الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فاروق مصطفى، فهد عنتر الدوخي، وعامر صادق في ملتقى (دورت يول)

يحيى نوح مجذاب

2016 / 10 / 31
الادب والفن


فاروق مصطفى، فهد عنتر الدوخي، وعامر صادق
في ملتقى (دورت يول)1

يحيى نوح مجذاب

أجيالٌ ثلاثةٌ لا تفصلها فواصل زمنية متباعدة، بل هي تعيشُ سوية في كنف (أرابخا)2 وتحت سمائها الزرقاء، وعندما يجنّ الليل المشوبة جدائله بحزم ضياءٍ ذهبية متسللة من ألسنة المارد الناري3 المنبعث من بوابة الجحيم تنطلق قرائحهم سابغة على العالم فيض الأدب وعصارته لتغدق كلماتهم وتفيض شعراً ونثراً؛ دواوين، ومقالات، وروايات.
أصولُهم موزوبوتامية 4، لغتهم التي عكسوا من خلالها رؤاهم للعالم وبواطن أحاسيسهم هي لغة الفراهيدي، والاصمعي، وسيبويه، وابن مالك، وأحمد شوقي، والرصافي، وأمين نخلة، والسياب، وطه حسين، ونجيب محفوظ. لم يتقوقعوا بحدود جغرافية ضيقة أو يتقيدوا بزمن أو تاريخ. العالم هو وطنهم، وثقافات الأرض هي منهلهم الذي لا ينضب بكل أزمنتها، لكن كركوك لها وقعها المميز في أحاسيسهم وجرسها الذي يمخر عباب السماء يرن في وجدانهم، فكان لبصمتها فعل السحر الذي يأسر الألباب.
فاروق مصطفى سبعيني في حسابات السنين، عشريني في حبه للحياة ونشاطه المتقد، تخصصه باللغة العربية أضفى على قدراته في طرائق الكتابة الشيء الكثير فكانت الكلمات طيعة وديعة بين يديه يسبكها حيث شاء ويصوغ منها الصور والأفكار كلوحات زيتية براقة مرسومة بريشة أساطين الفن.
فهد عنتر الدوخي خمسيني بالتقويم الغريغوري5 ، ثلاثيني في شغفه للحقيقة وعنفوانها. شرقاط ( آشور كات) مدينته الآشورية الضاربة بالتاريخ بقلعتها السامقة نكاد نتنسم ريحها العبق كلما نثر كلماته كوريقات الأزاهير اليانعة.
عامر صادق أربعيني حسب اللفات التي دارتها الأرض حول شعلة الشمس، سبعيني في خبرات الحياة، وطفل مشاكس في لعبة الحب. متسكع في أزقة الهيام الطاغي، وكأسه زاخرة بعصارة الوجد، صقله علم الاجتماع في اختيار أنماط الحياة القريبة لنفسه الوثابة، ففاضت قريحته شعراً يسكنه العشق والوجع.
الثلاثة جمعتهم الكلمة الصادقة والرؤى الثرّة العميقة، وشغفتهم الحياة الحالمة. مهنهم التي استرزقوا منها لقم العيش هي غير ما زخرت به قرائحهم في مسالك الحياة. كتبوا المقالة والخاطرة والقصيدة والرواية والدراسة، وانتماؤهم لهذا العالم ترسَّخ في صفحات الإبداع حيث وجدت طريقها لمحبي الأدب وعاشقي الثقافات بألوانها عن طريق جرائد وصحف وكتب ورقية، أو مواقع الكترونية في منتديات ومجلات منتشرة عبر شبكات الانترنيت.
فاروق أديب وشاعر وكاتب، إنه (الثمل بعشق كركوك)6 ولم يتوانى عن ارتداء (قمصان الغيوم المتدلية)6 ويتبختر على (أرصفة الدفلى)6 لتشنف مسامعه نغمات (هديل الغمام بين يدي كركوك)6 وعرفاناً منه لحبيبته كركوك فقد أهدى (لجيد كركوك باقة من ازهار الخباز)6. أسلوبه يتميز بالتأنق في نظم العبارات واختيار المفردات بحنكة حتى نلمس في صوره التعبيرية جمالاً ورونقاً آسرين.
في النصوص الكركوكية التي تضمنها كتابه (كركوك بيت للدفلى وحديقة للغمام)6 الصادر في كركوك عام 2009 استوقفني مقاله (هؤلاء مروا من كركوك) فهو رغم تيمه وحبه الجارف لمدينته كركوك واستحضاره لروح أحيائها وأزقتها ومعالمها وتاريخها، لكنه يتعايش بوحيه الموغل في الأدب العالمي بصحبهِ الطيبين الذين حلمت سفائنه التعبى بمراسي عيونهم، وقلوبهم غدت بمثابة واحات آمنة تأوى إليها كلماته، فرامبو الشاعر الفرنسي صاحب قصيدة (المركب النشوان)، ولوركا الشاعر والمسرحي الإسباني صاحب قصيدة راكب الحصان ومسرحية عرس الدم، وأورخان لي الشاعر التركي مؤسس تيار الغريب في الشعر حيث خرج عما هو مألوف في الشعر القديم، وأغاثا كريستي الروائية العالمية صاحبة القصص البوليسية الشهيرة، وكازانتاكيس الفيلسوف والروائي اليوناني مؤلف كتاب (زوربا) الذي اشتهر بقصته الرائعة التي اجاد تمثيلها انتوني كوين وايرين باباس. كل هؤلاء العالميين مع الكاتب العراقي نجيب المانع والكاتب الأردني غالب هلسا والشاعر المتصعلك عبدالأمير الحصيري الذين مروا فوق أديمها وتعبقوا بأريج أزهارها يعيشون في وجدانه، وهو مازال يبحث عن شجرة زيتون في بستانه المطلسم (كاوور باغي)7 في منحدرات الغسق الأخير.
فهد روائي، قاص، منهجي التدريب، ناقد، باحث، وظَّف ثراء اللغة وانسيابية التعابير وعمق تجربته في نتاجاته التي نشرها بكتب مطبوعة وصحف ومجلات ومواقع الكترونية عديدة بأسلوبه الرائق، وقد طوّع لغته وجعلها ممتدة لانهائية حتى بـ (انتهاء المواسم)8، إنه يعتبر المرأة الأنثى، المرأة الحقيقية قلعة عصية لا يمكن تسلّق أسوارها لغير العارفين، إنها (المرأة الجدار)8، ووجيب قلبه دائماً يتناغم مع (نبضات قلم)8 حيث دأب على سبر نصوص اقرانه في الادب برؤيته الثاقبة.
في مجموعته القصصية (المرأة الجدار)8 يتناول المؤلف في قصته الموسومة (الإنفلونزا ... بعيداً) شخصية مضطربة تستسلم لوهم الخيال (ميدانها الأبدي هو الرصيف) في محاولة لتقمص دور شحاذ فيخفي وجهه عن المارة ويمد يده للإستجداء قرب عمارة كادت أن تودي بحياته على أثر انفجار عنيف، لكن النقود انهالت عليه ليستكشف مدى التراحم بين الناس فتنبه بعد لأي ليعود الى شخصيته الحقيقية فيهب كل ما كسبه لفقير عاجز هو أولى منه. على الرغم من بساطة هذه القصة القصيرة الا انها تتضمن مدلولات أخلاقية راقية في إمكانية تأثر السلوك الشخصي بضغوطات العالم الاجتماعية والسياسية، لكن جوهر الانسان يبقى واحداً في كل الظروف وقد أجاد المؤلف في معالجته للحالة بدراية وأسلوب شفاف.
عامر الشاعر المتّقد الحس الرهيف السجايا كان له في بيروت حلماً ندياً وذكرى لا تهدأ، فناجى مُلهمته في (مناجاة سارة)9، والأخرى همست له في نهاية الليل وقالت إذا ما جئت إلى بيتي أيها العطوف فهات مصباحاً ونافذة لأرى ازدحام الزقاق السعيد هكذا يكون البوح لشاعرته (فروغ فرخزاد)9. انبثقت أحاسيسه في (عايدة)9 وأعلنها كلمات مدوّية، وعندما صمت لبرهة زمن أيقن أن (للصمت صراخ آخر)9، وفيه أعلن أن وَلَهه بالحب لا حدود له. في قصيدته (مسافات) في مجموعته الشعرية (مناجاة سارة)9 ينسل الوجع من حناياه لبعد المحبوبة عنه فيقول: كم هي ملعونة تلك المسافات، انت هناك حيث صمتك الموحش، وأنا هنا في صرختي الضائعة.
الأدباء الثلاثة رغم تنوع عطاءاتهم في أجناس الأدب وإبداعاته لكن قاسمهم المشترك هو رهافة الحس، وسلاسة الكلمات، وعشقهم للحرية والحياة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:
1. dört Yol بالتركمانية (الطرق الأربع) في قلب سوق القورية في كركوك.
2. أرابخا، الإسم القديم لكركوك في الألف الثاني قبل الميلاد.
3. النار الأزلية في كركوك .
4. ميزوبوتاميا التسمية تعني بلاد الرافدين.
5. التقويم الميلادي الحالي.
6. أسماء كتب للمؤلف فاروق مصطفى.
7. بستان قديم في كركوك ملتصق بالذاكرة الكركوكية.
8. أسماء كتب للمؤلف فهد عنتر الدوخي
9. أسماء كتب للمؤلف عامر صادق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما


.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا




.. الذكاء الاصطناعي يهدد صناعة السينما


.. الفنانة السودانية هند الطاهر: -قلبي مع كل أم سودانية وطفل في




.. من الكويت بروفسور بالهندسة الكيميائية والبيئية يقف لأول مرة