الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-ظل الأفعى- يوسف زيدان.

مولاي عبد الحكيم الزاوي

2016 / 10 / 27
الادب والفن


"ظل الأفعى" يوسف زيدان.
مولاي عبد الحكيم الزاوي
ما الذي يدفعني إلى أن أعود بذاكرتي الروائية إلى باكورة أعمال الروائي المصري المثير للجدل بالمغرب، بسبب حادثة "لفافة التبغ" المشهورة بمهرجان تويزا بطنجة مؤخرا، والتي جرت وراءها مستنقعا لصحافة رعناء تقتات على الباباراتزي أكثر ما تنساق وراء تحليل المنتوج الابداعي، وأتاحت للبعض هامشا لإعادة ترتيب معطياته حول استعلاء الشرق وتبعية الغرب.
ولأن المناسبة شرط كما يقال، ولأن الواقع العربي الإسلامي يتنطع إلا أن يكون واحدا، بالشرق كما بالغرب، فثمة حاجة إلى أن نستحضر مكنونا روائيا لا يصدأ معينه، وأن نعود بسردياتنا إلى عمق حضاري بصم منجزنا الأدبي منذ نهضة رافع رفاعة الطهطاوي وقاسم أمين وفرح أنطون ذات ردح من زمن انقضى، وبيئة أدبية ولاّدة أنتجت قامات صدحت إلى العالمية الروائية بفضل أعمال نجيب محفوظ وصنع الله ابراهيم ورضوى عاشور، ونقلت للعالم تناقضات مجتمع مصري يتعذب بين قديم يترنح وجديد لم يولد بسبب صدمة حداثة أتت من على فوهات مدافع نابليون.
تدور أحداث هذه الرواية الدرامية حول شخص يحاول استرضاء زوجته، بعدما نشزت عنه بلا سبب عارض، لتنقل لنا حالة الجفاء التي تطبع العلاقات الزوجية، والتي تنهجس بالبراغماتيات وتبادل المنافع وتغيّب مشاعر الود والحب، ليجد نفسه هذا الزوج مستجديا جدّها الباشا لإعادتها إلى جادة الصواب، في نقل حقيقي إلى حاجة مثل هذه المجتمعات إلى علاقات المحسوبية لاسترضاء العواطف والمشاعر، وكأني به يحاول أن يقول وبشكل هادئ، عبر لغة أنيقة، ثمة أزمة عاطفية تحول دون تحررنا الوجداني.
"الأمومة طبيعة، والأبوة ثقافة، الأمومة يقين، والأبوة غلبة ظن، الأمومة أصل في الأنثى، والأبوة فرع مكتسب."
يتتابع يوسف زيدان بناءه الدرامي للرواية عبر اكتشاف الأنثى لتلقيها لرسائل بريدية والدتها التي كانت قد هجرتها في صغرها بعد وفاة والدها، مما سيفجر لديها مكبوتات عاطفية تجاه أصلها البيولوجي، وسيجعلها تكره الجد والزوج لتصلبهما الذكوري.
هدف الرواية هو بيان أهمية الأنثى تاريخيا وتدرجها من منزلة التقديس لدى المصريين القدامى إلى منزلة التدنيس لدى مصري اليوم، في مجتمع منطبع بعقلية ذكورية باترياركية، وتتأكد هذه الرؤية من خلال معظم الرسائل التي كانت ترسلها الأم إلى ابنتها.
يوم أُفني كل ما خَلَقت
ستعود الأرضُ محيطا بلا نهاية
مثلما كانت في البدء
وحدي أنا، سأبقى
وأصيرُ كما كنت قبلاً
أَفعى، خفيةً، عصية على الأَفهام.
تحاول الرواية عزيزي القارئ أن تعكس صورة المرأة في مخيالنا الثقافي، وصيرورة تدرجها من الأنثى المقدسة إلى دهاليز النسوة المدنسات، من المرأة الأم رمز الحنان والعطف إلى المرأة الشيطان التي ترذل بالإنسان في غياهب الجحيم، والرواية لا تقصد الإساءة إلى المرأة بتاتا ، بقدر ما تستصرخ ضمائر إنسانيتنا الذكورية نحو المصالحة مع الذات، مع الروح العاطفي، وإعادة الصورة إلى محضنها الأصل، صورة الإنسان والإنسانية الحقة.
السؤال هو الإنسان. الإنسان سؤال لا إجابة. وكل وجودٍ إنساني احتشدت
فيه الإجابات فهو وجود ميت! وما الأسئلة إلا روحُ الوجود، بالسؤال
بدأت المعرفة وبه عرف الإنسان هويته. فالكائنات غير الإنسانية لا تسأل،
بل تقبل كل ما في حاضرها، وكل ما يحاصرها. الإجابةُ حاضرٌ يحاصر الكائن،
والسؤالُ جناحٌ يحلّق بالإنسان إلى الأفق الأعلى من كيانه المحسوس.
السؤالُ جرأةٌ على الحاضر، وتمرّدُ المحَاصَـر على المحاصِـر،
فلا تحاصرك الإجابات، فتذهلك عنك، وتسلب هويتك.
يوسف زيدان كاتب وباحث متخصص في التراث العربي والمخطوطات ولد بسوهاج بجنوب مصر عام 1958م. له العديد من المؤلفات والأبحاث العلمية في الفكر الإسلامي، والتصوف، وتاريخ الطب والعلوم عند العرب.
من مؤلفاته:
رواية عزازيل: الحائزة على الجائزة العالمية للرواية العربية لسنة 2009، وصلت الى الطبعة السادسة عشرة عن دار الشروق المصرية، وهي من أهم الروايات العربية في تاريخ اللاهوت المسيحي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهندس الكلمة.. محطات في حياة الأمير الشاعر الراحل بدر بن عبد


.. كيف نجح الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن طوال نصف قرن في تخليد




.. عمرو يوسف: أحمد فهمي قدم شخصيته بشكل مميز واتمني يشارك في ا


.. رحيل -مهندس الكلمة-.. الشاعر السعودي الأمير بدر بن عبد المحس




.. وفاة الأمير والشاعر بدر بن عبد المحسن عن عمر ناهز الـ 75 عام