الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محسن فكري...شهيد كبرياء المغاربة المجروح

حسن البوهي

2016 / 10 / 31
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


غونغورا: "تعال أيها الموت متى شئت..إن صوت فصاحتك المدوي لا يخيفني..ففي مواجهة حكمك يعلو خفقان ضميري الرائق.."
أن يُفرم جسد مواطن مغربي بدم بارد بأمر من رجل أمن برتبة "كوميسير" فتلك مصيبة وطن...أن تسحق شاحنة نقل الأزبال أعضاء شاب (31 سنة) في مشهد مريع ترتعد له الفرائص فتلك رعونة أمنية مقيتة واستهتار بكينونة الإنسان المغربي وكبريائه...تلكم فاجعتنا في وطن أناط مهمة تدبير شؤونه الأمنية لمسؤولين قساة يُمعنون في إذلال واحتقار المواطن البسيط كلما أتيحت لهم الفرصة ذلك...تلكم إذن قضية الشهيد محسن الفكري، ذلك المواطن البسيط بائع السمك الذي حجزت دورية للأمن بمدينة الحسيمة سلعته من السمك بدعوى أنها محدورة، وفي محاولته لإنقاذ رأسماله الذي يعيل به أسرة مكونة من 10 أفراد دخل للشاحنه عله يقنع رجال الأمن بالعدول عن إتلاف منتوجه السمكي، فما كان من رجل الأمن إلا أن أعطى أوامره لسائق الشاحنة بسحق الأسماك وصاحبها صائحا: "طحن مو"، فاستحال بائع السمك جثة هامدة، وقد أورد التقرير الطبي أنه أصيب بخمسة كسور على مستوى عضلات القفص الصدري وجرح بليغ قرب الإبط، وتقلص الرئة اليسرى بسبب عدم تدفق الدم والهواء بشكل طبيعي مما نتج عنه اختناق أودى بأخر أنفاسه.
استندت دوريات الشرطة في إتلافها لسلعة محسن فكري على تفسير مفاده أنه يتاجر في منتوجات محدور صيدها، إلا أن السؤال الذي يفرض نفسه ولا يحتاج لنباهة أكبر: كيف توغلت هذه السلع للميناء؟ ومن سمح لها بذلك؟ وماذا عن المصالح الطبية؟... في مجمل الأحوال محسن فكري لا يعدو سوى تاجر صغير لم يكن يتأتى له شراء السلع لو لم تسمح بها لجان المراقبة وممثلوا السلطات الأمنية بالميناء، وماذا عن التجار الكبار ولوبيات الصيد السري الذين يصطادون بطرق مشروعة وغير مشروعة أناء الليل وأطراف النهار؟ لماذ لا يتم إعمال القانون في حقهم شأنهم شأن الصيادين الصغار؟ فإذا تتبعنا جدور الفاجعة التي تعرض لها الشهيد محمد فكري سنجد أنها بدأت مع التمكين والحصانة التي يتمتع بها أخطبوطات الصيد السري من التجار الكبار، ثم تواطؤ إدارة الميناء من مندوبية الفلاحة والصيد البحري، وتغاضي رجال الأمن عن التجاوزات والمخالفات التي تقع أمام أعينهم دون أن يقوم بما يتعين عليهم القيام به، وبمجرد ما تصل تلك الأسماك لتجار صغار أمثال محسن فكري يتم حينها المغالاة في تطبيق القانون وتنزيل أقصى التدابير الزجرية لإجباره على التفاوض وانتزاع رشوة أو علاوة مالية حتى يتمكن من مباشرة عملية البيع...السلطات الإدارية والأمنية بعدد من الموانئ المغربية تقتات من كعكة هذه التجاوزات والمخالفات وتغض الطرف عن مرتكبيها مقابل الرشوة، هي أجهزة فاسدة ينخرها الفساد من كل جانب، وتعتمد منطق الحكرة والقهر على ضعاف المواطنين لكي تستقوي وتفرض هيمنتها وتضمن استمرارية استفادتها من كعكة الريع والاغتناء غير المشروع.
المضحك المبكي حد المرارة أن عملية إتلاف بضاعة الشهيد تمت بطريقة بدائية وبعيدة كل البعد عن المعايير المعمول بها في عدد من الموانئ، ذلك أنه تمت الاستعانة بشاحنة لنقل الأزبال عوض شاحنة خاصة، وتمت عملية الإتلاف بعين المكان وهو ما يشكل خطرا على ساكنة الجوار والمارة كما أنه سلوك يستفز صاحب البضاعة الذي يرى رأسماله يُجهز عليه أمام عينيه، فرد فعل محسن فكري كان متوقعا عندما صعد إلى داخل الشاحنة للحيلولة دون عملية الإتلاف، والسلوك القويم كان يقتضي مصادرة السلعة في مرحلة أولى ثم تسليمها لمؤسسة خيرية أو إتلافها في مرحلة ثانية بعيدا الأعين والمواطنين.
لو وقعت مجريات هذه الفاجعة في بلد ديمقراطي يحترم مؤسساته فإن أدنى ما يمكن القيام به هو إقالة وزير الداخلية ومحاكمته بمعية المتورطين من رجال الأمن وعامل الإقليم ومندوب الفلاحة والصيد البحري والمصالح الطبية وغيرها من المصالح المتدخلة.. وما دمنا في المغرب؟ في بلد يُباح فيه دم المواطن البسيط بهذه الرعونة فإن أقصى ما يمكن القيام به لن يتجاوز محاكمة رجال الأمن والسائق وإقالة مندوب الفلاحة والصيد البحري ليتم بعدها إقفال الملف بأقل الأضرار إلى أن تطفو على السطح حالة تراجيدية أخرى في مستقبل الأيام والتعاطي معها بنفس المهدءات والتطمينات الكاذبة، في حين أن الإشكال الحقيقي هو في المنطق الناظم لطريقة اشتغال المنظومة الأمنية والسلطات المحلية والذي يستدعي المراجعة وإزالة ما علق به من رواسب سنوات الجمر والرصاص، عدى ذلك فإن تراجيدية "محسن فكري" ستعيد نفسها بشكل مغاير وبالمآل عينه في مدن مغربية أخرى مستقبلا، ولا شك أن ذاكرة المغاربة لم تنس قط مأساوية "مي فاطمة" مولات البغرير التي أضرمت النار في جسدها بعد أن أنهكتها المضايقات المتكررة للمخازنية ورجال الأمن، فهل تم إنصاف "مي فاطمة"؟ هل تمت محاسبة المسؤولين بشكل صارم؟ كلا...الإجراءات المتّبعة لا تعدو أن تكون روتوشات لتأتيث المشهد وإسدال الستار عن فصول مسرحية بطلاها الجهاز الأمني والسلطات المحلية وضحيتها المواطن البسيط المغلوب على أمره، إلى متى سيستمر منطق الحكرة والقهر هذا؟ إلى متى ستستمر عقليات متكلّسة تحن لعهود بائدة في إذلال البسطاء من أبناء الشعب؟
تكرار مثل هذه السيناريوهات المفجعة من الحكرة والقهر سيقود البلاد لا محالة إلى ما لا تحمد عقباه، وإذا لم تتم مراجعة منطق اشتغال المنظومة الأمنية في تعاطيها مع القضايا اليومية للمواطنين وتقديم الضمانات الإجرائية لعدم تكرار مثل هذه السيناريوهات فإن السحر قد ينقلب على الساحر ولا شك أنه سيأتي على الأخضر واليابس، وقد ظهرت أولى هذه العلامات من خلال المسيرات والوقفات التنديدية الغاضبة التي شهدتها أزيد من 20 مدينة مغربية بشكل متزامن مساء يوم الأحد 30 أكتوبر 2016.. وليسأل المسؤولون الأمنيون المؤرخين الذين يعرفون أكثر من غيرهم أن الانسان المغربي يتفرد بخاصية لازمته منذ التاريخ القديم إلى فترة التاريخ الحديث مفادها أنه "قد يصبر على الجوع وعلى عُسر العيش، لكنه ينتفض ويستحيل إلى ثائر مُزلزل لا يُبقي ولا يدر عندما تهان كرامته ويجرح كبرياؤه"...فحذار من الكبرياء المجروح للمغاربة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مواجهات بين الشرطة ومتظاهرين في باريس خلال عيد العمال.. وفلس


.. على خلفية احتجاجات داعمة لفلسطين.. مواجهات بين الشرطة وطلاب




.. الاحتجاجات ضد -القانون الروسي-.. بوريل ينتقد عنف الشرطة ضد ا


.. قصة مبنى هاميلتون التاريخي الذي سيطر عليه الطلبة المحتجون في




.. الشرطة تمنع متظاهرين من الوصول إلى تقسيم في تركيا.. ما القصة