الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صحوة متأخرة ..!!

ميشيل زهرة

2016 / 11 / 1
الادب والفن



أكبر معمر في آل ( الساموك ) لايتذكر متى جاء هذا الرجل العجوز ( الأعمى ) إلى الدارة الكبيرة الضاربة في القدم ..!!
ذلك العجوز المختلف في اللون ، و طريقة التفكير ، و اللباس ، و الشكل ..لا يشبه أحدا من كل الصور المعلقة على جدار المضافة الكبيرة لأجداد العائلة .!
هو شيخ أعمى..لا أحد يتذكر إذا كان أعمى قبل مجيئه إلى الدارة ، أو بعد ( فتحه ) لباب الدار الكبير لآل الساموك دون استئذان ..!! و جلوسه تحت شباك المضافة الكبيرة.. و لم يبرح مكانه منذ ذاك التاريخ الذي جاء فيه . يرتدي معطفا أشبه بمعاطف العسكر ( العصمنلي ) الذين رحلوا من دارة آل الساموك منذ زمن بعيد . و لا أحد من بيت الساموك كانت تعنيه العلاقة الحميمة لقائد الحامية العصمنلية مع العجوز ، المطلق للحيته الرهيبة كمكنسة الجدة التي تكنس بها روث الحيوانات في الاصطبل المكتظ بالدواب على اختلاف أنواعها ..!! شعره طويل بشكل ملحوظ ..يُجدّله أحيانا ، بأصابعه طويلة الأظافر ، و السوداء من القذارة و قلة الاغتسال ..! كل ما يملكه ، في جيوبه ، حين جاء ، بعض أوراق صفراء ، قيل أنها ( حكمته ) التي ترصد الجن ، و تجتث شأفتها ..! و قلم ( كوبيا ) أزرق يغطمسه في ريقه عندما يكتب ، بطريقة عمياء ، تميمة لامراة ، أو لطفل ، أو لرجل ضد مرضه ، أو للزواج من أنثى لا تريده . لذلك كان لون شفتيه ، دائما ، أزرق بلون الحبر ..! و الغريب أنه وضع في عقل آل الساموك فكرة : إنه يُحاصر الجن في زجاجة ليخنقها ، مانعا إياها من الخروج ، لكل طفل يولد في بيت الساموك ..! حتى أن الأطفال أعطوه قداسة كآبائهم و أجدادهم ..! فراحو يقبلون يديه المتسختين ، و الجافتين ، كاغصان الشجر اليابس ..! و قد أدمنوا رائحته القذرة التي لا يستطيع من يتعرف عليه ، لتوه ، تقبلها .

****
في الحرب السورية الرهيبة طور تمائمه ، و راح يكتب تمائما جديدة للمتحاربين ( ضد الرصاص ) ..!! دون أن يسمح لأحد الاقتراب من قداسته أثناء الكتابة ، تحت طائلة التهديد بالعمى ، لمن يشعر به أنه يتجسس على الخطوط السرّية المدونة ، بالحبر ( الكوبيا ) على ورق التميمة . لكن ذلك الخوف الرهيب الذي زرعه العجوز الأعمى ، في نفوس آل الساموك ، و الذي سانده فيه ، عن إيمان ، كل آل الساموك الكبار في السن . لم يمنع فتى جموحا ، كان قد عمل تميمة عند العجوز ضد الرصاص ، و أصيب بعدها بعدة طلقات ، و كاد يموت ..! من أن يتجسس على الخطين المتوازيين الذين لا يلتقيان ، الذين يرسمهما الأعمى ، بشبه مسطرة من خشب ، على الورق المتسخ من يديه ، و لحيته الشعثاء المتسخة ايضا ..!
عاد الفتى يوما من المعركة ضد الأعداء من أقربائه من بيت الساموك ، و قد قدحت في ذهنه مزحة جادة ، قد تزعج كل عجائز العائلة ..! لكنه برر لنفسه ذلك الفعل ، في زحمة الموت المخيّم فوق دارة آل الساموك كلها ، و التي امتلأت مقبرتها بالقتلى ..! و أمام أطفال العائلة كلهم ..قال مخاطبا العجوز الأعمى :
_ أيها الجد المقدس ..!!! لقد و ضعت تميمتك على صدري ، و هي التي حمتني من الموت طيلة هذه الحرب المجنونة .. و ها أني أعود من المعركة ، و قد قتلت العديد من آل الساموك كرمى لعينيك..! و لكن طلقة واحدة لم تدخل جسدي ..! رغم أني كنت أسمع الطلقات ، من آل الساموك الآخرين ، تئز قرب أذني ..و ها أني أحمل بندقيتي ، و هي معبأة بثلاثين طلقة ، و سأعلق في عنقك التميمة التي كتبتها لي ..و سأطلق الرصاص عليك ، لأؤكد لك ، و لكل الحاضرين ، عظمة حكمتك ، و تمائمك المقدسة ..!! فما رأيك أيها الجد الجليل ..؟؟
**
لأول مرة يسمع أطفال آل الساموك المجتمعين حول الحدث ، و قد أخذتهم الشفقة على العجوز ، أن العجوز يتكلم ..و يصرخ بملء فمه ، و يخلع معطفه عن جسمه ، و يخرج كل أوراق حكمته ليبتلعها ، دون مضغ ، بهستيرية أرعبت الأولاد ..! و خلخلت مشاعرهم تجاه العجوز الأعمى ، الذي كان مرددا ، و متوسلا ، برجاء في وجه الفتى الجامح ، ألا يطلق النار عليه ..!!!!

ملاحظة : الساموك في الآرامية .. هو العمود ، الوحيد ، الذي يحمل سقف البيت ..!!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟