الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقاربة وطنية .. لإشكالات طائفية(عراقية) (5)

خلف الناصر
(Khalaf Anasser)

2016 / 10 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


معركة الحسم ومصالح دولية وإقليمية:
إن معركة الموصل الحالية الحاسمة وكما هو معلن، تهدف إلى القضاء على داعش والقوى الإرهابية في العراق ثم سورية، ومن بعدهما المنطقة العربية بعمومها إن أمكن، أو تحجيم داعش وتقليل تأثيرها وأضرارها على الأقل في هذه المرحلة بالذات..لكن هذا الهدف يبدو صعب المنال لأسباب كثيرة!
o أولها: وأهمها أن داعش لم تعد (منظمة إرهابية فقط) كالمنظمات الإرهابية الأخرى، تمارس التفجيرات وحرب العصابات وفق قاعدة " أضرب واهرب " الذهبية.. بل تحولت إلى مركز فكري وإيديولوجي، وكيان سياسي وعسكري ودولة أمر واقع قائم على الأرض، وتمتد على مساحات أراض واسعة مستقطعة من العراق وسورية، ولها جيوب وإمارات اسلاموية في ليبيا وأماكن عديدة أخرى من أفريقيا .
o وثانيها: أن مصالح داعش تتداخل اليوم تداخلاً مباشراً ومعقداً، مع مصالح وأمن قومي لقوى إقليمية قوية كثيرة في المنطقة، ومع مصالح قوى دولية كبرى مهيمنة على أغلب قرارات دول هذه المنطقة سياسياً واقتصادياً وإستراتيجياً، مضافاً إليها مصالح لقوى محلية عراقية وسورية مرتبطة بداعش مصلحياً وبعضها إيديولوجياً، كما أن لبعض هذه القوى العراقية تحديدا، دور محوري في صياغة القرار السياسي في البلاد .
o وثالثها: أن هدف القضاء على داعش في هذه المرحلة على الأقل [يتفق اتفاقاً مصيرياً] وفي اللحظة نفسها [يتعارض معارضة مصيرية] أيضاً مع مصالح لفئات عراقية داخلية، ولمصالح أنظمة عربية وقوى إقليمية ودولية متنوعة تأتي على رأسها الولايات الأمريكية المتحدة!!
o ورابعها: أن داعش وما سبقها وما لحقها وما سيلحقها غداً من منظمات إرهابية مماثلة، تمثل واحدة من أهم وسائل مشروع الموجة الإمبريالية الجديدة (ما بعد الحداثي) المعولم، والقائم على (تفتيت المجتمعات والبلدان) لتحقيق مشروع الهيمنة الأمريكي في هذه المنطقة والعالم، وهي أيضاً ـ أي داعش ـ أهم وسيلة لنشر "الفوضى الخلاقة" في المنطقة وتمهيدها لهذا المشروع.. كما وأن داعش كانت أفضل طريقة لإعادة هيكلة المشرق العربي برمته وإعادة ترتيب أوضاعه باحتلال بعض بلدانه، والهيمنة المطلقة على بعضها الآخر.. بذريعة " مكافحة إرهاب " داعش! .
وهذه العوامل مجتمعة وفي طليعتها، ذلك التناقض في المصالح بين جميع هذه الأطراف المتصارعة على الأرض العراقية والسورية، والتي جعلت من البلدين ساحة مكشوفة ومستباحة لصراع دولي وإقليمي ومحلي مفتوح النهايات على كل الاحتمالات، بما فيها حرب عالمية مدمرة للجميع !!
وهذا الصراع العالمي والإقليمي والمحلي على ساحة البلدين المستباحة، تحول إلى اشتباك دموي تخريبي استنزافي دائم وتصفية لحسابات كثيرة بين جميع هذه الأطراف، على الأرض السورية العراقية، وجعل من هذين القطرين العربيين (كرة النار الملتهبة دائماً) والتي تحرق كل شيء فيهما، وقد تحرق منطقة الشرق الأوسط بكاملها في النهاية .
وقد دفع البلدان أثماناً باهظة لإطفاء هذا الحرائق المشتعلة بين جنباتهما، والتي تأكل البلدين والشعبين بدون رحمة وتستنزف جميع طاقاتهما البشرية والمادية، واللاتي لا يمكن تعويضهما إلا على مدى أجيال كثيرة قادمة، طبعاً إذا ما بقي هذان البلدان على قيد الحياة، ولم يقسما أو يختفيا من الوجود على خارطة هذا العالم!!
ومن الصعب على المدى المنظور، إيقاف هذا الاشتباك وتصفية هذه الحسابات بين أطرافه الكثيرة، أو التنبؤ بما ستؤول إليه في نهايتها، المفجعة حتماً..وكذلك لا يمكن لأحد أو لأية قوة إقليمية أو دولية، أن تتحكم بمجريات الأحداث والمعارك مع داعش، أو تصفيتها تصفية عسكرية تامة ونهائية!!
إن هذا التناقض في المصالح بين الأطراف المختلفة، هو الذي يعيق الأطراف المتضررة من داعش والإرهاب عموماً، ويجعل من تصفيتهما هدفاً صعب المنال في هذه المرحلة بالذات..لأن البعض من هذه القوى والأطراف يعمل على تصفيته داعش ومعها كل قوى الإرهاب الأخرى بصدق وجدية تامة، بينما بعضها الآخر يعمل على تقوية داعش وديمومة أعمالها الإرهابية المدمرة، واستمرارها لأطول مدة ممكنة.. لضمان وتنمية مصالحه وهيمنته في المنطقة!!
والعراق وسورية بالدرجة الأولى، هما اللذان سيبقيان ينزفان ويدفعان ثمن هذا الصراع الدولي الإقليمي الجاري على أرضهما، والذي يهدد مصيرهما ووجودهما وبقائهما على خارطة هذا العالم تهديداً جدياً وحقيقياً، ويفرض عليهما خوض معركة فاصلة..معركة بقاء ووجود، يتوقف عليها مصريهما وبقائهما كبلدين ودولتين على خارطة هذا العالم!!
والتجربة تعلمنا أنه في حالة صراع البقاء، الذي تتعرض له وتخوضه الكائنات الحية الإنسانية وغير الإنسانية، ليس أمامها إلا أحد أمرين حتميين:
o الأول: أن تبقى هذه الكائنات الحية في دوامة صراع البقاء هذا حتى تفنى.. وهي في هذه الحالة سوف لن تفعل شيئاً ستبقى تراوح مكانها تنتظر مصيرها المحتوم الذي ستؤول نهايتها، خصوصاً في ظل عدم التكافوء بينها وبين أطراف الصراع المختلفة الأخرى!!
o الثاني: أن تكيف هذه الكائنات نفسها مع حالة صراع البقاء هذا، وتفتش في الوقت نفسه عن عناصر قوة تمتلكها هي، لكنها لم تستخدمها أو توظفها بعد في صراع البقاء الذي تخوضه..فيتوجب عليها في هذه الحالة أن تكتشفها وتضيفها إلى باق العناصر التي تمتلكها، لتتمكن بواسطتها من الصمود أولاً، ثم قلب مجريات معركة البقاء لصالحها في النهاية!!
والعراق وسورية يخوضان اليوم صراع بقاء من هذا النوع، ومعركة وجود بكل ما تعنيه الكلمة من معنى..وليس أمامهما في هذه الحالة ـ كأي مخلوق يتعرض للفناء ـ إلا التكيف مع حالة الصراع هذا، وإضافة عناصر كثيرة يمتلكانهما معاً، لكنهما لم يستخدماها في معركتهما المصيرية هذه بعد :
وأول هذه العناصر المهمة في البداية: هي أن تتوحد ساحتا المعركة العراقية السورية في ساحة واحدة، وتصبحان مسرحاً واحداً بــ (غرفة عمليات واحدة) لمعركة واحدة مع عدو واحد، تقف خلفه غيلان الامبريالية الأمريكية والغربية وجميع الرجعيات العربية والإسلامية وملحقاتهما المحلية..لأن منطقياً وعقلياً، لا يمكن القضاء على داعش في العراق مثلاً، مع بقائها قوية وفاعلة في الساحة السورية..أو العكس بالعكس!!
وثاني هذه العناصر وأهمها على الإطلاق.. يتمثل في:
أ‌- أن العراق وسورية في ظل الظروف الإقليمية والدولية الحالية، هما أضعف حلقة عربية في إقليم الشرق الأوسط بأكمله، وفي نفس الوقت تحيط بهما ثلاث قوى إقليمية كبرى من كل الجهات في هذا الإقليم.. وهي: القوى الإقليمية التركية والإيرانية والكيان الصهيوني، بالإضافة إلى الرجعيات العربية السعودية والخليجية الشبه موحدة، وتلحق بها رجعيات عربية مشابهة في القارتين..وأن %99 بالمائة ـ حسب نظرية السادات الشهيرة ـ من هذه القوى الإقليمية والعربية هي (ملك يمين!!) خالص للإمبريالية الأمريكية والغرب الاستعماري!!
ب‌- إن العراق لا يستطيع لوحده مجابهة كل هذه القوى الإقليمية والدولية، وكذلك سورية لا تستطيع مجابهة كل هذه القوى لوحدها..والحل في أن تتوحد القوتين العراقية والسورية في قوة واحدة قوية ومؤثرة، وبأي صيغة أو شكل من أشكال توحيد القوى العسكرية والسياسية وحتى اٌلاقتصادية، وزجها جميعاً في صراع البقاء هذا الذي يخوضه البلدان العربيان، ويتوقف على نتيجته مصيرهما ووجودهما وبقائهما على خارطة العالم!!
ت‌- إن حجم كل قوة من هذه القوى الإقليمية المحيطة بسورية والعراق من جميع الجهات تساوي: ـ طبعاً ما عدا الكيان الصهيوني ـ أكثر من ضعف حجم القوة الاقتصادية والعسكرية ومساحة وعدد سكان كل قطر منهما لوحده.. مما يؤدي إلى خلل خطير بين أي بلد من هذين البلدين، مع أي من هذه القوى الإقليمية المحيطة بهما في حالة المجابه معها .
ث‌- إن الحل الأمثل لصراع البقاء هذا الذي يخوضه البلدان سورية والعراق، سوف لن يكون إلا من خلال تعظيم قوتي البلديين وجعلهما قوة واحدة، يمكنها أن توازن أية قوة من هذه القوى الإقليمية الكبيرة في المنطقة، ومن كافة النواحي السياسية والاقتصادية والعسكرية ومساحة الأرض وعدد السكان.. وهذا لا يمكن أن يتم إلا من خلال شكل من أشكال الاتحاد والاندماج بين القطرين الشقيقين، برضا الشعبين واختيارهما الحر، حتى وإن كان اندماجهما هذا مؤقتاً ولحين تجاوزهما لمرحلة الخطر المصيري هذه، التي تهدد وجودهما وبقائهما..لكي يضمنا لنفسيهما البقاء في صراع البقاء هذا، والذي تدور معاركة الشرسة على طول وعرض غابة إقليم الشرق الأوسط بأكملها .
وهذا ليس رأياً إيديولوجياً ينتسب إلى إيديولوجية الوحدة العربية التي يتطير منها الكثيرون، إنما هو ينتسب إلى قوانين صراع البقاء..فما نخوضه اليوم ليس صراع إيديولوجيات أو مناكفات سياسية، إنما هو صراع وجود وبقاء بكل ما تعنيه هذه العبارة من معنى..فأما أن نفنى كعراقيين وسوريين، وأما أن نبقى كبلدين أسماهما البعض قديماً قبلنا باسم " سوراقيا "!!
وإن المتتبع لمجريات الأحداث منذ حروب أفغانستان الأولى والثانية، وحروب الخليج الأولى والثانية والثالثة، والتي تم بموجبها غزو العراق واحتلاله وتدميره وإيصاله إلى حافة الفناء الذي يهدد وجوده ومصيره.. سيجد: أن هذا الخطر الذي يأكل العراق وسورية اليوم آخذ بالزحف التدريجي نحو الجميع، ومن اليمن إلى طنجة مروراً بليبيا ومصر تونس وبعض مناطق أفريقيا العربية.
وسيجد أيضاً أن رأينا أعلاه هو وصفة للوقوف في وجه هذا الخطر الزاحف نحونا، ووصفة لخلاص الجميع..وليست وصفة إيديولوجية، كما قد يتصورها بعض أصحاب الإيديولوجيات المضادة لأي شكل من أشكال التضامن أو التوحد العربي، والذين لا زالوا يعيشون خدر الإيديولوجيات وعصر الإيديولوجيات الذي ولى، والتي سقطت جميعها صرعى تحت ضربات الواقع العالمي وواقعنا الدامي هذا، ولم يتبق منها إلا مصطلحات وكلمات تقال في المناسبات أو لتأبين الماضي، الذي شيع هو الآخر لمثواه الأخير.. إن رأينا هذا ينبع من فقه قراءة الواقع، ومن ضمنه فقه الحفاظ على النوع وعلى الذات من الفناء القادم إلينا بسرعة مخيفة!!
***
ولتوضيح هذه الصورة نعيد القول، بأن المتتبع لتلك الحروب ولهذا الصراع الدامي، الذي أصبح العراق بؤرته ومشروعه النموذجي، الذي يمكن تصديره لأية دولة أو منطقة في العالم يراد تدميرها.. كما وأنه قد أصبح خارطة طريق لكيفية صنع "الفوضى الخلاقة " في بلد ما وتدميره كلياً أو جزئياً.. وحسب الطلب الأمريكي!!
وقد كانت سورية هي التالية للعراق في برنامج هذا المشروع التدميري، ثم تلتها ليبيا ثم اليمن وحتى مصر مؤخراً، ثم تلت هئولاء الكثير من الأقطار العربية الأخرى، بأشكال متفاوتة من الخطر..وأن هذا المشروع الإمبريالي في جوهره أخذ يزحف على الجميع، وأن الذي سلم منه اليوم سوف لن يسلم منه ومن تداعيات المدمرة غداً أو بعد غد..فهو مشروع ممنهج ومبرمج، ويمشي الهوينا زاحفاً بإيقاع منتظم نحو الجميع، وينتقل من قطر عربي إلى قطر آخر بطريقة سلسة وانسيابية وبدون عوائق كثيرة.. وأن ليس للجميع من خلاص إلا بوصفة التوحد والتضامن.. أو بوصفة " سوراقيا " إن صح تسميتها بهذا الاسم !!
وكما هو معروف فأن هذا المشروع والأنموذج العراقي، قد اتبع أثناء تقلباته التجريبية الكثيرة آليات وتكتيكات عديدة ومتنوعة. وبعد نجاحها مختبرياً في العراق، سوقت منه إلى سائر الأقطار العربية الأخرى تقريباً، بعد أن ألبسوا مشروعهم الإمبريالي الجوهر هذا لباساً طائفياً مدمراً، وبإمَكِانُه زج جميع مكونات المجتمعات العربية ـ وأية مجتمعات إنسانية غيرها ـ في أتون صراعات مدمرة وحروب أهلية وطائفية لا تنتهي..ولكي ينجح هذا المشروع يجب أن تزاح عن طريقه جميع المعوقات الوطنية والقومية التي توفر مشتركات جامعة، للشعوب والمجتمعات في بوتقة واحدة والعيش المشترك في وطن واحد.. ولكي تزيح هذه المعوقات ((وجهت الموجة الامبريالية الجديدة نيرانها ضد مفهوم القومية، والقومية العربية بشكل خاص لأنها تتناقض مع مشروعها ما بعد الحداثي القائم على تفتيت البلدان))(فريدة النقاش: قضية للمناقشة: " الحوار المتمدن" بتاريخ 2016-8-25) .
ولقد كانت داعش ومن قبلها أمها الولود القاعدة وكل أبنائها وأحفادها الدمويين هئولاء، عبارة عن مشروع صُنّع لتأدية [وظيفة التفتيت هذه] لمجتمعاتنا وبلداننا العربية وتدمير لكل المقومات والمشتركات الإنسانية التي تجمع بينها..وأيضاً لتكون هي الآلية المعتمدة في تفتيت وتدمير جميع هذه المشتركات التي تجمعهم وتوحدهم فيما بينهم، وتجعل منهم أمة واحدة!!
والأهم لتكون داعش ومثيلاتها سداً منيعاً و (حاجزا صلداً) يحول دون تطور العرب، ويمنع دخولهم إلى العصر الحديث بشكل طبيعي..وأيضاً لتحول بينهم وبين الدولة القومية المدنية الديمقراطية الحديثة، القائمة على أساس مبدأ الدولة/الأمة!!
ولتحل محلها (دولة دينية) .. أي .. ((الدولة الدينية الإسلامية)) الداعشية ، لتكون مبرراً لقيام ((الدولة الدينية اليهودية)) الصهيونية القائمة في فلسطين المغتصبة..ولتمتلئ بعدها غابة الشرق الأوسط بأكملها، بدويلات دينية ومذهبية وطائفية من هذا النوع!!
[يـــــــــــــــتـــــــــــــــــــــــــــبـــــــــــــــــــــــــــــــــــع]
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزب الله وإسرائيل.. جهود أميركية لخفض التصعيد | #غرفة_الأخبا


.. مساع مكثفة سعيا للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غز




.. هل قتلت لونا الشبل؟


.. بعد المناظرة.. أداء بايدن يقلق ممولي حملته الانتخابية | #غرف




.. إسرائيل تتعلم الدرس من غزة وتخزن السلاح استعدادا للحرب مع حز