الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صلاح الدين خليل في مفاهيمه الفكرية و الحياتية ....حين يرفد الفن الأدب

شكيب كاظم

2016 / 11 / 1
الادب والفن


صلاح الدين خليل , كاتب وقاص ورسام , تخرج في أكاديمية الفنون الجميلة عام 1968 , وأقام معرضين للرسم عامي 1973و 1974 , وكتب مسرحية واحدة نشرها عام 1973 تحت عنوان ( نفوس بلا خارطة) ويبدو أن اللاجدوى قد أناخت بكلكلها على إهاب هذا الفنان الأديب الرقيق فصرفته عن الرسم و الكتابة , فسكت إلا قليلاً , إذ كنا نقرأ له بين أويقات متباعدة , مقالة أو دراسة , كانت صفحة ( آفاق ) في جريدة ( الجمهورية ) من أرقى الصفحات الثقافية في عراق السبعينات التي كان يشرف عليها الناقد ماجد السامرائي , كنت تجد فيها فسحة حرية , في وقت تصاعد الممنوعات و الادلجة, والكتابة وفق مسطرة الرقيب , الذاتي و المعنوي , لقد كان لكل منا رقيبه القابع عند أسلات قلمه , لذا كان من طبائع الحياة والأشياء أن يلجأ صلاح الدين خليل نحو صفحة ( آفاق ) لرحابة صدرها ودماثة المسؤولين عنها وما زلت استذكر صديقي المترجم الأنيق فيها محمد الجبوري زميلي في الصف الرابع الأدبي في الثانوية المركزية ببغداد سنة 1960/1961, ترى أين زميلي محمد الجبوري الآن؟

حتى إذا حصل التغيير , رأيت صلاح الدين خليل يعود إلى عالم الكتابة بقوة , انه يريد إفراغ شحناته القرائية وأفكاره , فالكتابة أشبه بعملية التنفيس عن الذات و الروح, وامتلائهما بالآراء والأفكار فكنت تجده يكتب في الصحافة في (الزمان) و (التآخي) (والأفق) و الدستور , حتى أن الأخيرة خصصت له عموداً أسبوعياً في صفحتها الثقافية ( منارات ) ظل يكتب فيه نحو ثلاث سنوات .

عودة الروح الثقافة

لقد عاش صلاح الدين خليل ما تشبه عودة الروح , الروح الثقافية و الرغبة الجامحة في الكتابة الفكرية و الإبداعية , فجمع غيضاً من فيض قصصه القصيرة ونشرها , مجموعته القصصية الأولى عام 2011 وَسَمَها بـ ( كتاب المستقبل ) ثم كان من الضروري , هو الذي ينظر إلى حقائق الحياة في سيرها السرمدي الأزلي نحو اللا أين ومن أجل تجسير الهوة الفاغرة فاها نحونا بالموت و التلاشي , أقول كان من الضروري لصلاح الدين خليل وهو الذي يرى أن الكتابة وجود إزاء الإمحاء الذي يتعرض له الفرد (…) وهي هم واهتمام وتأكيد للذات إزاء عوامل الهدم والتآكل التي يراد بها تغريب الإنسان وتحجيمه , وكان لابد له من لم شتات مجموعة من المقالات , في محاولة سباق مع الزمن خشية أن يطويها النسيان .

إزاء هذه الحقائق في المحو و التلاشي , و الأديب يرغب في إبقاء ما يذكِّر الناس به , فلا أقل من نشر بعض هذه المقالات الثاوية في بطون المجلات والجرائد, ولا اقل من انتزاعها من ثوائها ذاك ونشرها بين غلافي كتاب يبقيها مدة أطول في الذاكرة , ذاكرة القراء التي تنسى سراعاً, لذا جمع صلاح الدين خليل مجموعة من مقالاته الفكرية و الفنية الماكثة في بطون الجرائد , ونشرها في كتاب أصدرته مؤسسة ثائر العصامي ببغداد سنة 1435ه 2014م, حمل عنوان (مفاهيم في الفكر و الحياة) و احتوى على إحدى وستين مقالةً , نشرت في أماكن شتى وعلى مدى ما يقرب من نصف قرن , إذ نشرت له مجلة ( عبقر ) النجفية في عددها الخامس الصادر في شهر آذار من سنة 1968, دراسته المعنونة( نيتشه بين الواقع و المثل ), وحتى مقالته المعنونة بـ ( الفن بين الظاهر و الباطن ) المنشورة في صفحة ( منارات ) الثقافية لجريدة (الدستور ) في كانون الأول 2012 تقرأ هذه المقالات و الدراسات , فتقع على أفكار متلاطمة في الفن و الأدب و السيرة والاقتصاد و السياسة و التأريخ , مما يؤكد أن منشئها قد جاس في دروب المعرفة والقراءة الجادة و المستوعبة و الواعية , وإذا كان هناك من يؤكد إلحاد الفيلسوف الألماني فريدرك نيتشه , فان صلاح الدين خليل يأتي برأي طريف جدير بالتدبر , مسوغاً إلحاده أو مفسره بأن الحاد نيتشه كان إلحاداً ناقماً لا يصاحبه منطق ولا تدعمه براهين , لأنه لم يكن نتيجة تفكير منطقي سليم بقدر ما هو حاصل خيبة أمل في كل ما هو خير , تراجع ص12 من الكتاب.

من المعروف للدراسين و القراء الجادين أن المثّال العظيم مايكل أنجلو قد نحت تمثالاً رائعاً للنبي موسى , إذ أخذته سورة فرح وجنون وشعور بالعظمة , صرخ بالتمثال , ضارباً إياه بأزميله: تكلم يا موسى تكلم ! وقد فسرنا هذه الصرخة بأنها صرخة جنون وغرور كونه قد أتى بما لم يستطع الإتيان به الأوائل , إذ بلغ من دقته و إجادته في النحت خلقه تمثالاً لموسى يشبه موسى الإنسان , فما بقي عليه , سوى أن يتكلم وينطق , صارخاً به أن انطق فأنت ما عادت تنقصك سوى الروح , ولكن الفنان الأديب الحاذق صلاح الدين خليل يفجئنا برأي صادم وطريف مفاده أن التفسير الباطني لهذه الرؤية يتحمل دلالات أعمق (…) إن الفنان أراد أن يتشبه بالخالق الذي كلَّم موسى , فأراد من التمثال أن يتكلم معه .تراجع ص87.

وتظل مقالته المهمة المعنونة بـ ( الحوار المقطوع … لماذا ؟) مقالة جديرة بالقراءة والتدبر والمناقشة , لأنها تناقش مسألة حيوية مفادها أن الناس , عامة الناس تبحث عن ما يقيم أودها ويديم حياتها المادية الاعتيادية . إنها تبحث عن الأكل واللباس و الشراب و اللذائذ و العمل وجمع المال و الحديث الفارغ و الاعتيادي , والأدب و الدراسة شأن النخبة و الخاصة لذا عاش الأدباء ولا سيما في بلداننا الجاهلة عزلة مؤلمة , فالمرء عند عامة الناس , معدة وغريزة وسواهما أكذوبة وتصنُعُ, فأناس هذا شأنهم في الحياة الدنيا , لا ريب سينظرون إلى الأدب – كما يقول الكاتب صلاح الدين خليل – بوصفه صنفاً من الحقائق غير النافعة عملياً , إنه لا يؤدي للإنسان الاعتيادي غرضاً استعمالياً حياتياً كالفأس و المحراث و الغذاء و السيارة , بالرغم من إقرارنا بان هذه الأدوات لا تستجيب إلا إلى الحاجات الفسلجية الجسدية , وليست للحاجات الروحية (…) إذ أن الأدب قد يكون أكثر تعبيراً عن الجانب الميتافيزيقي البَطِرْ أو الجانب الكمالي ,. بينما تستجيب بقية الأشياء للجانب الأساسي و الضروري ككائن وجودي يبحث عن الطعام و الشراب و اللذائذ المحرمة منها وغير المحرمة. تراجع ص 117.

لقد بقينا وما زلنا وسنبقى إلى أمد قد يطول , نعاني مما يطلق عليه المصريون (عقدة الخواجة ) أي الانبهار بكل ما يصدر عن الغرب و التسليم به , ترى الم نتلقف في الثمانينات من القرن العشرين نظريات ما أسميناه بـ ( النقد الحديث ) وقعد نقادنا الحداثيون يدبجون مقالات في النظرية النقدية المستقاة من نقاد أوربة و الغرب , ونسوا النقد التطبيقي المهم في عملية النقد, مع أن هذه النظرية تلاشت وأصبحت مادةً قديمة. أذكر أني رأيت تخطيطاً بسيطاً للرسام بيكاسو في إحدى المجلات , كان تخطيطاً لوجه الزعيم الكوبي فيدل كاسترو, فقلت لأصدقائي , لو عرضتُ هذا التخطيط ونسبته لنفسي أما كنت سأصبح إهزوءةً , لكنه بيكاسو الذي يخرس الألسنة, وعن هذه المعضلة يتحدث الباحث صلاح الدين خليل في مقالته المعنونة (أفيون المثقفين) قائلاً ” ليس من حقك أن تفكر على حسابك الخاص , وإذا أردت أن تطرح رأياً فما عليك إلا أن تقدم كشفاً بالحساب تسند ما تقوله إلى عدد من الأسماء الأجنبية اللامعة التي أصبحنا نعبدها كأصنام الجاهلية . تراجع ص 123.

ومن مقالات أو دراسات الكتاب المهمة , الدراسة التي أعطاها عنوان ( الحرية أو الخروج على قوانين الطبيعة ) إذ يناقش فيها مقولة الفيلسوف الوجودي الفرنسي جان بول سارتر(1905-1980) إن الإنسان حر ومسؤول متسائلاً متى كان الإنسان حراً , وهو الذي يأتي إلى الدنيا , ولم يختر وطنه ولا والديه ولا أخوته ولا دينه , هل الإنسان حر في أن لا يموت ويبقى خالداً؟

ظاهرة البناء المقوَّس

إذن لا حرية للإنسان , وهذا ما أفاض فيه الفلاسفة المسلمون ترى هل الإنسان مخير أم مُسَيَّر , وانقسموا إلى فرق الجبرية و القدرية تقول بالجبر , وأخرى تقول بالاختيار , ونشأت معضلة أخرى , فإن كان الإنسان مسيراً ومجبراً فلماذا يعاقب على أفعال صدرت عنه لا باختياره بل بإجباره ؟ مما أدى – وقد استعر النقاش – إلى ظهور فرقة المرجئة , وأنهم يعنون بذلك إرجاء هذه الموضوعات ومناقشتها , ومن ثم محاولة البت فيها إلى يوم تقوم الساعة , إنهم يرجئون الأمر أي يؤجلونه أو ينسئونه إلى يوم القيامة , و الحديث في الأمر هذا يطول.

ويناقش الأديب الفنان صلاح الدين خليل , قضية مهمة طبعت الريازة العربية الإسلامية , وأعني بها ظاهرة الأقواس في البناء , فيرجعها إلى أنها حاجة بنائية وليست ترفاً , قبل أن تتحول إلى مسألة ذوقية وطابع بنائي خاص بالعرب المسلمين, فالوطن العربي ولاسيما العراق , بحكم صعوبة الحصول على الصخر, ولا سيما في وسطه وجنوبه , وتوفر التربة الصالحة للبناء وسهولة قولبة هذا المزيج وجعله طابوقاً, كان اللجوء إليه ضرورة هندسية سبقت صناعة الحديد , إلا انه سريع التلف و التآكل بسبب عوامل التعرية , ولهذا السبب بقيت آثار الرومان في بلاد يتوفر فيها الصخر , مثل بلاد الشام و الأردن وبعلبك في الجنوب اللبناني, كما رأيت آثارها ماثلة حتى الآن في مدينة لبدة الساحلية الليبية التي زرتها في شباط 1996 اثناء العطلة الربيعية لمدارس الجماهيرية الليبية , في حين لم يبقَ شيء من آثار عاصمة بني العباس في المدينة المدورة التي بنوها في الجانب الغربي الممتد من محلة الجعيفر وحتى منطقة العطيفية الحالية , قبل الانتقال إلى الجانب الشرقي , بسبب شغب الجند الترك , واعتدائهم على الناس , وتلك مسألة جديرة بالمناقشة , فالطين والطابوق و الخشب , تآكل بحكم الزمن وسريانه في حين ظل الصخر يقاوم تصاريف الزمن الذي لا يرحم. إن كتاب ( مفاهيم في الفكر و الحياة ) للمنشيء الفنان صلاح الدين خليل , ليعد إضافة جميلة لمنجزه , ولعل صدوره يكون حافزاً إلى مزيد من الكتابة الجادة والرصينة , التي – نحن القراء- بمسيس الحاجة إليها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصدر مطلع لإكسترا نيوز: محمد جبران وزيرا للعمل وأحمد هنو وزي


.. حمزة نمرة: أعشق الموسيقى الأمازيغية ومتشوق للمشاركة بمهرجان




.. بعد حفل راغب علامة، الرئيس التونسي ينتقد مستوى المهرجانات ال


.. الفنانة ميريام فارس تدخل عالم اللعبة الالكترونية الاشهر PUBG




.. أقلية تتحدث اللغة المجرية على الأراضي الأوكرانية.. جذور الخل