الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سوريا في غمرة التحولات المصيرية

بدر الدين شنن

2016 / 10 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


بعد سنوات من الحرب الكارثية على سوريا ، التي تشترك فيها ، دول استعمارية عريقة ، وإقليمية طامعة بالتوسع والثروات الطبيعية ، وجماعات إرهابية دولية مأجورة من مئة دولة . والتي أدت إلى التدمير الهمجي الواسع ، في مدن وبلدات وقرى سورية كثيرة ، وإلى سفك دماء مئات الآلاف ، معظمهم من المدنيين العزل والأطفال ، وإلى تشريد وتهجير ملايين السوريين ، لاسيما الفقراء ومتوسطي الحال ، في الداخل والخارج ، وإلى تدمير الاقتصاد الوطني بنسبة تبلغ ( 90 % ) وإلى خسائر مادية عامة ، تقدر بمئات المليارات من الدولارات ، وإلى ارتفاع الأسعار ، عشرات ، ومئات المرات لكافة سلع مقومات الحياة ، وإلى انحدار مستوى معيشة غالبية المواطنين إلى قاع الفقر والجوع .. وإلى خلل مذهل ، في المفاهيم السياسية والأخلاقية والوطنية المتطورة ، والقومية التقدمية المتحررة ، والدينية المتنورة .

وبعد أن فرضت الجماعات الإرهابية المسلحة ، بقيادة " داعش " مشروعها المتخلف ، بإقامة " الدولة الإسلامية " بالتعاون والتحالف مع القوى الإسلامية القديمة في البلاد .
وتجسد بوضوح .. تعارض ما يجري في الواقع ، مع كل القيم الثورية ، للثورات ، التي تحدث عادة ، لإنقاذ البلاد والشعوب ، من الاحتلال الأجنبي ، والظلم الاجتماعي ، ومحصلتها ، أن تقوم ببناء حياة جديدة هي أفضل من السابق بكل المستويات .. لم يبق من المتمسكين بمفردة " الثورة " كتوصيف للتدمير والقتل الجاري في البلاد ، سوى الذين بدلوا جلودهم السياسية ، واعتمدوا ، نهائياً ، الرهان على العولمة الأميركية ، ومعهم عدد من المثقفين المنحرفين ، المستمتعين لقاء ذلك بالمعيشة الفاخرة ، على حساب دمار وطنهم ، ودماء شعبهم ، يضاف إليهم أعداد من الجماعات التي تفتقد للتجربة السياسية .. وسقطت خديعة الخلط المتعمد ، بين " الثورة النبيلة المقدسة ، وبين أسوأ أشكال " الثورة المضادة " . واستخدام ما سمي " بالثورة " كقوى بديلة في الهجوم الدولي المباشر ، لتحقيق التغييرات الانتكاسية والإخضاعية ، في البلدان المستهدفة .

ويعد أن ظهر عجز الجماعات الإرهابية المسلحة ، والقوى الإسلامية الرجعية التقليدية ،في تحقيق حسم السيطرة ، وتحقيق الأهداف ، بالأساليب المتعصبة المتوحشة ، لاسيما في سوريا ، عبر إقامة ، وتكريس " الدولة الإسلامية " لاعباً ضارباً ، على المستوى الإقليمي والدولي ، وأخذت القوى الدولية ، التي أشعلت وتقود الحرب ، مسألة الحسم بأيديها ، ودخلت على المكشوف مسارح العمليات مباشرة ، براً وبحراً وجواً ، أو من خلال التحالف الأميركي الدولي .
وبدأ الشغل الدولي على ، تحجيم ، وإعادة تشكيل ، وانتشار " داعش " و" جبهة النصرة ، والجماعات المسلحة التابعة لهما ،وتقديمه على أنه البديل عن " الدولة الإسلامية ، لأداء نفس الأهداف ، التي كان " داعش " يعمل على تحقيقها .

وتم بذلك حسم النقاش ، حول علاقة الخارج ، بما سمي " الربيع العربي " .. وعلاقته " بالثورة " . وسقط النفاق الديمقراطي الليبرالي المسوغ لتبديل الجلود والانحرافات ، وسقطت أقنعة الدول الغربية الاستعمارية العريقة ، وتأكد استخدامها للإرهاب ، لتحقيق مطامعها ومخططاتها .
وسقط أيضاً المشروع الإسلامي السياسي ، " والدولة الإسلامية " .. كوكيل لمشروع العولمة الأميركية . وباتت القوى الدولية ، أي الخارج ، تقوم بممارسة ما تريده في سوريا مباشرة ، بلا وسيط ، ليبرالي ، أو إسلامي ، تحت عنوان " الثورة " ، أو تحت عنوان " الدولة الإسلامية ، والمشروع الإسلامي السياسي .

ولدى التقييم الموضوعي ، للدور المدمر الذي قامت به الليبرالية ، للقيم والمرجعيات المساندة للتحركات الثورية ، ضد العدوانية الخارجية ، والرجعيات المزمنة ، وللدور المريب " للربيع العربي " وثوراته التي قادتها أسوأ الدول والشخصيات الإمبريالية والرجعية ، المعادية لحق الشعوب بتقرير مصيرها ، ثم للدور المخادع ، للمشروع الإسلامي الرجعي " والدولة الإسلامية " المتوحشة بعقليتها وأساليبها .لابد أن نصل إلى قناعة ، أن ما تم ليس " ثورة شعبية أصيلة حمالة المطالب الشعبية المشروعة ، وإنما هو " ثورة مضادة ، معادية للقوى الوطنية الديمقراطية والقومية التقدمية التحررية والاشتراكية ، التي كانت قبل 2011 تناضل لحقيق التغيير الوطني الديمقراطي بكامل أبعاده القومية القدمية والاجتماعية المستحقة ، ومضادة لاستقرار ووحدة بلدان عربية عدة ، تشكل تاريخياً ، رغم كل الحروب والمتغيرات ، تشكل القوى العربية الأساسية .

وقد دخلت هذه التحولات السورية في المشهد الدولي التنافسي الجديد ، وفي المشهد السوري الداخلي ، إن فيما يتعلق بالحرب أو بالتسوية . حيث تزايدت خطورة الصدام العسكري .. وربما النووي .. بين القطبين الدوليين الأعظم ، بين روسيا اللاعب الدولي الرئيس إلى جانب الدولة السورية ، وبين أميركا اللاعب الرئيس المقابل في الحرب السورية ، وفي الصراع لإعادة رسم خريطة المنطقة .
وبدأ الوضع الدولي يشهد ردود الفعل المباشرة ، السياسية ، والعسكرية ، بين أميركا وروسيا ، حول كل كبيرة وصغيرة تحدث في سوريا ، أو متعلقة بسوريا . وبدأت تنسحب هذه الردود على مختلف الشؤون الدولية ، حيث صارت الحرب السورية ومجرياتها ، عنواناً ثابتاً ، في المؤتمرات القرارات الدولية .

إن من أبرز المعطيات في هذا الصدد هي :
- قيام التحالف الأميركي الدولي بقصف موقع للجيش السوري في جبل ثردة القريب من مطار دير الزور .
- العدوان التركي على شمال سوريا المتواصل ، الذي استهدف مؤخراً 6 قرى سورية ، ذهب ضحيته أكثر من 150 من المدنيين .
- ترحيب أميركي بالعدوان التركي في الشمال السوري ، بذريعة حماية الحدود التركية .
- إعلان رئيس المجلس الأوربي ، أن الاتحاد الأوربي ، يدرس كل الخيارات المتاحة ضد النظام السوري وحلفائه ، إذا استمرت الفظائع المرتكبة بحلب . وذلك دون أ ن يشير بكلمة إلى أن الجهة التي تتعرض إلى الفظائع ، هي جبهة النصرة وحلفاؤها .
- سعي أميركي مكشوف لنقل الإرهابيين من الموصل إلى الرقة .
- تهديد أميركي بمواصلة الحرب إن حررت الحكومة السورية كامل مدينة حلب .
- تنصيب التحالف الأميركي الدولي نفسه ، وصياً على المصير السوري ، من خلال اعتبار أن ما يقوم به في سوريا من تدخل وضربات عسكرية ، هو عمل مشروع ، دون أن يحصل على أية مشروعية من المؤسسات الدولية ، أو من الحكومة السورية . بل وبات يمنح التراخيص للغارات الجوية الأجنبية على أهداف سورية عسكرية ومدنية .

ما مفاده أن سوريا الآن كلها .. كل قواها السياسية تخضع للمظلة الدولية وللإرادة الدولية . ولاشك أن سوريا ، لم تصل إلى هذه الحالة تلقائياً .. أو باختيارها . وإنما أوصلها إليها ، عاملان .. داخلي .. وخارجي . لكن العامل الداخلي " السياسي " يتحمل نسبة لا بأس بها من المسؤولية .
فما وصلت إليه سوريا الآن ، كأنه عقوبة على أخطاء ، الخيارات ، والمسارات ، والتحالفات ، والعداوات ، وعلى أخطاء في الرؤى ، الفكرية ، والسياسية ، والسمت .

ورغم كل ذلك ، إن السوريين .. كل السوريين .. الذين دفعوا الثمن من عمرانهم ودمائهم ومقدراتهم .. يتطلعون ، من ميادين وجبهات القتال ، وأماكن النزوح والتهجير ، ومن دو العلم والعبادة ، ومن مجالات العمل والإنتاج ، وأولئك المتمسكين بوطنهم بإقامتهم ، بين أطلال بيوتهم ومدنهم ، يتطلعون إلى نهوض ووحدة الشرفاء ، في الأطر السياسية ، والاجتماعية ، والنقابية ، والثقافية ، القديمة والجديدة ، لإنقاذ سوريا من حرب " الثورة المضادة الإرهابية البشعة " .. وانتزاع حق شعبهم السوري .. في السيادة .. والقرار المستقل .. وفي تقرير المصير .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 9 شهداء بينهم 4 أطفال في قصف إسرائيلي على منزل في حي التنور


.. الدفاع المدني اللبناني: استشهاد 4 وإصابة 2 في غارة إسرائيلية




.. عائلات المحتجزين في الشوارع تمنع الوزراء من الوصول إلى اجتما


.. مدير المخابرات الأمريكية يتوجه إلى الدوحة وهنية يؤكد حرص الم




.. ليفربول يستعيد انتصاراته بفوز عريض على توتنهام