الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موقع الأمازيغية في - ديوان ولث من النداء الحافي- للشاعر توفيق الغربي

سعيد بلغربي

2005 / 12 / 30
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


( إننا نحلم بالسفر في الكون ،غير أن الكون موجودا فينا) نوفاليس
غلاف الرحلة الشعرية عند الشاعر:

استطاع الشاعر توفيق الغربي عبر رحلته القصيرة من الإبحار بالحبر و الورقة و البحث عن المتاهات التي توصل ينابيع الكلمة المتوهجة ، مستسلما لها ،مطيعا صاغيا الى أنينها ،فأمام دوافع ذاتية /شعورية تمكن الشاعر من أن ينقض على عالم متناقض بالمتناقضات ، وكما تمكن من أن يكسر جدار الصمت هذا الأخير الذي وجد إلا ليكسر و يهدم ليصبح أنقاض تحوم حوله شظايا الذات الأخرى التي تناثرت أشلاءا داخل نداءات ديوان ( ولث من النداء الحافي ).
و الديوان بين يديك تستقبلك لوحة الغلاف الزرقاء ، يبدو فيها النداء حافيا حفاء زرقة السماء من الغيوم ، نداء ينادي بأعلى صوته المضمر ليفض بكارة الفضاء الذي شيد كجدار هش آيل للسقوط و الإنشطار، وقمر يرقب كل شيء ، يرقب الأمل و الألم الذي يسكن الشاعر. مقلة و شمعة يشتركان دمعة واحدة ، إنها الحياة هكذا أرادها الشاعر أن تحوم حوله:

أشعلت الشمعة في هذه الغرفة الحزينة
لنتتحر ببطء
و تضيء حيرتي
ارتعاشات حنيني
وتدفيء شيئا من أصابع قدماي
المشلولتين (1)

والعنوان المخطط بالأحمر القاتن يوحي بالموت بالمقبرة بالعتمة بهذا الظلام / العالم الذي اسطاعة الشمعة الموقدة أن تفك شيء من عزلته و دماسته ،إنه عالم لا يفصل بين الإحباط و التشاؤم وبين نفي الواقع المظلم المعتم و العمل على تكسير جداره ليجعل به شرخا و منفذا واسعا و جسرا الى ما هو أفضل و أسمى ، وإن كان الوصول إلى هذا يتتطلب منا أن نتقمص لشخصياتنا صورا مقنعة بالألم اللذيذ الذي يعيشه الشاعر على مساحة من كلمات يقول فيها :

أعيش فصول الألم
ها قد تعكس عني
المسير
نصيحتي لكم أيها الموات
لاتموتو كثيرا
في لحودكم العتيمة (2)

على القارىء قبل تصفح نصوص الديوان قراءة فصول هذا النداء / الوجع. ان المتوقف عند محطات الشاعر يعثر على عن أشياء كثيرة تمخض عنها ألم قد يجعل في فؤاد أي امرئ مسكنا وجرح لا يندمل أبدا ، وفاة الحبيبة الاولى ؛ إنهيار مشاريع عديدة ... لم يتحقق منها سوى ولادة هذا الديوان الحلم . الذي لم يكن صدوره من السهل على شاعر لا يملك من رأسماله إلا قلما وأوراق عذراء ، فكان إصراره على إخراج هذا العمل إصرار و تعنت على مواصلة البحث عن منافذ أخرى لجعل الذات المتعبة أوراقا و كلمات تنساب في مهب هذا القلم :

ضجيج يفتح باب الصمت
للعودة ...
بعد أن غدوت كراسة
أوراقها في مهب اليراع (3)

قضية السؤال و الغموض في الديوان :

إنه من الصعوبة بمكان البحث عن شيء داخل الكلمات ، لكن من السهـل التجول على أرصفة هذه الكلمات لشم رائحة عبق الشعر ، رائحة عالم آخر نشم من خلاله طريقة الشاعر الإبداعية ؛ فهي طريقة فنية أكثر مما هي إبداعية ، فهو يرسم بالكلمات لوحات مبهمة يستعصي فهمها ، إنه غموض متحرك يلبس جل حقول قصائد الديوان فيجعل منها صورا مائية تتحلل ليصعب فك مضامينها المبهمة بسهولة :

كزهر خزامي أنت
ومثلي قعقعة الرامسات
أتدرين ما الشعر ...؟
لاتدركين ما الحلم بالموت ...
كل شيء ليس العدول عن
لضى صلواتك (4)

ويقول الشاعر في قصيدة أخرى معبرا عن هذا الغموض بالغموض :

أكوم المستحيل و الكلام
في حلمي ... في صمتي
و بوحي الكتوم
أغني الرياح عزاءا
أو سؤالا (5)

ونماذج عديدة يعشعش فيها الغموض و " الفوضى الشعري " و " اللامعنى " حيث الصور الشعرية موزعة بطريقة متشابكة ترسم بتعنت لوحات مجردة ، الشيء الذي يجعل من الشاعر أن يستحق لقب شاعر الغموض و السؤال .
الديوان فجر بين طياته أكثر من 86 علامة تعجب وإستفهام ، وهذا يقودنا بصعوبة إلى فهم مغزى الشاعر من هذه الأشياء التي تحوم حوله ، غموض تلفه لغة تبوح تارة في صمت وتارة أخرى في علن ، لغة عارية من السعادة ، غارقة في مصطلحات من قبيل الموت ، العزاء ، ألانتحار ، الدياميس ، الليل ، السراديب ، العتمات الخ . ثمة في الديوان لغة لا تندمل ، لغة يسكنها جرح لا متناهي بدايتها الألم و نهايتها الألم ، إنه الإفراط في الحزن ، نلمس ذلك جليا من خلال قول الشاعر :

ألست تعرفني
ففي صمت الموتى
المنبعث من براري الروح المعذبة
أمنحك ألمي / جرحي / شكواي (6) .

ونسمع إلى الشاعر وهو يطرح على نفسه سؤالا طفوليا فلسفيا يبحث فيه كما يستفسر الطفل المكتشف لتلاوين الحياة عن الجدوى من هذه الدنيا التي نهايتها الموت ، فنسمعه يتساءل مختارا السؤال كحل سلمي للخروج من ( نفق القلق) الذي يعتريه كلما تصفح معنى" الموت" في قاموس فصول حياته:

سؤال يطرحني
لماذا ولدتني أمي هكذا
لأموت (7)

ـ موقع الأمازيغية في الديوان :

لسان الشاعر أمازيغي ريفي ، لغة ترافقه في حياته اليومية ( الأمازيغية هي لغتي تصحبني حتى في أحلامي ، حواري مع كائنات الحلم تكون بالأمازيغية ،هي التي رضعتها من ثدي أمي و لا أستطيع أن أتنكرأبدا لهويتي الأمازيغية في إبداعاتي ).
بهذه الطريقة يجيب الشاعر توفيق الغربي كلما سئل عن الدواعي و الدوافع التي جعلته لا يبدع بالأمازيغية .
اذن هنا تستوقفنا إشكالية أو ظاهرة ـ إن صح التعبير ـ الإبداع بغير اللغة الأم لدى الكثير من الأمم ،وبفضل التواصل الثقافي أصبحت شعوب المعمور تتأثر و تؤثر فيما بينها من خلال التبادل المعرفي و الثقافي ...، فمن الأمازيغ قديما من كتبو و ألفو نصوصا بغير لغتهم الأم ،نذكر المبدع الأمازيغي صاحب رواية أسنوس ـ ن ـ وارغ ( الجحش الذهبي ) و التي ألفها بالللاتينية . وحديثا يصعب حصر كتاب و شعراء يكتبون بغير لغتهم الأم و أقصد هنا الأمازيغية ، لكن بعضهم لم يتنكر لهويتهم و لغتهم فلم يصدر منهم أي موقف أو عداء تجاهها، نذكر محمد شكري بالعربية و خير الدين بالفرنسية ،وغيرهم كثيرون. وفي هذا الصدد هناك العديد ممن يعلنون بجلاء ووضوح طرحهم العدائي من القضية الأمازيغية سواء في كتاباتهم الأدبية أو الفكرية و ذلك بالتنكر لها و إعتبارها لغة ميتة و ناقصة لا ترقى إلى مستوى الإبداع بها كالمغربي عابد الجابري ، البشير القمري ،محمد الأشعري و آخرون .
إن الشاعر توفيق الغربي عاشق للشعر الأمازيغي و متذوق له و نجد أن الشاعر في صفحة الإهداء أهدى قصائده الى شاعرين أمازيغيين أحمد الزياني و أسكور علي ، إطلاع الشاعر على قصائد هؤلاء جعله يلمس القوة الإبداعية للغة الأمازيغية و عثر في رحم شعرهم على قواعد جمالية و صور ذات طاقة بلاغية راقية المستوى .
بهذه الحمولة يعود بنا توفيق الغربي الى ذاته ليتجرع تربة مرغ فيها وجهه و لازال فأبدع في قرية آيت سعيد مسقط رأسه و تعبه ،تلك القرية القابعة تحت إبط الريف المغربي قائلا :

صمتا يدوي في طفولتي الأخرى
حيث تخبلت الأيام
وأنا أسير صوب مهمه الضياع الموحش
كنت النازح القريب
هو أديم " آيت سعيد"
لطالما كفكف عبراته
وجاش ماء بنانه
وسهر معها قمرها النجد
ينشدان "إزران"
ليس عليها شعراؤها
قصيدة الفلج الأخير
وحبرا يحوي دماء
وتاريخ عبد الكريم الخطابي (8)

ضمنت القصيدة كلمة أمازيغية (إزري) وضع لها الشاعر هامشا تحت القصيدة نفسها يشرح فيها معنى الإزري ويعني البيت الشعري ،و هي طريقة أدبية في نظري تضع صاحب النص في موقف حرج و كأنه يتعمد الإبداع لغير الأمازيغ. وإن وضع الهامش لترجمة كلمة ما هو خوف من أن يفقد النص معناه لغموض أو إلتباس في معنى الكلمة لدى القارئ الملم باللغة التي كتب بها مجمل النص ، وهي طريقة تندرج ضمن الشر الذي لابد منه.
لكن في القصيدة التي بين أيدينا كان من الأفضل الإستغناء عن تعريب الكلمة لأنها جاءت بعد كلمة دالة على أن كل ما ينشد هو شعر أو نشيد / ينشدان إيزران .
وكما أشار الشاعر في الشطرين الأخيرين من القصيدة إلى أن تاريخ "آيت سعيد" حافل بالبطولات ، ويشهد لها ببسالة مقاوميها الذين حاربوا بالدماء المستعمر و كسرو شوكته بكل بسالة وشجاعة وذلك بزعامة المجاهد عبد الكريم الخطابي الذي كانت له زيارات عديدة إلى هذه القرية المجاهدة .
لكن التهميش جعل منها خرابا في طي النسيان ، ولم يملك الشاعر إلا أن يعبر عن هذا الحيف و الإهمال وهو في إحدى جولاتة الروتينية الغير المرغوب فيها :

حزينة كل المساءات
في قريتنا المنسية
عجائز تغزل صوف الأغنام
وأنا أجول بين المنازل
و الأزقة المكفهرة
دونما هدف (9)

ويعود بنا الشاعر بعد أن نقل إلينا صورة امرأة ريفية تغزل الصوف أمام منزل مكفهر ليقول مخاطبا وجه الريفية :

عبوس وجهك
وكأنه معجون بطين النفي
تتوهج كجذوة في كانون
زجاج و إسمنت
وقواقع الحلزون (10)

إنها طريقة في الإنارة مبتكرة لدى الشاعر العازم على انقاذ ماء هذا الوجه المكفهر ، المعجون بطينة النفي و الإقصاء ، وهي صورة الأمازيغي المهمش الذي تكونت حوله تجاعيد الألم كما تحترق الجذوة في قنديل ريفي ، نار من خليط ، زجاج / إسمنت / قواقع حلزون ، مواد متناثرة لا علاقة بينها سوى الصلابة ، الصمود و الصبر على الإستمرارية و التحدي على مواجهة الأهوال و هذه هي الشخصية الأمازيغية .
نجد أن الشاعر في الديوان يشحن قصائده بحقل مصطلحات لا علاقة لها بالتربة التي مرغ فيها جسده ، فنسمعه يذكر كلمة : تموزا /(الديوان ص:18) ،ويقول أيضا :سجنو فراشة و قرأوا عليها تراتيل الجنائز كالقساوسة /(ص19) ، قوله:من يدعي أنه رأى في جنازة الشتاء عذروات ينشدن مواويل لبنانية /(ص17).
إلى جانب توضيفه لشخصيات رمزية أسطورية أحيانا من قبيل سيزيف (ص4) ،شكسبير(ص5) ،دونكشوط (ص42) ، ديكارت (ص41) ، أمرء القيس (30) ،إلا أن قصائد الديوان ـ موضوع القراءة ـ تفتقر إلى شخصيات و رموز أمازيغية سوى الإشارة اليتيمة الى المجاهد عبد الكريم الخطابي كرمز من رموز المقاومة الأمازيغية المسلحة ضد الإستعمار ،و هناك رموز و شخصيات أمازيغية صنعت الحدث فكانت رمزا للشهامة و الصبر و الحكمة ... لم يكتشفها الديوان .
خاتمة :
يظل الديوان ( ولث من النداء الحافي ) والولث هنا معناه القليل من المطر و العهد الغير الأكيد و بقية الماء و فضلة النبيذ في الإناء و الوعد الضعيف ، حسب ما جاء في القاموس المحيط (11) ،يظل تجربة إبداعية تنبئ بمستقبل إبداعي زاهر للشاعر . صدر الديوان عن مطبعة أعكي بميضار الناظور سنة 1998 ، يقع في 45 صفحة من الحجم الصغير العمودي ، يحوي بين طياته 32 قصيدة كتبت في أزمنة و أمكنة مختلفة.
و للمبدع مجموعة من الإبداعات في القصة القصيرة و الشعر نشر بعضها على صدر منابر إعلامية وطنية عديدة ،و الشاعر من مواليد 1976 بدوار إغاربيوان بدار الكبداني .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش :
1) ديوان ولث من النداء الحافي ص : 41
2) ديوان ولث من النداء الحافي ص :28
3) ديوان ولث من النداء الحافي ص : 30
4) ديوان ولث من النداء الحافي ص :21
5) ديوان ولث من النداء الحافي ص :07
6) ديوان ولث من النداء الحافي ص :39
7) ديوان ولث من النداء الحافي ص : 37
8)ديوان ولث من النداء الحافي ص :15
9)ديوان ولث من النداء الحافي ص :26
10)ديوان ولث من النداء الحافي ص :39
11) جريدة الميثاق الوطني عدد 14 أبريل 1999.

- نشرت هذه المقالة في جريدة أكراو أمازيغ المغربية عدد 36/67 ـ بتاريخ 16 دجنبر 2000.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عمليات بحث وسط الضباب.. إليكم ما نعرفه حتى الآن عن تحطم مروح


.. استنفار في إيران بحثا عن رئيسي.. حياة الرئيس ووزير الخارجية




.. جهود أميركية لاتمام تطبيع السعودية وإسرائيل في إطار اتفاق اس


.. التلفزيون الإيراني: سقوط طائرة الرئيس الإيراني ناجم عن سوء ا




.. الباحث في مركز الإمارات للسياسات محمد زغول: إيران تواجه أزمة