الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو ديمقراطية عربية حقيقية وواعدة

حليم الخوري

2005 / 12 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


لا يخفى على أحد في أيامنا هذه، ذلك الولع الشديد الذي تبديه شريحة واسعة من شعوبنا العربية والإسلامية بالديمقراطية الغربية عموماً، والأميركية خصوصاً. والسبب في ذلك يعود بشكل أساسي إلى ضيق ذرع هذه الشريحة بالممارسات الديكتاتورية واللاإنسانية التي لطالما تعرّضت لها على أيدي الأنظمة الاستبدادية ورجالاتها الطغاة، ما دفع بها إلى التعلّق بحبال الوعود الواهية بالحرية والديمقراطية، التي ما فتئ الغرب بشطريه الأوروبي والأميركي يغدقها عليها، مستغلاً أحداثاً وتطورات عديدة شهدتها الساحة الدولية في السنوات الخمس الأخيرة، والتي كان أعنفها الهجمات الإرهابية التي تعرّضت لها الولايات المتحدة الأميركية في الحادي عشر من أيلول/سبتمبر عام 2001، ظنّاً منها بأنّ هذه الوعود سوف تشكّل، إذا ما تحقّقت، السبيل الوحيد للتخلّص من الأوضاع المزرية التي تتخبّط فيها جرّاء تلك الممارسات الوحشية.

في الحقيقة، لا يسعني كفرد عربي مؤمن بالديمقراطية وحقوق الإنسان، إلا أن أعترف وبصدق بالشعور الكبير بالظلم والغبن الذي أصاب هذه الشريحة من الشعب العربي، مسجّلاً في الوقت ذاته، اعتراضي الشديد على الموقف السلبي والخاطئ الذي اتخذته كردّ فعل على ذلك الشعور، عوض أن تضمّ صوتها إلى أصوات الآلاف من الأفراد والجماعات (العربية أيضاً!)، الصادقة والمخلصة في دعواتها المتكرّرة، الهادفة إلى تعميم نظام ديمقراطي حقيقي في دولنا ومجتمعاتنا، يكون منبثقاً من الذات العربية الغنية بالثقافات على اختلاف أشكالها الفنية والأدبية والعلمية، وغير مستورد من الخارج، لا سيّما من الولايات المتحدة الأميركية، التي شهدنا ديمقراطيتها الزائفة وإيمانها الكاذب بحقوق الإنسان في سجني غوانتانامو وأبو غريب وفي معتقلاتها السريّة المنتشرة بشكل واسع في أرجاء مختلفة من الأراضي الأوروبية؛ نظام يعمل على التأسيس لمشروع عربي متكامل ومستقل، لا يرتبط لا من قريب أو من بعيد بأيّ من المشاريع الوافدة إلينا من الغرب، المتلبّسة في الشكل بأفكار وشعارات زاهية عن الديمقراطية والحرية، والساعية في المضمون إلى فرض استعمار جديد على شعوبنا ومجتمعاتنا العربية والإسلامية، تتلاءم شروطه مع مصالحه وغاياته السياسية والاقتصادية الآنية؛ ويهدف إلى إحداث تغيير جذري في البنية السياسية والاقتصادية والثقافية والتربوية للمجتمعات العربية، والتي أصبحت متخلّفة جداً عن اللحاق بركب التطور العلمي والتكنولوجي الذي يشهده العالم اليوم، نتيجة تشبّثها الأعمى بموروثات اجتماعية وثقافية ودينية متحنّطة باتت تشكّل عائقاً أساسياً أمام بناء مجتمع عربي ديمقراطي وعلماني حقيقي؛ ويسعى إلى تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية لشعوبنا من خلال تعميم مناخ أوسع من الحريات السياسية والاجتماعية والفكرية للفرد العربي، وعن طريق توزيع عادل للثروات بين مختلف الطبقات الشعبية دون استثناء، إضافة إلى إيلاء مواضيع كالطبابة والاستشفاء والتعليم ونشر الثقافة والمعرفة المتحرّرة من كلّ القيود الموروثة بين المواطنين كافة الاهتمام الأكبر. إذ لا يمكن لأيّ نظام ديمقراطي حقيقي أن يستمرّ ويتطوّر، في وقت لا تزال هنالك فئات شعبية كبيرة تعاني القهر والظلم والفقر والمرض والبطالة، الأمر الذي يشكّل على الدوام تهديداً لأركان ومقوّمات هذا النظام ومؤسساته.

هذه هي بنظري الطريق الأصحّ والأسلم للوصول إلى ديمقراطية عربية حقيقية وواعدة. ولنتعظّ من تجارب الماضي السيّئة في كلّ من فلسطين والعراق، حيث ساهم تقصيرنا وتخاذلنا واستسلامنا لمشيئة الغرب الإمبريالي إلى سقوطهما المدوّي، الأولى في أيدي المحتل الصهيوني والثاني في قبضة الهيمنة الأميركية، وذلك قبل أن يستولي هذا الغرب، وباسم الديمقراطية، على دولنا جميعها الواحدة تلو الأخرى، لأنّه عندئذ لا يعود ينفع الندم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا: السجن 42 عاما بحق الزعيم الكردي والمرشح السابق لانتخا


.. جنوب أفريقيا تقول لمحكمة العدل الدولية إن -الإبادة- الإسرائي




.. تكثيف العمليات البرية في رفح: هل هي بداية الهجوم الإسرائيلي


.. وول ستريت جورنال: عملية رفح تعرض حياة الجنود الإسرائيليين لل




.. كيف تدير فصائل المقاومة المعركة ضد قوات الاحتلال في جباليا؟