الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإنعطاف الأميركي الكبير

محمد سيد رصاص

2005 / 12 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


كان لبنان ,منذ صدور القرار 1559 في 2 أيلول 2004,عنواناً لأزمة اميركية –سورية,مضمونها هو العراق:بين تاريخي 14شباط و26نيسان دفعت سورية فاتورة سياستها العراقية في بيروت,أمام البلدوزر الأميركي الزاحف للمنطقة, ولوكان ذلك عبر اشتعال حطب لبناني أتى من نقمة غالبية المجتمع اللبناني من الممارسات السورية هناك . بعد ذلك,اتت "أزمة ميليس"لتظهر استمرار تلك الأزمة بين واشنطن ودمشق ,وعدم حلها .
تثير الدول العظمى أزمات كبرى مع الآخرين,غالباًمايكون عنوانها غير مضامينها ومراميها,كما حصل من ألمانيا في عام 1939 مع بولندا من خلال قضية دانزيغ التي كان موضوعها حتى أبعد من الحدود البولندية ليشمل أزمة العاصمة الألمانية مع كل من باريس ولندن وموسكو حول تصور العالم الأوروبي: ما حصل من واشنطن, بعد احتلال العراق,مع عواصم القرار الإقليمي, في القاهرة والرياض وطهران ودمشق, عبر طرح مواضيع "الإرهاب"و"الديموقراطية" و"ضبط حدود الجوار العراقي" و"تخصيب اليورانيوم الإيراني",لايخرج عن إطار ذلك, من حيث أنه يعبر عن تغير تصور واشنطن للمنطقةفي مرحلة (مابعد بغداد)بالقياس إلى ماقبل الحضور العسكري الأميركي المباشر إلى قلب منطقة الشرق الأوسط(تماماً كما عنى سقوط كابول بيد الأميركان تغيراً في رؤية واشنطن لدور باكستان عن دورها في زمن ضياء الحق) الشيء الذي أدى إلى تغير الرؤية الأميركية لأدوار الدول الإقليمية الرئيسية بالمنطقة, ليأتي طرح تلك العناوين كتعبير عن ذلك وكمؤشر عليه .
في هذا ,كانت المطالب التي قدمها الوزير باول في أثناء زيارته لدمشق ,بعد ثلاثة أسابيع من سقوط بغداد,مؤشراً على نظرة أميركية جديدة للدور السوري بالمنطقة تختلف عما ظهر في عامي 1976 و1990, إلاأن مانقل الأمور إلى مرحلة الأزمة بين واشنطن ودمشق,هو الدور الذي لعبته سورية في العراق المحتل عندما وجد السنَة العرب,ككتلة اجتماعية ,في دمشق جداراً حامياً,ليس بحكم سياسات النظام,بقدر مالأن الإمتدادات الإجتماعية,العابرة للحدود,تشكل ذلك الجدار,وهذا ماأكسب سوريا ورقة, من خلال سكوت النظام أواغماضه لعينيه,فاق ماكان للرئيس حافظ الأسد من دور في العراق لما تحالف مع القوى الشيعية والكردية المعارضة للحكم العراقي السابق .
في الأسبوع الثالث من شهر تشرين الثاني ,حصل( مؤتمرالحوار العراقي) في مقر الجامعة العربية بالقاهرة بموافقة واشنطن , وفي الرابع منه حصلت التسوية بين واشنطن ودمشق حيال "أزمة ميليس":لايمكن فك الارتباط بين هذين الحدثين,من حيث أن الأول يدل على تنازل من قبل (الدولي),الآتي إلى الشرق الأوسط,لصالح (الإقليمي العربي) في العراق عبرتخليه عن انفراديته بالأخير, وهذالايشمل القاهرة والرياض فقط, وإنما أيضاً دمشق التي أصبح لها الكلمة الأولى عند الشيخ حارث الضاري,الذي يبدو أنه يأخذ دور "جيري أدامز العراق",والذي بدونه ماكان يمكن أن ينجح مؤتمر القاهرة, ولاانتخابات (15ك1)رغم عدم مشاركة(هيئة علماء المسلمين)فيها ,حيث اكتفت-وهي القوة السنية الكبرى بالعراق- بالموافقة الصامتة على انخراط العرب السنَة في تلك الانتخابات .
كان ما جرى في القاهرة, وأيضاً الأجواء الانتخابية الجديدة بالفلوجة والرمادي والموصل والأعظمية,على ارتباط بماجرى في فيينا, وأيضاًلاحقاًلهذا المضامين التي تضمنها القرار1644 بالقياس إلى القرار1636, وماأعقب ذلك من تنحي ميليس .بالوقت نفسه,لايمكن عزل ذلك عن عودة الحرارة مجدداً إلى ثالوث (القاهرة –الرياض- دمشق), وهو شيء ترافق مع مؤشرات عديدة على بداية ادراك واشنطن لمغزى ومعنى تصريح ملك الأردن,في نهاية عام2004,عن "الهلال الشيعي ", ولتحذير الأمير سعود الفيصل في أيلول الماضي من مدى استفادة طهران من الأجواء العراقية الجديدة التي أعقبت الإحتلال الأميركي للعراق .
كان هذا مترافقاً مع صعود أحد المحافظين المتشددين للرئاسة في ايران , ومع استئناف طهران لتخصيب اليورانيوم, والذي كان قرار وقف تخصيبه من قبل الإيرانيين ,في خريف 2003, متوازياً مع ذروة التعاون الإيراني- الأميركي في عراق مابعد صدام حسين .حيث يبدو أن اتجاه واشنطن الجديد إلى اعطاء القاهرة والرياض ذلك الدور في العراق لايخرج عن هواجسها الإيرانية الجديدة ,سواء عراقياً أونووياً, فيما يبدو أن ارضاء دمشق لايبتعد عن رؤية استرتيجية أميركية تهدف إلى انشاء شرخ في التحالف السوري- الإيراني,أولاً في العراق,لكي ينعكس ذلك ,فيمابعد, في تلك الأجندة الأميركية المطروحة حيال حزب الله, وخاصة بعد أن أثبتت دمشق بأن ورقتها اللبنانية,في مرحلة مابعد انسحاب 26نيسان,لاتعتمد على (عنجر ), وإنما هي أبعد من ذلك بكثير, وهو شيء ليس جديداً,وإنما يعود إلى الأربعينيات منذ أيام سعد الله الجابري .
ربما عبر هذا يمكن تفسير عصبية وحنق أحد أذكياء السياسة اللبنانية المعدودين,أي الزعيم وليد جنبلاط, إلاأن الأمر على مايبدو يؤشر إلى أمور هي أبعد من النطاق اللبناني,ليدل على حصول انعطاف أميركي كبير في سياسة واشنطن بالمنطقة,قدمت عبره العاصمة الأميركية تنازلات كبرى للعامل الإقليمي العربي في الموضوع العراقي(الذي أصبح موضوع المواضيع عند جورج بوش, وهو يدرك بأن الفشل في العراق سيعني تقوضاً للقطب الواحد) مقابل تعاون العرب هناك,وتخلت مقابل ذلك عن كباشها اللبناني مع دمشق,بعد أن وصلت طبختها العراقية إلى حافة الإحتراق .
سيقلب هذا السياسة الأميركية , في المدى المنظور والمتوسط,حيال طهران, وأيضاً تجاه النجف والسليمانية وأربيل:ولكن ألن يؤدي هذا إلى تحريك التسوية في رام الله والقدس , وأيضاً الجولان, بعد أن غطًى الحريق العراقي على كل هذا, وهو شيء يبدو أن شارون وبيريز ,من خلال حزبهما الجديد,يدركانه ويتحسبان لملاقاته عبر توازنات اسرائيلية داخلية جديدة يريدان احداثها عبر الانتخابات القادمة, من خلال تقديرهما بأن اليمين ,عند نتنياهو وعوزي لانداو, واليسار ,عند عمير بيريتس ويوسي بيلين, لايستطيعان ملاقاة وصدِ تلك الرياح ولاتلك الفاتورة التي يمكن أن تد فعها اسرائيل عقب ذلك, والتي ربما تكون شبيهة بما كان عليه مؤتمر مدريد الذي أُجبرت عليه اسرائيل من قبل واشنطن بعد أشهر من ذلك الموقف الذي اتخذه ثالوث(القاهرة- الرياض –دمشق) في الدخول بذلك التحالف ضد الرئيس العراقي عقب غزو الكويت ؟ .................








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة ضرب مستشفى للأطفال بصاروخ في وضح النهار بأوكرانيا


.. شيرين عبدالوهاب في أزمة جديدة وصور زفاف ناصيف زيتون ودانييلا




.. -سنعود لبنائها-.. طبيبان أردنيان متطوعان يودعان شمال غزة


.. احتجاجات شبابية تجبر الحكومة الكينية على التراجع عن زيادات ض




.. مراسلة الجزيرة: تكتم إسرائيلي بشأن 4 حوادث أمنية صعبة بحي تل