين الذين يقمعون شعوبهم فى المنطقة من بوابة محاربة الإرهاب، وبينما تتضح يوماً تلو الآخر أجندات واشنطن لمرحلة "ما بعد التحرير"، فإنّ ضجيجاً إقليمياً، ذا لهجة طائفية، يصدر عن أنقرة وحلفائها الخليجيين، يوحده "التحذير من دخول الميليشيات الطائفية" إلى مركز الموصل.
على غرار الحالة السورية، فإن الحالة العراقية تشهد بدورها حروباً بالوكالة، ومحاولة من هذا الطرف الإقليمي أو ذاك لاكتساب مناطق نفوذ، بدءاً بالولايات المتحدة، ومطامعها القديمة في بلاد المنطقة، مروراً بإيران التي أظهرت أنها رقم صعب في المعادلة العراقية منذ الغزو الأميركي في العام 2003، وصولاً إلى تركيا، التي سبق تدخلها العسكري في العراق مغامرتها العسكرية الأخيرة في سوريا بسنوات والتى يطالب فيها إردوغان بإعادة النظر فى إتفاقية "لوزان" والتى بموجبها تم ضم الموصل الى العراق عام 1923، الى المملكة السعودية الراغبة في مقارعة النفوذ الايراني عبر بوابة الفتنة المذهبية، ودول غربية أخرى مثل فرنسا وبريطانيا وكندا الراغبة في الاستحواذ على مشاريع اقتصادية كبرى، على هذا الأساس، يمكن القول إن معركة الموصل لن تكون بالسهولة التي يتصوّرها البعض، واللاعب الأساسي فيها لن يكون «داعش»، بقدر ما سيكون مجمل الأجندات الاقليمية والدولية في الساحة العراقية، ما قد يجعل الترتيبات المرتبطة بتحرير «عاصمة الخلافة» فى الرقة أكثر تعقيداً.
إن معركة تحرير الموصل لها أهمية كبيرة على سلم أولويات مختلف الأطراف المحلية والإقليمية والدولية، ولكن تختلف هذه الأهمية بحسب طبيعة مصالح كل طرف من هذه الأطراف، وبقدر أهميتها يأتي انعكاسها على مستقبل العراق في حال استمرار الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية الراهنة في ظل ما يتم طرحه من مشاريع لمعالجة الأزمات المزمنة من تشكيل الأقاليم الفيدرالية إلى تصريحات الأكراد حول إمكانية تطبيق حق تقرير المصير والاستقلال عن العراق... وكلها قضايا قد تشهدها الساحة العراقية في مرحلة ما بعد التحرير والقضاء على "داعش".
علينا أن نتذكر قول الفيلسوف والحكيم الصيني "سون تزو" صاحب كتاب ( فن الحرب ) الذي نشر في الصين قبل الميلاد بستمائة عام ( إن الأنتصار في المعارك ليس هو النجاح التام . النجاح الحقيقي هو ان تكسر مقاومة عدوك ، او خصمك ، دون قتال)، دعونا ننتظر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تقارير تتوقع استمرار العلاقة بين القاعدة والحوثيين على النهج


.. الكشف عن نقطة خلاف أساسية بين خطاب بايدن والمقترح الإسرائيلي




.. إيران.. الرئيس الأسبق أحمدي نجاد يُقدّم ملف ترشحه للانتخابات


.. إدانة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب توحد صف الجمهوريين




.. الصور الأولى لاندلاع النيران في هضبة #الجولان نتيجة انفجار ص