الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العصبيات الخلدونية إلكترونيا

رابح لونيسي
أكاديمي

(Rabah Lounici)

2016 / 10 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


تحدثنا في عدة مقالات سابقة عن مسؤولية العصبيات التي أشار إليها بن خلدون منذ قرون في عدم قدرتنا في تحقيق تطورات إيجابية في منطقتنا، وقلنا بأن مشكلة منطقتنا تتمثل في إستمرار هذا العصر الخلدوني إلى حد اليوم بمختلف عصبياته المدمرة، وقلنا أنه لا يمكن تحقيق أي تطور إيجابي إلا بتحقيق القطيعة مع هذا العصر الخلدوني وهذه العصبيات التي كانت وراء فشل كل محاولات تحقيق تغييرات إيجابية في منطقتنا، ومنها تحول ما سمي ب"الربيع العربي" إلى خريف دموي بسبب سيطرة مختلف العصبيات الدينية والطائفية والقبلية وغيرها في مجتمعاتنا، والتي حولت ما سمي بالربيع إلى فوضى وحروب أهلية، وقد أصبح لهذه العصبيات اليوم تأثير أكبر اليوم بإستغلالها التقدم الكبير في تكنولوجيا الإتصالات، ومنها بالأخص مواقع التواصل الإجتماعي، وهو ما يدل على المفارقة الغريبة في عالم منطقتنا، والمتمثل في التعامل بوسائل تكنولوجية عالية، لكن بذهنبيات متخلفة تعود لعصور إنحطاط حضارتنا الإسلامية التي لازلنا غارقون فيها إلى حد اللحظة.
وتعود جذور هذا المعطى الجديد المغذي أكثر لهذه العصبيات المهددة للأمن الوطني إلى ما يعرفه العالم من ثورة جذرية في الإتصالات، مما جعل مثلا جاك آتالي يرى في كتابه "الإنسان المترحل" بأن الإنسان الذي كان في القديم من الرحل ثم أستقر، فإن هذه الثورة، ستجعل منه من الرحل مرة أخرى، وبإمكانه أن يسير شركات وكل شؤونه، وهو في ترحال دائم من مكان إلى آخر، ويشبه البعض ظهور الأنترنات بإكتشاف المطبعة على يد غوتنبرغ التي أدت آنذاك إلى إنتشار الأفكار والمعلومات وسهولة سيولتها النسبية بمفهوم تلك الفترة، ويحدث نفس الأمر اليوم، مما سيؤدي إلى ترسيخ ودعم السلم العالمي، لكن غاب عن هؤلاء بأنه كما أدى إختراع المطبعة في 1450 إلى ثورة فكرية، فإنه أيضا كان سببا لحروب دينية دامت 30سنة في أوروبا، والتي أنتهت بمعاهدة ويستفاليا وبروز مبدأ إحترام سيادة الدول، بعد ما أنهكت تلك الحروب الشعوب، ويبدو أنه نفس الأمر سيتكرر في منطقتنا بسبب توظيف البعض للعالم الإفتراضي في صراعات طائفية ودينية و”توهمات عرقية”.
ويعود ذلك في نظرنا إلى أن الأغلبية منا تعيش هذه الثورة التكنولوجية الكبرى بذهنية عصور إنحطاط الحضارة الإسلامية التي لم نخرج منها بعد للأسف الشديد، ولم نقم بقطيعة مع ما نسميه ب”العصر الخلدوني” الذي سيطرت عليه العصبيات القبلية والطائفية وغيرها، ولهذا سيؤثر علينا هذا التطور سلبا، ولا يمكن لنا تحويله إلى عامل بناء وتنمية إلا بالقطيعة مع ذهنيات “العصر الخلدوني” الذي كان بدايات إنحطاط حضارتنا الإسلامية لدرجة أن بن خلدون وأفكاره الثورية العظيمة، لم يسمع بها أحد، لكن انتشرت بقوة خطابات الدراويش والدجالين وناشري الكراهية بين المسلمين آنذاك، وهم يشبهون نفس دجالي وناشري الكراهية بتوظيف هذا العالم الإفتراضي اليوم.
لا يجب أن يغيب عن أذهاننا كيف كان لشبكات التواصل الإجتماعي دورا كبيرا فيما سمي ب”الربيع العربي”، فهناك طروحات تقول بوجود تكوين خاص في هذا المجال للكثير الذين كانوا وراء ذلك “الربيع” الذي تحول إلى “خريف” في إطار مخطط وضع خارج وعي الشعوب، وبدأت تظهر نتائجه الكارثية اليوم، وتتمثل في زرع الفوضى لترك الباب مفتوحا للجماعات الإرهابية، ومنها إقامة وتوسيع “دولة داعش”، فالفوضى هي وسيلة لإعادة إنتشار الجماعات الإرهابية، وأن الخطر الذي نواجهه اليوم هو إستخدام شبكات التواصل الإجتماعي ليس فقط للتنسيق بين الجماعات الإرهابية أو نشر تطرفهم أو التجنيد، بل هناك مخطط آخر لهذه الجماعات الإرهابية مبني على إثارة فتنة وفوضى داخلية بناء على نشر ما نسميه ب”أوهام عرقية”، فما وقع مثلا في غرداية بالجزائر كان أحد نتائج توظيف شبكات التواصل الإجتماعي لنشر الكراهية بين مكونات الأمة، ويبدو أن نفس الأطراف تسعى اليوم بإستخدام نفس الوسائل التكنولوجية لتكرار نفس مأساة غرداية في الشمال الجزائري بالتحريض ضد سكان منطقة القبائل والمنحدرين منها والموزعين بقوة في كل أرجاء الجزائر، ويستهدفون بذلك إشعال حرب أهلية وفوضى في الجزائر لدفع الجيش للتدخل للحد من هذه الفوضى الشاملة بسبب صراعات بين بعض هذه المكونات في بعض الأماكن، وهو ما يفتح الباب أمام إعادة إنتشار الجماعات الإرهابية، وعلى رأسها داعش، خاصة أن داعش والتنظيمات الإرهابية تتلقى ضربات موجعة في ليبيا، مما يتطلب التفكير من المخططين لها والواقفين وراءها إيجاد لها مواقع في الجزائر التي تعد دولة محورية في المنطقة بموقعها الإستراتيجي الهام جدا وثرواتها ومساحاتها الواسعة.
كما تستخدم الجماعات الإرهابية وأيديولوجييها أيضا العالم الإفتراضي لضرب وحدة المؤسسة العسكرية، لأن هذه الجماعات ومن يقف وراءها تعلم جيدا بأن الجيش هو الحصن الحصين الذي تتحطم أمامه كل مشاريع الإرهابيين، كما أنهم يعملون بتنسيق مع قوى كبرى، وعلى رأسها أمريكا والكيان الصهيوني التي تستهدف زرع الفوضى في دولنا لتفتيتنا وإعادة تشكيل خريطة منطقتنا حسب مصالحها، ويعد ضرب وحدة الجيوش أداة رئيسية لذلك، فأخطر ما يهدد الدول ويمحوها نهائيا من الخريطة هو فقدان الإنسجام والوحدة والإنضباط داخل المؤسسة العسكرية التي تعد العمود الفقري للدولة، فمن الصعب إن لم نقل مستحيل إعادة بناء الدولة في حالة تفكك المؤسسة العسكرية، وهو ما يقع مثلا في ليبيا اليوم.
تستهدف الجماعات الإرهابية أيضا من إستخدامها للعالم الإفتراضي نشر أفكارهم المتطرفة التي تسمح بتجنيد عناصر في كل الدول، إضافة إلى إستخدام هذا العالم في التنسيق بين الجماعات والشبكات المنتشرة في مناطق عدة، كما توظفه لإثارة البلبلة والفوضى، بل حتى إشعال حروب أهلية بتوظيف “التوهمات العرقية” كي تجد مكانا لإعادة إنتشارها في بعض الدول مثل الجزائر، كما تستهدف من خلال الفيديوهات التي تنشرها ترهيب الناس، فقد أفادت بعض الدراسات أن الجيش العراقي تحطمت معنوياته من الصور التي كانت تبثها داعش حول مجازرها، مما أدى إلى شل قوى بعض عناصره، فالإرهاب، وعلى رأسها داعش، يطبق نظرية الترهيب والتخويف لفرض سلطته.
يحتاج مكافحة هذا الإرهاب الإلكتروني إلى تكنولوجيا عالية، لكن يبدو أن بلداننا تفتقدها، أما قانونيا، فيجب تنظيم قانوني دقيق لإستخدام شبكات التواصل الإجتماعي، ونعتقد أننا بصدد تكرار نفس ظاهرة ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، لكن بشكل آخر، فقد عانت دول العالم الثالث آنذاك من تحكم الدول الكبرى في سيولة المعلومات ونشر الأخبار بفعل سيطرتها على وكالات الأنباء آنذاك، وكانت تستخدم بعض الإشاعات والمعلومات لإثارة القلاقل في بعض الدول، ويبدو نفس الظاهرة تتكرر اليوم، لكن على صعيد العالم الإفتراضي، وبأشكال أخرى، ويبدو أن مثلا الإدارات المركزية لهذه الشبكات لا تساعد دولنا في مكافحة الإرهاب، ونتساءل بشكل بسيط كيف يمكن لجماعات إرهابية ولإرهابيين فتح صفحات وحسابات فايسبوكية وغيرها من هذا العالم دون أي رقيب؟، فهل من المعقول مثلا فتح صفحات وحسابات من مجهولين، لايمكن معرفة هويتهم؟، فهل هناك تواطؤ من هذه الإدارات في إقلاقنا بواسطة هذا السلاح؟، لماذا لا تفرض هذه الإدارات على كل من يفتح صفحة أو حساب التأكيد على هويته الحقيقية، فمثلا نجد إرهابيين يفتحون صفحات منتحلة لبعض الشخصيات المعروفة، ومنهم مثلا رجال دين ومثقفين معروفين ومسموعي الكلمة وجد مؤثرين في الرأي العام، كي يعطوا دعما لأفكارهم الإرهابية أو الطائفية أو العنصرية، فإن كانت هذه الإدارات جادة فعلا في مكافحة الإرهاب الإلكتروني، فما عليها إلا منع وغلق كل الصفحات والحسابات المجهولة الهوية، وتفرض على كل من يفتح صفحة أو حساب التأكيد على هويته الحقيقية بإرسال بطاقة تثبت هويته الحقيقية، وما نستغربه ويدفعنا إلى طرح عدة تساؤلات هو إسراع هذه الإدارات في غلق كل صفحة يمس بالكيان الصهيوني ولو بشكل بسيط، لكنها تتماطل، وترفض في أغلب الأحيان غلق صفحات وحسابات عنصرية تنشر الكراهيات الطائفية والعرقية في دولنا .
نعتقد في الأخير أن هذا العالم الإفتراضي، يحتاج إلى تنظيم دولي دقيق وصارم بالإتفاق بين الدول الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة، لكن يبدو لنا من متابعة الظاهرة أن هناك قوى دولية كبرى يساعدها الغموض وعدم التنظيم الدقيق لهذا العالم الإتراضي بهدف نشر البلبة وخلق الفوضى وإشعال الحروب وضرب دول بأكملها بواسطته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رغم تحذيرات الحكومة من تلوث مياهها... شواطئ مغربية تعج بالمص


.. كأس أمم أوروبا: فرنسا تسعى لتأكيد تفوقها أمام بلجيكا في ثمن




.. بوليتيكو: ماكرون قد يدفع ثمن رهاناته على الانتخابات التشريعي


.. ردود الفعل على قرار الإفراج عن مدير مجمع الشفاء الدكتور محمد




.. موقع ناشونال إنترست: السيناريوهات المطروحة بين حزب الله وإسر