الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأديان الكبرى ..

رحيم العراقي

2005 / 12 / 30
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


مؤلف كتاب ( الأديان الكبرى ) هو البروفيسور توماس باتريك بيورك الأستاذ المعروف في الجامعات الاسـترالية والأميركـية و كان قد نشر سابقاً عدة كتب مهمة نذكر من بينها : الكـون الهش، والرؤيا المضادة، والمعارضة، وكان المؤلف قد ولد في استراليا وأكمل فيها دراسته الجامعية قبل ان ينتقل إلى ميونيخ بالمانيا حيث نال من جامعتها شهادة الدكتوراة في العلوم الإنسانية والدراسات الدينية المقارنة،
وهذا الكتاب الجديد الذي نشره مؤخراً بين حصيلة أبحاثه عن الموضوع، وفيه يدرس الأديان الكبرى للبشرية سواء أكانت تلك التي ظهرت في منطقة الشرق الأوسط أم في آسيا والشرق الأقصى. ومنذ البداية يرى المؤلف ان الأديان الكبرى تنقسم إلى قسمين: الأديان التوحيدية كاليهودية والمسيحية والإسلام، والأديان الآسيوية غير التوحيدية كالبوذية، والهندوسية، والكونفوشيوسية، وأديان اليابان القديمة. ففيما يخص البوذية مثلاً يقول المؤلف ما معناه:
لأننا نعيش في الغرب الأوروبي ـ الأميركي فإننا نولي أهمية كبرى لأديان التوحيد المنتشرة عندنا وبخاصة المسيحية، ولكن لا ينبغي ان ننسى ان آسيا كانت مهد الأديان القديمة جداً حيث ظهر بوذا وكونفوشيوس. ولكن من هو بوذا ياترى؟ في الواقع ينبغي ان نقول «البوذا» لأنه ظهرت قبله شخصيات كثيرة تدعى بوذا،
وكذلك ظهرت بعده، وبوذا تعني في اللغة السنسكريتية: الشخص المستنير، أو الشخص اليقظ المتنبه إلى مسألة المعرفة والحقيقة: أي الذي استيقظ على الوجود بعد طول غفلة. ويعتقد بأن البوذا الكبير أو الحقيقي قد عاش بين عامي 566 ـ 486 قبل الميلاد، وهذا يعني أنه عاش ثمانين عاماً.وقد ولد بالقرب من الحدود الحالية التي تفصل بين الهند ونيبال.
وكان ينتمي إلى قبيلة «ساكياس» ولكن والده لم يكن ملكاً على عكس الأسطورة الشائعة .. وإنما كان أحد نبلاء الأرياف المتواضعين الذين يعيشون على زراعة أراضيهم الواسعة نسبياً. وكان اسم بوذا الحقيقي «غوتاما» ثم لقب بالبوذا لاحقاً.
وبعد ان بلغ الشباب وتزوج وأنجب طفلاً ترك فجأة عائلته وطفله وراح يهيم على وجهه في البراري والقفار، راح يبحث عن الحقيقة، حقيقة الوجود والموت والحياة. وبعد أن كان يعيش حياة مرفهة نسبياً من الناحية المادية أصبح يعيش حياة الزهد والتقشف والعزلة الشديدة والفقر.
ثم يردف المؤلف قائلاً: طيلة سنوات عديدة راح بوذا يجوب منطقة نهر الجانج طولاً وعرضاً بحثاً عن مصير الإنسان بعد الموت وماذا سيحل به. وبحسب ما يقوله التراث البوذي فان بوذا اكتشف الحقيقة بعد ان أمضى ليلة كاملة من التأملات تحت شجرة تين. وفي أثناء هذه الليلة تعرف على حيواته السابقة وولاداته المتتالية! هذا ما تقوله الأسطورة البوذية لأن الأمر كله لا يتجاوز مرحلة الأساطير في الواقع.
ولكن المؤمنين بالبوذية يأخذون كل ذلك على محمل الجد، وبعد أن استيقظ بوذا على الحقيقة أو اكتشفها بالأحرى استأصل من نفسه كل أنواع الغيرة والحسد والشهوة وحب امتلاك أي شيء في هذا العالم، زاهداً كلياً في متع الحياة الدنيا.
ثم واصل بوذا حياته المتسكعة في تلك المناطق حتى وصل إلى مدينة «بيرانيس»، حيث ألقى أول موعظة له أمام خمسة من الناس أصبحوا تلامذته فيما بعد.
ولخص أمامهم العقيدة البوذية في أربع حقائق مقدسة، كما يقال: وأولها ان الألم موجود في هذا العالم ولا يمكن إنكاره، وثانيها ان الشيء الضروري هو أن نبحث عن أصل الألم وأسبابه. وثالثها انه ينبغي أن نجد وسيلة لإيقاف الألم والعذاب في هذه الحياة.
ورابعها انه ينبغي أن نبحث عن الطريق الموصل إلى إيقاف الألم والعذاب. وهذا هو طريق الحكمة الذي يوصلنا إلى الخلاص والنجاة.
ثم واصل بوذا طريقه شارداً في القرى والمزارع، وقد رافقه تلامذته الأوائل.
وفي أثناء الطريق كان يلتقي بأناس عديدين ويتناقش معهم، وأحياناً كان يقنعهم بأفكاره فيصبحون من أتباع العقيدة الجديدة، أي بوذيين، وكانوا ينقسمون إلى قسمين، كما في المسيحية: قسم الكهنة، أي رجال الدين، وقسم الناس العاديين أو العلمانيين المؤمنين بالبوذية، ولكن من دون أن يكونوا رجال الدين أو من دون أن يلبسوا مسوح الكهان.
ثم يقول المؤلف : ولكن بوذا، على عكس المسيح، لم يصطدم بالعداوة من قبل الناس، ولم يتعرض للاضطهاد كما يحصل للأنبياء عادة، وقد انضم إليه أناس من مختلف الفئات أو الطبقات الاجتماعية، وكان من بينهم بعض الأغنياء الذين أعطوه بساتين إلى جوار المدن لكي يقيم فيها المعابد البوذية.
ثم أسس بوذا أديرة للراهبات أيضاً وليس فقط للرهبان، تماماً كما في المسيحية. ولذلك يشبهونه بالمسيح أو قل يشبهون المسيح به، لأنه ولد قبله بخمسة قرون على الأقل! ثم مات بوذا وهو في طريقه إلى إحدى القرى، ولكنه قبل أن يموت ألقى أمام أتباعه آخر موعظة.
وبعدئذ سلّم الروح أو دخل في السلام الأبدي، كما يقول البوذيون، وهو يعني في لغتهم الشائعة: حالة النيرفانا: أي النشوة النهائية التي تخرجك نهائياً من العالم الأرضي، عالم الألم والعذاب والمتاعب والمصائب.
وباختصار لقد كان بوذا انساناً طيباً، زاهداً في ملذات هذا العالم الأرضي ومتعه. وما كان ينتظر إلا الخلاص منه والذهاب إلى عالم الأبدية والخلود، حيث لا مرض ولا عذاب ولا شيخوخة ولا من يحزنون.
ثم يخصص المؤلف بعدئذ فصول عدة للهندوسية والطاوية، والكونفوشيوسية، وديانة الشنتو المنتشرة في اليابان على وجه الخصوص. وهي الديانة الوطنية أو القومية لليابان. وقد ظهرت في القرن السابع الميلادي لكي تنافس الديانة البوذية التي دخلت من الخارج إلى البلاد قبل قرن ونصف القرن من ذلك التاريخ، وبالتالي فالبوذية تعتبر ديناً أجنبياً هناك على الرغم من انتشارها الواسع في بعض المناطق. ثم يتحدث المؤلف بعدئذ عن المسيحية في الغرب ويقول بما معناه: لقد تعرضت المسيحية لخضات وهزات كبيرة في القرن التاسع عشر: أي بعد الثورة الفرنسية، فالكثيرون تخلوا عنها واعتبروها دين الملوك والطبقات الارستقراطية وتحذير الشعوب أو قمعها. كما وتعرضت للاحتجاج والنقد من قبل الفلاسفة والعلماء الذين اتهموها بالرجعية والظلامية ومقاومة التغيير والتطور. ولهذا السبب فإن الكنيسة الكاثوليكية قامت برد فعل عنيف على الحداثة واتهمتها بالكفر والإلحاد. ولهذا السبب أيضاً فإن البابا أدان الجريدة المسيحية الليبرالية التي كان يرأس تحريرها مفكر فرنسي يدعى «لامنيس».
لماذا؟ لأنها كانت تنشر تفسير جديداً للعقيدة المسيحية، أي تفسيراً يتناسب مع روح العلم والعصور الحديثة. وهو تفسير تنويري يتعارض مع التفسير الظلامي للبابا والفاتيكان آنذاك. وهناك سبب آخر لإدانة هذه الجريدة التي كانت تحمل اسم «المستقبل» ألا وهو: انها دعت إلى فصل الكنيسة عن الدولة والاعتراف بحرية الوعي والضمير، فيما يخص الشؤون العقائدية، فالقسر في الدين أو الإكراه أمر غير مستحب، وكل إيمان غير نابع من الأعماق وبطيبة خاطر ليس مهماً على الإطلاق.
وهذا ما يتماشى مع جوهر العقيدة التي تقول: لا إكراه في الدين. فالدين يسر وليس عسر، ومحبة لا كره للآخرين. وهذا ما علّمنا إياه الأنبياء والرسل. ويردف المؤلف قائلاً: والواقع ان الكنيسة المسيحية وجدت نفسها كالقلعة المحاصرة في القرن التاسع عشر، فقد أصبحت محاصرة من قبل العلم واكتشافاته الباهرة،
ولهذا تشنجت وأصبحت أكثر تزمتاً وعدوانية ضد التطور، ضمن هذه الظروف أصدر البابا بيوس العاشر فتوى شهيرة يدين فيها الحضارة الحديثة بمجملها:أي فكرة التقدم والفلسفة الليبرالية، والعلمانية،وحقوق الإنسان ، وحرية الاعتقاد.. إلخ.
وبعد صدور كتاب داروين عن «أصل الأنواع» ونظرية التطور، شعر المسيحيون في الغرب بصدمة رهيبة، وقاموا برد فعل عنيف ضد التطور المادي المحض لداروين، وقالوا انه ملحد وخطر على البشرية، لأنه ينزل الإنسان إلى مرتبة الحيوان. وظهرت صورة كاريكاتورية بشعة عنه: وهي تصوره على هيئة قرد برأس إنسان أو العكس، وحصل عندئذ ذلك الصدام المروع بين العلم والدين، أو بين العقل والكنيسة المسيحية.
وانقسم الناس إلى قسمين: قسم يؤيد العلم ونظرياته المادية والفيزيائية والطبيعية، وقسم يؤيد الكنيسة والبابا واللاهوت المسيحي القديم، واندلع الصراع بين الطرفين طيلة القرن التاسع عشر ولم يهدأ إلا مؤخراً. وأخيراً فإن المؤلف يعطي بعض الأرقام الإحصائية عن الأديان الكبرى ومدى انتشارها في العالم. ونفهم منها ان المسيحية هي الدين الأكثر عدداً، لأن أتباعها يزيدون عن المليارين، هذا في حين ان الإسلام يأتي في المرتبة الثانية لأن أتباعه يصلون إلى المليار ومئتي مليون شخص: أي بعدد سكان الصين.
وبعد المسيحية والإسلام يمكن القول بأن الهندوسية تأتي في المرتبة الثالثة، من حيث عدد أتباعها، فهم يبلغون المليار شخص تقريباً، وبعد الهندوسية تأتي الديانة البوذية التي يصل عدد معتنقيها إلى نحو النصف مليار شخص، وهذه هي الأديان الكبرى للبشرية، فهي تشكل أربعة أخماس الكون. بعدها تجيئ أديان أقل عدداً وأهمية كدين الشنتو الياباني الذي يقارب المئة وخمسين مليون نسمة، أو الديانة الكونفوشيوسية التي تصل إلى ثلاثمئة مليون نسمة، أو الديانة الإحيائية المنتشرة في إفريقيا السوداء والتي يصل عدد اتباعها إلى مئتي مليون نسمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -صانع قدور- و-بائع كمون-.. هل تساءلت يوماً عن معاني أسماء لا


.. حزب الله ينسق مع حماس وإسرائيل تتأهب -للحرب-!| #التاسعة




.. السِّنوار -مُحاصَر-؟ | #التاسعة


.. لماذا تحدى الإيرانيون خامنئي؟ | #التاسعة




.. غزة.. ماذا بعد؟ | ما جديد جولة المفاوضات بين حماس وإسرائيل ف