الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فالتحيا مريم 1985(جان لوك غودار):ثنائية الروح والجسد

بلال سمير الصدّر

2016 / 10 / 29
الادب والفن


فالتحيا مريم 1985(جان لوك غودار):ثنائية الروح والجسد
هو الاكثر اشكالية والاكثر اثارة للجدل من بين افلام غودار كلها،ونحن ان كنا قد عرّفنا غودار سابقا بأنه الأكثر اشكالية من بين كل الجيل الفرنسي على ان الموضوع هنا ييدو مختلفا جدأ...
الثورة هنا ليست ثورة شكلية لها علاقة بالسرد ولا حتى بالهموم السياسية المتعددة والتي عبر عنها غودار من خلال تنويع الشكل من الوثائقية أو المناظرة السياسية أو الشكل التقليدي الفيلمي الذي لابد أن تشوبه بعضا من لمسات غودار الفنية.
غودار الآن في خضم اسقاط قصة مريم العذراء على الحياة العصرية بشكل يشبه تماما معاملة كيسلوفسكي للخطايا العشرة وبشكل اقل شبها واكثر حذرا من (المسيح الدجال)الذي حققه لارسن فون تراير مؤخرا،متبعا الخطوط الرئيسية والعناوين العريضة للكتاب المقدس،مضفيا على الموضوع برمته لمسة جدلية فلسفية من الممكن ان تتنافى مع المضمون الروحي للقصة،خاصة أن النقاش الذي يفتحه غودار على مصراعيه يتعلق بابعاد مادية ومن زوايا هي بعيدة فعلا عن هدف القصة،بل لها علاقة وبالدرجة الأولى ومركزية تامةب(ثنائية الروح والجسد)....
ولايتوارى غودار من استخدام عراء مبالغ فيه وان كان يهدف من وراء ذلك معالجة رؤيته لهذه الثنائية التي وجد بقصة السيدة مريم مدخلا قويا لها مستخدما في الوقت ذاته وبشكل اقل تكثيفا موضوع ميلاد السيد المسيح للتعبير ايضا عن وجهة نظر-خاصة-بالقصة برمتها سنعرج عليها في حينه،وهو الأمر الذي ادى الى ان يرفض الفيلم برمته،بل ويعتبر هجوما شخصيا على السيدة مريم العذراء.
هناك تقديم للقصة حققته(آنا بيير ميفيل) من خمسة وعشرين دقيقة تقريبا يعتبر على الدوام عنصرا رئيسيا في الفيلم ملازما له،كجزء من الفيلم وليس كتحقيق مستقل عنه سنعرج عليه في النهاية.
تحقيق غودار هذا مرتبط كثيرا بالطبيعة وبالعناصر الأربعة مع شيء من اضفاء على الفيلم شيء من التركيز ومحاولة التأمل هذا من ناحية...
ومن ناحية اخرى،فاذا لاحظنا ان الفيلم من الصعب ملاحقة القصة فيه،وبعض المشاهد تبدو مشوهة وغير مكتملة على الرغم من ارتباطها ببعضها البعض وبمنحى القصة بشكل عام،وهي السمة الاخراجية الأبرز لغودار في حقبته الأخيرة والتي تمتد حتى الآن.
جولييت بينوش(جولييت) تحاول الاقتراب والزواج من جوزيف الذي يبدو غير مكترث بالموضوع تماما،وتبدو المسميات في الفيلم واضحة وتوضع في مكانها الصحيح لشخصيات الكتاب المقدس،وماري العصرية هي لاعبة كرة سلة،بينما جوزيف يعمل كسائق تاكسي،هنا علينا ان نسأل انفسنا سؤالا قبل الخوض في القصة أكثر:
لماذا يسقط غودار القصة في قالب عصري؟!
العنصر المادي للقصة أو من الزاوية التي التقطها غودار للقصة أقوى تماما من العنصر الروحي،ومن الممكن القول ان الفيلم عبارة عن مادية روحية بحاجة الى تركيز كبير...
حين تقول ماري مثلا-شابة في العشرينات من عمرها-أنا أمتلك فقط ظل الحب...في الحقيقة ظل
فهذه الجملة،والحوار في الفيلم برمته هو حوار فلسفي مادي،والفلسفة تعني العقل،وتعني ايضا تعظيم الجانب العقلاني المادي على الجانب الروحي المقصور فقط على الايمان،ففي الجانب الأول،يعظم غودار الحوار الفلسفي والذي يشمل على مداخلات أدائية أحيانا تبدو مقتبسة من الانجيل نفسه ليصل بنا الى حقيقة اكيدة اختلفت عليها الفلسفة من قبل،ألا وهي ضرورة وجود الخالق من ناحية الدليل العظيم الواضح الوجودي،فهو يعظم من قيمة هذه الحقيقة بطريقة معينة،بحيث بدا الاشكال الوجودي الفسفي لهذه الحقيقية غير موجود...
اذا ما الذي سوف تعنيه هذه القصة لو حدثت في هذا العصر...؟!
الأمر المختلف هو الشكل والاسقاط معا،والاختلاف في الشكل سوف يقودنا الى اشكال...
اشكال الطرح المعاصر للقصة الدينية من ناحية،ومن ناحية أخرى الأسئلة وحل الأسئلة التي يبقي غودار الكثير منها مغلق من دون اجابة...
علينا تقسيم الفيلم الى عنصرين،العنصر الديني والعنصر الفلسفي منن زواية(الروح والجسد)،وكلاهما مرافقان للعنصر الشكلي والاسقاط،فالملاك جابرييل يأتي على طائرة ويركب بتاكسي جوزيف ليخبر ماري انها حامل،وهذه الجزئية لاتعني الشيء الكثير بل هي مجرد قولبة،على انه وبالنسبة خاصة لموضوع التعري،فليس الكل قادر ولامحبر حتى على فهم التعري بمعناه الصحيح المقصود،على اننا سنحاول أن نقدم الرؤية المناسبة لهذا التعري...
لنقدم هذه الترجمة الحرفية على لسان شخص ما:
السؤال هو...اذا كان المخلوق الذي يدعى بالانسان موجود حقا،فالانسان كما ظهر في الاساطير لاشيء اكثر من شيء ملفق(Figment) للمخيلة الشعبية...
هذه الجملة ان كانت في ظاهرها تلاحق موضوع حقيقية الوجود الانساني أو طبيعته واسبابه،على انها تشي ان الوجود الانساني مزيف وغير مقبول من دون الجانب الروحي،فمريم ولدت السيد المسيح من دون استخدام الجسد،والفيلم ينفي تماما وجود علاقة من نوع جنسي بين جوزيف وماريا،ولكن العلاقة بحد ذاتها تبدو غير مقبولة،على شاكلة قصة حب فيها الانثى متعززة بشكل كبير،والانسان في تكوينه في اي عصر من العصور يرفض تكذيب الحقائق العلمية والافكار الراسخة،فهناك عدم قبول من حول ماري بكونها حامل وعذراء في نفس الوقت حتى من قبل يوسف أو جوزيف نفسه...
السؤال المهم والمركز موضوع الفيلم،هو السؤال الذي تطرحه ماريا على طبيبها النسائي:
هل الروح تمتلك جسدا...؟
جواب الطبيب:الجسد هو من يمتلك الروح...
المقصود من التعري هو تحفيز الجانب المادي من القصة وطبعا ليس المقصود به الاباحية ولا الاثارة الجنسبة،فغودار يعالج هذا الجانب المادي الفلسفي الاشكالي من القصة بمعنى آخر..تعظيم هذا الجانب من خلال الطرح وزاوية الرؤية...
والجانب المادي وجوده وطرح غودار له يبدو مختلفا وليس جذافا،وأول نقطة لغودار هي مناقشته لهذا الجانب دونا عن كل الآخرين غيره...بل ربما يكون الأول الذي طرح مثل هذا الموضوع.
هناك شخصين في الفيلم تحكهما علاقة جنسية...لنتأمل في هذه الجمل:
أنا اعتقد ان الروح تتصرف في البدن...تتنفس من خلاله...تحجبه لتجعل منه اكثر عدالة واجمل مما يبدو عليه
الجسد هو العنصر المادي القبيح في الحالة البشرية،وحالة ماري هي الحالة التي تسمو فيها الروح على الجسد بل وتتفوق عليه تفوقا غير منطقيا لايقبله العقل ولا الادراك البشري،ويبقى الجسد هو آلة الوجود الضرورية حتى لوجود المسيح بذاته والآلة بحاجة الى ارادة والمدير هو الخالق...
جولييت شخصية تموت حبا بجوزيف ولكنه يرفضها-حتى ماديا- بسسب حبه لماري،وهذا يعني ان جوزيف مرتبط بمريم روحيا ايضا،فهو يحقق المعادل المنطقي وهو غرامه بجسدها ايضا وهو الأمر الذي قد يكون ظاهريا فقط.
الموضوع الأساسي للفيلم هو تعظيم الروح على الجسد والثنائية ليست اشكالية ابدا بل واضحة المعالم والرؤية،على انه تبقى للرواية الغودارية في رؤية الفيلم دور كبير في فهم الفيلم ونقده،فالفيلم اشكالي ولكن ليس بمعطياته،بل في طريقة النظر اليه وتفكيكيه على امل الوصل الى شيء من الموضوعية...
تقول ماريا:ظل الأله...أليس ذلك هو كل البشرية...وفي لحظة تعري تقول ماريا:
لكن الروح هو الجسد-مداخلة للناقد لا يوجد خطيئة للجسد عند ذلك ومن ثم يعود الكلام لماريا-بعد ذلك لايستطيع أن يقول اي احد بان الجسد هو الروح منذ ان كانت الروح يجب ان تكون جسدا...
الثنائية هنا تلزم عدم وجود التعري بتاتا-أي يجب علينا أن لاننظر أن ماريا عارية في الفيلم أصلا،لأنه فعل فاقد القيمة من اساسه وفقا للرؤية الفيلمية-وقلمي الناقد يبدو بانه يدافع عن الفيلم مع القول بوجود التجديف...هذه القصة يجب ان لاتناقش بهذا القدر من الحرية،والشيء الذي حاول قوله غودار كان الأجدى بالنسبة له وحتى للمشاهد نفسه،أن يطرحه من خلال قصة اخرى لاتخص مريم العذراء،كما أن هناك تمرد على الاله وعدم قبول بالواقع الروحي،وهذا يبدو احيانا بانه على لسان السيد المسيح.
الفيلم ممتاز ويستحق المشاهدة على اي حال من الأحوال،ففيلم غودار هذا يحلل المادي الذي تحدثنا عنه من دون خضوعه لمرجع ديني على الرغم من ان القصة دينية بالأساس.
مقدمة آنا بيير ميفيل:
نستطيع ان نفهم تماما ونتأكد بأن هذا الفيلم ليس مرتبط سرديا بفيلم غودار،وتنقدم فيه ميفيل قصة عن علاقة زوجية منتهية تبدأ في الفيلم بالطلاق بعد سنوات من الزواج،من خلال عيني ابنتهما الطفلة التي تدعى ماري،والقصة تأتي دائما كجزء من الفيلم وهي لاتعني الكثير ومن الممكن القول عنها انها عن العلاقات البشرية من الطابع الزوجي الطبيعي المؤسسي لأي مجتمع،تخضع لمصير الانتهاء والفشل لأنها مبنية على الجسد الذي يفتقد الى الروح بالمعنى الذي قدمه غودار في الفيلم،وعلى ان هذا ليس لازما لكل علاقة ولكن الفيلم اعتبر كمجاملة وتحية لغودار ورؤيته الفنية.
بلال سمير الصدّر
2/1/2016








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لطلاب الثانوية العامة.. المراجعة النهائية لمادة اللغة الإسبا


.. أين ظهر نجم الفنانة الألبانية الأصول -دوا ليبا-؟




.. الفنان الكوميدي بدر صالح: في كل مدينة يوجد قوانين خاصة للسوا


.. تحليلات كوميدية من الفنان بدر صالح لطرق السواقة المختلفة وال




.. لتجنب المشكلات.. نصائح للرجال والنساء أثناء السواقة من الفنا