الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الترشيد الامريكي لتداعيات الانتخابات العراقية

كاظم محمد

2005 / 12 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


كان لأهتمام الادارة الامريكية البالغ بالانتخابات العراقية الاخيرة ، مبرراته الموضوعية والذاتية والمرتبطة بمجمل المشروع الامريكي ومستقبله في العراق والمنطقة ، وتعاظمت هذه الاهمية بعد تركيز الاحتلال عليها كونها مخرج طبيعي ومبرر لاستمرار التواجد العسكري الاجنبي في العراق ، ومن ناحية اخرى تم ربط نجاحها بخطة بوش للنصر في العراق والتي حدد عناصرها ، بعد ان اقر واعترف باخطاء كبيرة ، واعلن تحمله لمسؤلية تلك الاخطاء .
جاءت هذه الانتخابات (كأستحقاق قانوني) حسب ما شرعه المحتل واعوانه ، كي تكون هي المحطة الاخيرة والتتويجية لمسيرة عمليتهم السياسية المعدة سلفا لانتاج برلمان دائم وحكومة دائمة تمتلك كامل الصلاحيات الدستورية وتتعكز على شرعية وسيادة مقننتين ومعلبتين تعليبا امريكيا كاملا كما اريد لها منذ البدء .

لكن ما ميز هذه المحطة السياسية ، هي المشاركة لبعض الاطراف المغيبة ( السنية) ، لتتكحل عيون ادارة الاحتلال ، بانها حققت مساهمة كل مكونات الشعب العراقي في العملية السياسية ، وبذلك تسجل لنفسها انتصارآ في محاولة لتخفيف احتقانها الداخلي ، ومتأملةً بدفع عجلة مشروعها خطوةً الى امام .

كان واضحآ ومنذ بداية الغزو الامريكي للعراق ، ما هو المطلوب لعراق ما بعد الاحتلال ، لقد صرح غارنر اول حاكم مدني عينته الادارة الامريكية (بضرورة بناء المجتمعات المدنية الذاتية) ، وهو اول اعلان سياسي لادارة الاحتلال بالبدأ بعملية تفكيك العراق وتفصيصه ، ولاجل الوصول الى هذه الغاية بدأت دوائر الاحتلال واجهزتها بالضرب على الوتر الطائفي والعرقي ، حيث عبرت عنه سياسيآ بقرار بريمر بتشكيل مجلس الحكم على اساس المحاصصة الطائفية والعرقية ، وبتعميق هذا التوجه في جميع مفاصل الحياة السياسية والاجتماعية ، وبالتناغم مع المصالح الفئوية والحزبية والعنصرية لقيادات وجماعات واحزاب وعناصر سوقية مغمورة ، خدمت المحتل وتعاونت معه لتحقيق اهدافه السياسية ، ولتبني لنفسها اماراتها ودويلاتها الخاصة ، ولتبدأ برسم الحدود الطائفية والعرقية ولتعمق الشرخ الاجتماعي وتضرب روح الانتماء الوطني ، ولتكرس التخندق العرقي والمناطقي والمذهبي ، عبرخطاب سياسي مهدت له دوائر الاحتلال السياسية والعسكرية والسرية من عصابات الجريمة السياسية ومافيات القتل المأجورة .

ومما ساعد بالنجاح الجزئي لهذا الخطاب السياسي الطائفي والعنصري هو انزلاق بعض الجهات الوطنية الى الاعتمار بالعباءة الطائفية ، وانجرخطابها الديني والسياسي واستدرج الى مفردات طائفية تماهي الخطاب السائد ، أضافة الى ضعف ضبط ايقاع النشاط الاعلامي والعسكري لبعض المنظمات المسلحة والذي صب في صالح تعميق التمترس والخندقة الطائفية والمناطقية ، ومع تشويش وتضليل اعلامي مكثف ، تعمد خلط الحابل بالنابل ، وفقدان ابسط متطلبات الحياة الاساسية للمواطن العراقي ، جرت عملية تهيأة عقل المواطن البسيط لما هو مطلوب ، عبر القبول بأي حل قادم .
ومن هنا ارادوا لعمليتهم السياسية ان تستمد قوتها الدافعة ، لتكرس وتطبع من خلالها كل ما هو مطلوب امريكيا ، وليقنون من خلالها ويدستر التفكيك والتفصيص والتقسيم لاحقآ ولو تحت اسم العراق ، ولذلك فقد عملت الادارة الامريكية وكرست من جهدها الكثير لجذب بعض التجمعات من المغيبين للاشتراك في العملية السياسية ، ادراكآ منها بأن مساهمتهم ستعمق الاستقطابات الطائفية المطلوبة ، وستضفي لتأكيد الحدود المرسومة ، عبر التفاف المناطق حول قوائمها ، وهي بذلك قد حققت ما بغت باضفاء شرعية مزعومة على عمليتها السياسية بمساهمة الجميع فيها ، وكذلك فهي قد بيضت بعض الوجوه الكالحة في زحمة هذا العرس .

كان للأصطفافات السياسية لما بعد الاحتلال والغربلة لتي تلته ، اهمية كبيرة في دفع الطموح لابراز المشروع الوطني العراقي ، وبدايات تجسيده بخطاب سياسي لهيئاتٍ واحزاب وتجمعات رافضة للأحتلال وافرازاته ، وعلى اساس ادراكها الوطني ، لعملية المحتل السياسية واضفاء المشروعية عليها وعلى نتائجها الكارثية ، وهذا مما ساهم في تعميق مأزق المحتل السياسي ، ومأزق القوى الطائفية والعنصرية المتعاونة معه .

واعطى المؤشرات واشار الى الامكانيات الواسعة لتجمع هذه القوى وطرح برنامجها الوطني الديمقراطي ، سلاحها السياسي وسلاح الفئات الشعبية الواسعة في مواجهة مشروع المحتل ومريديه ، واعتماده كأداة كفاحية، سياسية تكتيكية واستراتيجية منسجمة مع اهداف المقاومة المسلحة بأجبار المحتل على الرحيل .

ان انزلاق بعض الجهات المغيبة لدعوات المشاركة في كتابة الدستور ، وتلمسها كيف ان احزاب الاحتلال اختلفت على تقاسم الغنيمة ، ثم اتفقت بعد ان تم ترشيد حصصها امريكيآ والاستبعاد الضمني (للجنة الحوار الوطني) من ملامسة العقد الاساسية في دستورهم ، عقد التفكيك والتفصيص والغاء الهوية ، وكيف تم مرير هذا الدستور، لهو تجربة كان ينبغي عدم المخاطرة في تكرارها بنفس الاداة وتحت نفس المظلة الطائفية ، انما كان ينبغي الارتكاز على جبهة سياسية وطنية واسعة متسلحة ببرنامج معلن لاغبار عليه غايته الاساسية عرقلة مشروع الاحتلال وتأكيد عدم شرعيته ، انها جبهة سياسية للمقاومة لا غبارعلى ولوجها .

ان الفزع السياسي الذي دفع البعض باطلاق دعوات المشاركة في العملية السياسية والاستمرار فيها ، استخدم نفس لغة اعوان الاحتلال ، في توفير القناعات للمشاركة بالأنتخابات وبذلك عزز من الاستقطابات الطائفية المطلوبة وفسح المجال واسعآ لهامش اللعب والمناورة الامريكية .

لذلك فان حذر الحس الوطني يجب ان يبقى متيقضآ ازاء لمسات الترشيد الامريكي لتداعيات هذه المحطة السياسية ، بعد ان تكشف الزيف والتزوير ، خاصة الانهماك بحسن نية او سؤها في معمعة المساومات التفصيلية حول عدد المقاعد او الوزارات ، وحول هذا وذاك من الاسماء .

لقد دخلت ادارة الاحتلال بشخص زلماي خليل زادة الى الحلبة بعد ان وفرت كل ما استلزم ، لتقوم بالتحكيم والترشيد المطلوب لتداعيات انتخاباتها وتفصيلاتها ، فقد اجل اعلان النتائج النهائية الى بداية السنة القادمة 2006 وبدأت بالونات الاختبار بمقترح الطالباني بتنازل الائتلاف عن عشرة مقاعد لصالح التوافق ، وهاهي لاءات الحكيم الثلاثة تسبق اجتماعه مع مسعود في اربيل ، والطالباني يعبر عن حرصه مع زادة بوجوبية استرضاء السنة العرب ، انها تفصيلات الاغراق وافتعال الازمات ثم حلها على ذات الاسس المطلوبة ، ليتواصل الدوران في فلكها عبر القفز والتخلي عن المطالب المشروعة والمعلنة والتي تتحدد في الغاء نتائج الانتخابات وتجميد عمل مفوضية بريمر وتشكيل حكومة انقاذ وباشراف دولي .

من هنا فان اعطاء هذه المطالب بعدها الوطني يكسبها تعاطفا شعبيا واسعا ، ويخرج المطالبين بها من مظلة الطائفية المقيتة ، في الوقت الذي ينبغي فيه رفض جميع محاولات الترشيد الامريكية والتي تستهدف بنهاية المطاف تشكيل برلماني وحكومي تحاصصي يكفل عدم قدرة اي طرفٍ فيه تمرير مشروع قرار يمس الاحتلال ومصالحه واهدافه ، وهذا ما سينعكس لاحقآ على استحالة تعديل( دستورهم الميمون) ، دستور التفكيك والتقسيم .

ان تعزيز دور المقاومة المسلحة وغير المسلحة للمحتل يستدعي اشهار مشروع وطني ديمقراطي للمجابهة السياسية وبمرونة تكتيكية نابهة لاسقاط عملية عرقنة مشروع الاحتلال ومحطاته القادمة التي ستكون اشد وطئة خاصة بعد تكبيل قوى كانت تعتبر ثقلا لا يستهان به في مقاومة المشروع الامريكي في العراق .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سرّ الأحذية البرونزية على قناة مالمو المائية | #مراسلو_سكاي


.. أزمة أوكرانيا.. صاروخ أتاكمس | #التاسعة




.. مراسل الجزيرة يرصد التطورات الميدانية في قطاع غزة


.. الجيش الإسرائيلي يكثف هجماته على مخيمات وسط غزة ويستهدف مبنى




.. اعتداء عنيف من الشرطة الأمريكية على طالب متضامن مع غزة بجامع