الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخراب والأسئلة

يوسف أحمد إسماعيل

2016 / 10 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


ما سيأتي من آراء في هذه المقاربة ، لا يعلو على الواقع الراهن، وما يجري فيه من تناقضات وتناحرات واختلاف في المفاهيم، بل يأخذ به ، ولكن باعتباره نتيجة لسلوك وإقصاء واستحواذ واستبداد مضى؛ إذ لا يمكن البحث في تفاصيل الراهن ، على خطورته ، باعتباره واقعا منبتاً عن أسبابه . ويمكن للرأي المخالف أن يرى أن خطورة ما يجري تقتضي الآن النجاة بالسفينة ، ثم بعد ذلك يمكن العودة للحديث في الأسباب ومعالجتها ، ولكن هذا الرأي على الرغم من افتراضنا فيه حسن النية وصدق الإحساس بالظن، لأننا لا نملك حق تخوين الآخرين ؛ إلا أن منطق حل التناقضات القائمة الآن لا يمكن أن يمرّ عبر إطفاء الحريق وإبقاء بؤرة اشتعاله متقدة، فالريح المتضاربة لا تستمد شعلتها إلا من بؤرتها تلك .
وعليه فإنه حين تنطلق شرارة الانتفاضة على الاستبداد، ويتم إجهاضها بسرعة بقوى داخلية وخارجية، أو يتم تفريغها من جوهرها وملاحقة حاملي شعلتها من أمراء الحرب والسلطة الحاكمة على حدّ سواء، فإن الخراب في الوطن سيكون سيد الميدان ، وهذا ما هو واقع في الجغرافية السورية .
والخراب المهيمن، وفق ذلك، سيأخذ صورا عنيفة ومتجاذبة ومتناقضة جوهرياً ، ومتناسقة شكلياً . وأول تلك الصور ادّعاء جميع الأطراف المتصارعة الدفاع عن الوطن ؛ إذ يحاول كل طرف تجريد الآخر من حسه الوطني، واحتكاره لذاته فقط . وفي حيثيات ذلك الادعاء يرتكب كل طرف جرائم العنف والإقصاء والقتل والتدمير لمكونات الوطن ، وينسبها إلى عدوه في الصراع .
وتحت مساحة الموت بين النقاط الثلاث : الطرفان المتصارعان والخراب ، يتجذر اختلاف المواقف ، وتتعدد الآراء، ويهيمن الإقصاء، وينتشر التخوين في خطاب المثقفين خاصة، لأن ألوان المشهد لم تعد محددة بين قطبين : الأبيض والأسود، مع الثورة أو ضدها ؛ فبهيمنة الخراب، وبروز امراء الحرب ، وتداخل الرؤى والأهداف، لم يعد هناك وجود للقطبين ، الثورة والنظام ؛ فالثورة تحولت إلى حرب يقودها أمراء العنف ، والنظام تحول إلى واحد من أولئك الأمراء لا غير
في ظل ذلك لم يعد للسؤال : هل أنت مع الثورة أم ضدها ؟ معنىً، ويحلّ محله السؤال الاستنكاري الآتي : متى ستنتهي هذه الحرب ، ويتوقف القتل والتدمير والتهجير . وأظن أن هذا هو الهاجس الموجود الآن على ألسنة السوريين بكل أطيافهم وفئاتهم ؛ إلا أن حضور ذلك السؤال، كحاجة إنسانية ملحّة، لم ينه الأسئلة الأخرى ، وإنما دفعها إلى الرتبة الثانية ، من مثل ما يتعلق منها بالنظام ، ماضيه وحاضره ، والثورة وطموح الناس في التغيير ، ومسائل المهجّرين والنازحين والمعتقلين ، والمفقودين والمقتولين؛ ولكن هيمنة الخراب السوري الفجائعي جعل الأجوبة عن تلك الأسئلة التي تراجعت إلى الرتبة الثانية محل تجاذب بعد أن كانت قبل الخراب واضحة ومحددة ، مِن مثل الحديث في الموقف من استبداد النظام، أو من بهاء مفهوم الثورة والحاجة إليها، أو الشعب السوري الواحد، أو الجغرافية السورية الواحدة .
وعليه فلا بد إذاً من ـ ودون إجابات لصالح هذا الطرف أو ذاك ، وهذه القضية أو تلك ـ وقف الاقتتال والتدمير والتهجير ، ليتوقف نزيف الدم السوري، ومعالجة الحاجات الإنسانية الإسعافية الملحة ، إن كان على مستوى الغذاء أو الدواء.
إن تثبيت وقف إطلاق النار بإرادة أممية فاعلة يعطي للشعب السوري أملا في معالجة آثار الفجيعة أو إيقاف نزيفها على أقل تقدير، وفي الوقت نفسه يمنع انتصار أحد الطرفين على الآخر واستحواذه على البلاد والعباد؛ فالانتصار العسكري ، خاصة حين تكون الحرب بين مكونات الشعب الواحد ، يعطي المنتصر حق تصفية الخصم واستعباده لفترة زمنية طويلة .
ولكن ذلك القول لن يوافق طبعاً من لا يرى في الفجيعة السورية حربا بين مكونات الشعب الواحد، فمن يقف مع النظام بغض النظر عن خلفية ذلك ، يرى أنها حرباً بين الإرهاب والشرعية الوطنية ، ولذلك لا بد من الانتصار الساحق على الآخر ، ومن مازل يرى في الحرب ثورة ضد النظام ، وبغض النظر عن ذلك أيضا، يقول : لابد من إسقاط النظام بكل رموزه ونهجه ومؤسساته !
ولكنه في كلتا الرؤيتين صورة نمطية واحدة لم تتجاوز بداية الأزمة السورية في 2011 حين رأى النظام في الحراك الثوري إرهاباً تجب محاربته ، ولم يغير قناعته أو تصنيفه أو رؤيته ، وكذا حين رأى المعارضون في الحراك ثورة شعبية شاملة ، والسلاح الذي انتشر هو ليس أكثر من تحويل الثورة السلمية إلى ثورة مسلحة ، ولذلك لابد من إسقاط النظام لانتصارها ؟ !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صورة مفجعة لفلسطينية في غزة تفوز بجائزة -أفضل صورة صحافية عا


.. وسط تفاؤل مصري.. هل تبصر هدنة غزة النور؟




.. خطوط رفح -الحمراء- تضع بايدن والديمقراطيين على صفيح ساخن


.. تفاؤل في إسرائيل بـ-محادثات الفرصة الأخيرة- للوصول إلى هدنة




.. أكاديمي يمني يتحدث عن وجود السوريين في أوروبا.. إليك ما قاله