الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفتنة: ثورة المحايدين

عذري مازغ

2016 / 11 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


في المغرب، دس كرامة المواطن هي خاصية النظام المخزني اللاديموقراطي المتعفن، مع هذه الخاصية، تبدو مسالة الركون في لعبة النظام السياسي هذا هو أيضا ميول بدرجة التسعين لكل الأحزاب السياسية، في كل الحكومات المتوالية مع تحفظ كبير في الأمر فسقت أحزاب شاركت في الحكم كائنات غريبة بمجرد ما تتحول إلى السلطة تجدها بارعة في تمثيل هذه الخاصية، ولأننا، ربما لكثرة هذا المسخ السياسي المغربي بامتياز، ألفنا هذه الخاصية بشكل لم تهزنا إلا في لحظات عابرة، مرت فيها موجات من الإحتقان الإجتماعي بشكل عابر أيضا، السياسي عندنا لم يثبت جدارته في أن ينفض عنه تلك الخاصية، والنقابي كما راكمنا نسقيته في العقود الأخيرة تحنط بتلك الخاصية والجمعيات طوفان لم نعهده منذ زمن بعيد، في عمومها تعبر عن هذا الميل الخاص، وطبعا هناك الإستثناء الذي، كل هذا الطوفان يحنق عليه، مثلا الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أصبحت الآن عدوة للقريب قبل البعيد، أصبحت معيارا يقاس به كل تجذر برغم أنها تحتل بمعايير كونية الوسطية والإعتدال باعتمادها معايير القوانين المبدئية الكونية للحق. وعليه فهي في المغرب عدوة لمن يشحنه هذا الميل العام من دس كرامة المواطن.
في تونس الشقيقة، كانت ظاهرة البوعزيزي كافية لتغير الوضع فيها لأنها استندت إلى قاعدة مدنية نسبة الميل إلى دس كرامة المواطن للهيآت المدنية أقل درجة منها في المغرب، وربما الإستثناء التونسي أكثر نشاطا واكثر اكتساحا من نشاط الهيآت النظامية المميزة بهذه الخاصية في نظام ابن علي . ربما أحسد تونس أكثر على استثنائها الرائع، أحسدها على سلامة جس شعبها الرائع وأحسد كل رجالاتها التاريخيين الوسطيين والعقلانيين، أحسدها على بورقيبة الذي منحها بعض العافية وزرع فيها القليل من حب الوطن، أنشأ جيلا ذي حس وطني نفتقده في المغرب الذي تحول فيه الحب هذا إلى حب أصنام خارقة سميت جزافا بالثوابت فيما عند كل شعوب العالم يتأسس حب الوطن استنادا إلى الحق المدني المتغير تماشيا مع صيرورة مجتمع حي يتغير هو أيضا بنفسه.
امام الثابت لا يوجد حل سوى أن تصطدم به، وإن كان أكثر تجدرا في الثبات يصبح الصدام معه انتحارا، هذه هي خاصيتنا في المغرب الذي يعرف أكبر نسبة في العالم من حيث حالات الإنتحار، لعل أكبر عمليات انتحار جماعية في المغرب هي تلك الموصوفة بالغرق في البحر المتوسط أو في المحيط، كلها حالات موصومة بما هو اجتماعي سياسي اقتصادي ومع ذلك تبدو في الخطاب الرسمي المغرب كحالات لا شرعية، في أحسن الأحوال مغامرات فردية، ومن ثم لم تعتبر قط حالات انتحار.للمقارنة فقط، أحدثت الأزمة الإقتصادية في إسبانيا خرقا شاسعا في بنية المجتمع نتج عنها هجرة آلاف الشباب نحو بلدان أخرى، هذا الأمر أحدث زوبعة عالية من الجدل السياسي الإعلامي لم ينتهي بعد حتى الآن برغم أن هذه الهجرة لم تسجل حتى الآن حالات غرق أو موت . هذه الزوبعة تثيير شيئا واحدا فقط هو أن هذا الشعب ينعش أكثر بالحياة.
في المغرب تنطفيء كارثة بأحجام كارثة أخرى بشكل أصبحت صيرورتنا التاريخية هي انتقالنا من كارثة إلى أخرى، كائناتنا السياسية هي أخبث وأقبح كائن على وجه الأرض، مهرجون، بهلوانيون، رقاصون، عبدة أصنام يلوثون فضاءنا بضجيجهم المرعب، السياسي عندنا يبعث على القرف، المثقف والفنان وكل ما يعبر في ثقافة الأمم عن بهجة الذوق وسلامة الحس هو عندنا مقرف، هل تتذكرون أواسط الثمانينات؟ امتلأت سقوف بناياتنا بأواني الكساكس الألومينيومية لاقتناء قنوات العام، كانت موجة عارمة من هجر فضائنا الإعلامي، كان إعلامنا مرعبا تماما وكان الناس يحاولون بالكساكي استرجاع حسهم أو الحفاظ على سلامة ذوقهم، طبعا بالتسلسل تلتها موجة البارابور ثم أخيرا موجة النيت.
في المغرب كما قلت كارثة تطفي كارثة، وفي كل كارثة توضع لجنة تحقيق يشرف عليها المتورطون في الكارثة، ثم ما تلبث أن تظهر كارثة اخرى تنسينا أمر الأولى وتبخر نتائج التحقيق فيها. كل يوم تهزنا قذارة الأحداث ولا نملك نحوها إلا الضجيج في الفضاءات الإفتراضية، وكلما أثيرت قذارة أثير حولها بلسم الفتنة، الكل يخشى الفتنة بشكل أصبحت هي بالذات تنتفخ أكثر، ومرات تنفجر لوحدها ذاتيا هنا وهناك حسب مستويات الضغط، في غياب تام لهيآت المجتمع السياسي والمدني الخائف من الفتنة أيضا. نعم ستنفجر الفتنة يوما ما في غياب أي تأطير واعي، سيكون الدهس والدهس المضاض خاصيته بدون توجيه أو تحكم أو تأطير، ننتظر في المغرب ثورة اجتماعية فريدة من نوعها في التاريخ العالمي: ثورة "المحايدين" الخارجين من كل المواقع، في المقابل سيكون لنا في الجهة الأخرى محايدون مغتربون يتفرجون هم بالتأكيد هؤلاء الأحزاب السياسية والهيآت النقابية المحايدة من الفتنة، من الصعب أن نستلهم ما يقع في دولة الكوارث الإجتماعية، القائمون في أحزابهم يتلقفون كل ما يصلهم من همس المؤسسات الدولية، يمأسسون الأزمة ويدخلون في تشكيل بنيتها ثم يتملصون حين تنفجر بدعوى أنهم يتجنبون الفتنة، يجنبون المغرب الويلات.الذين يخافون أن تتكرر في المغرب مآسي سوريا هم بتجنبهم ذلك يدفعوننا إلى صلبها أي أنهم بتغييب مسؤولياتهم التاريخية نحو البلد يدفعونها إلى أن تكون ثورة المحايدين، ثورة من لا موقع لهم في المغرب على الإطلاق، بالملاحظة، في سوريا، فاضت سوريا فجأة بقيادات سياسية تقود "النضال" كان أغلبها في السابق ممن يغني أغنية الحياد، أسماء لا نعرفها أصبحت فجأة أسماء أمراء وقادة ميليشيات ووو..
إن مسؤولية الهيآت السياسية في أزمة تتراكم لتنفجر هي في خلق تيار مناهض لسياسة البؤس مناهضة قائمة بالفعل على خلق بدائل حقيقية في النهوض بالبلد من دولة أساسها بنية أزمية تنتفخ، أسس هذه البنية هي ثوابت قائمة على تفريخها هي:
تركيز السلطة في مؤسسة الملك بشكل يفرغ مؤسسات الدولة من أي دور حقيقي لها (نفس الأمر كان أيضا في سوريا)
غياب التداول في الحكم بشكل يؤدي إلى ثبات القرار السياسي الذي هو في المغرب سياسة المؤسسة الملكية نفسها (الإنتخابات الشكلية لا تمكن إلا من تغيير رئيس الحكومة الذي ينتمي عادة إلى الحزب الفائز، والذي حين يكرس يصبح أمينا ويدا يمنى تنفذ تعليمات المؤسسة الملكية نفسها، حتى في الخطاب الرسمي، لم يأت وزير أولا ما من حزب معين ويعلن أنه سيقوم بتنفيذ برنامج حزبه الذي انتخب لأجله، بل يعلن رسميا أنه خاضع للتعليمات الملكية).
إعطاء الشعب حقه في التدبير السياسي اعتمادا على آليات حقيقية لتصريف هذا التدبير ونزع طابع الرعوية عنه
منح استقلالية أكبر للبلديات والجماعات والأقاليم والجهة بشكل يسمح لها بتدبير مواردها وتكييفها مع معطياتها الجيوسياسية الإجتماعية الإقتصادية(وظيفة القائد والعامل وعامل الجهة تمنح لمنتخبين باعتبارهم يمثلون مناطقهم وليس باعتبارهم معينون بظهير شريف ينفذون بدورهم التعليمات ).
قبل كل هذا يجب تشريع قوانين تمكن من الصرامة في هدم بنية تمركز القرار السياسي وتتيح آلية لمراقبة هذه المؤسسات من قبل مجالس شعبية منتخبة
هذا دون أن نتكلم على الثوابت الأخرى الموازية والتي تتمركز كلها في شخص المؤسسة الملكية، كالمؤسسة الدينية والمؤسسة القضائية، لكن على الأقل، وبما أن خطاب أحزابنا يميل إلى ظاهرة التقطير السياسي التي تتوافق مع ما يسمونه بالسلم الإجتماعي والإعتدالية وما إلى ذلك من قاموس التهذيب فإن أحد أهم الخصائص التي تمنحها مصداقية حقيقية هو استقلال قرارها السياسي وضمان تنفيذ برامجها دون أن تتأثر بتعليمات معينة خارجة من مركز القرار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الفتنة
Almousawi A.S ( 2016 / 11 / 4 - 10:01 )
حس وطني نفتقده في المغرب الذي تحول فيه الحب هذا إلى حب أصنام خارقة سميت جزافا بالثوابت فيما عند كل شعوب العالم يتأسس حب الوطن استنادا إلى الحق المدني المتغير تماشيا مع صيرورة مجتمع حي يتغير هو أيضا بنفسه
تعودت على الاحتفاض بالابداع في موقعي ليوم واحد
ايمانا مني بشروق شمس جديدة اخرى كل يوم
غير ان هذا اللحن ليس مغربيا
بل العالمي وسيخلد
فهو شامل وشفاف
لمأساة متكررة بشعة
مع بقاء الخشوع والانبهار والتفاخر بالتقاط صورة مع ولي الامر الحاكم المفتدى
لك احر تحية

اخر الافلام

.. إغلاق مراكز التصويت في الانتخابات البريطانية| #عاجل


.. إيران.. تعرف على مواقف جليلي وبزشكيان في ملفات السياسة الخار




.. مقابلة خاصة مع نائب وزير الخارجية التركي ياسين أكرم سرم


.. أوضاع الشرق الأوسط وحرب غزة تحظى باهتمام كبير في قمة شانغهاي




.. نتنياهو بين ضغط عائلات المحتجزين وتهديدات ائتلافه اليميني