الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإعلان العربي وثقافة الاستهلاك

فؤاد علي منصور

2005 / 12 / 30
الصحافة والاعلام


ربما يتساءل المرء عند استعداده لرؤية نشرة أخبار مفصّلة على إحدى القنوات الفضائية العربية الكثيرة العدد القليلة الفائدة.. يتساءل عن موجات الإعلان الكاسحة التي تغزو أوقاتنا من خلال الفضائيات..
تقف عاجزاً عن الكلام عند رؤيتك لهذا الإعلان أو ذاك.. وكأن المرء منا أصبح مستقراً لكل المنتجات التافهة التي تنهال علينا من كل حدب وصوب وكأن مساحات الإعلان المتلفزة تتسع شيئاً فشيئاً لتأكل من ثقافتنا وأدبنا وحواراتنا.. ومبادئنا..
وكأن المصنعين لا هم لهم سوى إتخامنا بما يصنعون، ولا يتركون وسيلة نفسية أو صورة مغرية أو إثارة زائفة.. إلا ويستخدمونها لإقناعنا بشراء منتجاتهم..ودائما بضاعتهم هي الأفضل والأحدث والأجمل والأمتن..والأنعم ...إلى آخر هذه الأكاذيب....
أنظر حائراً.. مستغرباً في هذه الوسائل الإعلامية التي تفرض إعلاناتها بهذه الأشكال القبيحة وبهذه المساحات الزمنية الكبيرة.. حتى أنهم يستأذنون ضيوفهم لـ(بريك إعلاني) وهذا الـ(بريك) يدوم ما شاء له أصحاب المؤسسة.. الإعلامية..
نعم تحتاج كل وسائل الإعلام في العالم للدعم المادي، ولكن ليس إلى هذا الحد الذي تطغى فيه الإعلانات على الشكل العام للقناة بحيث أنك تهرب من فضائية لأخرى عند بدء (البريكات) لتفتش لنفسك عن مكان لتختبىء فيه ولو كنت لا تحبه أو تنأى بنفسك عن الوقوف أمامه.. ريثما يعود المذيع الباسم إلى ضيوفه أو إلى نشرة أخباره..
هل الوسائل الإعلامية مضطرة لتحمل أصحاب الإعلانات السمجين الذين يفرضون ما يريدون بكل قسوة وبكل (غلاظة) وأحياناً (قلّة أدب)..؟
هل الوسائل الإعلامية تترك دورها الإعلامي بكل رحابته لتنزل إلى مستوى الإعلان المبتذل الذي لا يستفيد منه إلا أصحاب المشاريع الكبيرة والقادرة على الدفع بألوف الدولارات للقنوات الفضائية ولا يستفيد منه بالنتيجة إلا أصحاب الملايين.. وهم بكل الأحوال قلة بالنسبة للشارع العربي؟
هل الوسائل الإعلامية تنسى دورها الثقافي لتضع إعلانات مؤذية أخلاقياً وثقافياً؟.. ما رأيكم بإعلان يصور مسؤولين كبيرين يمزقان الاتفاق لأن أحدهما لم يطعم الآخر من حلواه ولأن هذه الحلوى.. (مش لاثنين)؟ أي قيمة أخلاقية ينشر هذا الإعلان, وأي مبدأ يسعى لفرضه على المواطن البسيط وعلى الطفل والمرأة.... وبالنتيجة يصبح مبدأ أخلاقياً معتمداً؟!.ويصبح شكل حياة لأطفالنا من الصعب الابتعاد عنه ثانية...ومن الصعب إقناع الطفل بمبدأ الإيثار ومحبة الجميع...
وما رأيكم بإعلان تلتصق فيه فتاة بشاب في حافلة نقل ركاب فارعة إلا منهما بسبب.... أن رائحته جميلة..
وهل كلما شمّ شخص ما رائحة جميلة من شخص آخر عليه أن يلتصق به؟!!
وما رأيكم بإعلانات تصور المرأة فخاً جنسياً أو جائزة جنسية بعد الحصول على منتج ما..
وما رأيكم بالإعلانات التي تستخدم أجساد الفتيات الجميلات لتغري المستهلِك.. بالمستهلَك؟!...
وما رأيكم بالسيارة التي يرى سائقها نفسه أنه أكبر من كل الناس الذين يمرون بجانبه حتى يصبحون أقزاماً.. وحتى كلبه لا يصل إلى مستوى حذائه..
نعم أيها السادة.. هذا هو الإعلان.. وهذا هو فن الإعلان..
والسبب أننا فقدنا ونفقد كل يوم جزءاً من أخلاقنا ومن ثقافتنا وتفرض علينا يومياً ثقافات وأخلاق مرفوضة من كل المجتمعات وحتى المجتمعات التي أنتجت مواد الإعلان..
في الغرب هناك قوانين تحمي المرأة وجسدها من الابتذال الإعلاني .....وهناك قوانين تحمي المستهلك أيضا..أما المواطن العربي...فمن يحميه؟؟ من يحرسه من هذا الهجوم الذي لا يدخر وسيلة مشروعة أو غير مشروعة في طرائق التسلط على فكر وثقافة الناس؟؟...
والسبب أننا نملك قنوات فضائية، ولا نملك قنوات ثقافية..
السبب أنه لا رقيب على ما يعرض من بذاءات إلا رقيب المصلحة الشخصية الضيقة التي لا ترى في الإعلان إلا وسيلة ربحية بغض النظر عن محتواها.. وعن رسالتها..
يحزنني هنا ـ أني لا أرى ضمن هذه الإعلانات منتجاً عربياً سوى المناديل الورقية والفوط النسائية والعلكة.. والمنظفات وحتى الشماخات التي أصبحت صناعة غير عربية!!
يحزنني أن لا أرى منتجاً عربياً ذا قيمة..
ماذا فعلنا في المئة سنة الأخيرة.. وماذا صنع العالم؟!
سأجيب أنا.. صنع العالم العلم والحضارة..
وصنعنا المحارم الورقية والمنظفات..... لعلاكنا فقط..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عودة الصدر للسياسة تقترب.. كيف تلقى دعما من السستاني؟ | #الت


.. تونس..مظاهرة تطالب بتحديد موعد لإجراء الانتخابات الرئاسية|#غ




.. الهجوم الإسرائيلي على رفح وضع العلاقات المصرية الإسرائيلية ع


.. تحقيق إسرائيلي يوثّق انتحار 10 ضباط وجنود منذ بدء الحرب




.. قوات الاحتلال تطلق قذائف على صيادين في البحر