الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشهيد المهدي بن بركة والانتقال من التقليد إلى الحداثة

عبد الإله إصباح

2016 / 10 / 30
مواضيع وابحاث سياسية



تحل الذكرى الواحد والخمسون لاختطاف واغتيال المناضل الأممي الشهيد المهدي بن بركة، دون بروز أي معطيات جديدة من شأنها الكشف عن الحقيقة كاملة بخصوص هذه الجريمة الشنعاء التي لن يمسها التقادم مهما طال الزمن لأنها استهدفت رمزا من رموز التحرر الوطني على الصعيد العالمي.
نعم ، كان الشهيد المهدي يقارب مسألة التحرر من منطلق مناهضة الرجعية والإمبريالية المتحالفتين ضد أي انعتاق للشعوب من ربقة الاستعمار والاستغلال، وكان يدرك أن الرجعية تبسط هيمنتها السياسية عبر أجهزتها القمعية التي تزج بالمناضلين في غياهب السجون والمعتقلات، وكانت بالموازاة مع ذلك تسعى إلى إلى تأبيد تلك الهيمنة من خلال السيطرة على العقول بنشر فكر محافظ موغل في التحجر والجمود، يناهض كل جديد ويتصدى له ويرفضه رفضا تاما. وكان يلح على معضلة هذا الجمود في أغلب تدخلاته ومحاضراته، لأنه كان واعيا أنه بدون القضاء على الجمود الفكري المتمثل في هيمنة التقليد يستحيل الانتقال بالمجتمع من مرحلة التخلف والانحطاط إلى مرحلة التقدم والتطور. وهو في مناهضته للاستبداد والحكم الفردي المطلق، كان يسعى لتهييئ التربة الفكرية التي يمكنها ان تحتضن المبادئ المؤسسة لنهضة ثقافية تقطع مع أواصر ذلك الاستبداد ومرتكزاته الإديولوجية. كان الشهيد يستهدف إزاحة التقليد كمنظومة فكرية مناقضة لمرتكزات التقدم والحداثة. كان مشروعه السياسي ينتمي إلى مشاريع حركات التحرر الوطني بماهي مشاريع سياسية مناهضة لكل هيمنة وتبعية خارجية، ولذلك كانت الحداثة التي يتطلع إليها حداثة جذرية ومناضلة، لأنها تنخرط بوعي في صراع مرير وشرس ضد كل ما يناقضها في الواقع السياسي والاقتصادي القائم، هي إذن حداثة غير مدجنة أو مهادنة، تنطلق من وضوح الفكرة وتنبذ كل احتواء لها من طرف السلطة، لأنها في هذه الحالة لن تكون إلا حداثة مزعومة ومفترى عليها. وقد حرص الشهيد المهدي بن بركة على توضيح المضمون الطبقي لهذه الحداثة التي يناضل من أجلها، عندما كان يشدد على ضرورة الالتحام بالجماهير الشعبية من أجل توعيتها وتأطيرها التأطير السياسي اللازم الذي يجعلها قادرة الصمود والنضال من أجل حقوقها في الكرامة والمساواة والعدالة الاجتماعية، وهي حقوق لامعنى لأي حداثة بدونها، لأن الحداثة تاريخيا تأسست كخلفية فكرية لمجموعة من الحقوق المؤطرة لفكرة المواطنة، وهو بالضبط ما أكد عليه ميثاق الثورة الفرنسية. والشهيد المهدي كان يستحضر بلا شك تقل محطات تارخية حاسمة في مسار الانسانية ونضالها من أجل تحررها وانعتاقها، وهو التحرر الذي ماكان ممكنا إلا من خلال إحداث قطيعة فعلية مع أفكار الجمود والخرافات، وكل ما يؤبد التقليد ويناهض الحداثة.
ولا شك أن انحسار اليسار في الظرف الراهن، يعود في مجمله إلى انحسار فكر الحداثة في المجتمع وهيمنة فكر التقليد، هذه الهيمنة التي أصبحت تشكل جدارا سميكا وصلبا يمنع أي اختراق ويغرق الوعي في موجة من المحافظة والتطرف تمنعانه من تقبل أي جديد. ولعل الدرس البليغ الذي يمكن استخلاصه من تجربة المهدي بن بركة وهو يناضل من أجل الحداثة كمشروع للتحرر، هو ذلك الدرس الذي يؤكد أن اليسار محكوم عليه بالعزلة والهامشية في مجتمع يرزح تحت سيطرة مطلقة لفكر التقليد وإديولوجيته. وهذا يعني أن كل يساري لا ينطلق من أولوية المعركة والفكرية الثقافية ذات الغايات التنويرية، سيحكم على كل فعلي سياسي يباشره في هذا المجتمع بالفشل الذريع والهزيمة النكراء. والشهيد المهدي بن بركة كان على وعي بأهمية هذه المعركة، ومن هذا المنطلق يمكن تفسير علاقته بالمفكر المغربي عبد الله العروي كأحد المفكرين العرب القلائل الذين انشغلوا بإشكالية الحداثة ومعضلاتها في الواقع العربي، وأولوا أهمية كبرى للمسألة الثقافية في هذا الصدد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبح -الحي الميت- السنوار يخيم على قراءة الإعلام الإسرائيلي ل


.. الحركة الطلابية في الجامعات : هل توجد أطراف توظف الاحتجاجات




.. جنود ماكرون أو طائرات ال F16 .. من يصل أولاً إلى أوكرانيا؟؟


.. القناة 12الإسرائيلية: إسرائيل استخدمت قطر لتعمّق الانقسام ال




.. التنين الصيني يفرد جناحيه بوجه أميركا.. وأوروبا تائهة! | #ال