الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا للعقوبات الجسدية في المدارس

عبدالخالق حسين

2016 / 11 / 3
حقوق الاطفال والشبيبة


لا للعقوبات الجسدية في المدارس

د.عبدالخالق حسين

العنف بشتى أنواعه، الجسدي والكلامي، يحتل حيزاً واسعاً في الثقافة العربية-الإسلامية الموروثة (culture). وأكاد أجزم أن ثقافة العنف هذه هي السبب الرئيسي في تخلف هذه الشعوب وعدم استقرارها وازدهارها، وأحد أهم المعوقات أمام الديمقراطية. فالديمقراطية التي نحلم بها، هي نتاج تربية حضارية تبدأ من العائلة مروراً بالمدرسة والجامعة والمجتمع والسلطة...الخ. وهناك شبه إجماع لدى الفلاسفة، وعلماء التربية، أن أهم مرحلة تؤثر في حياة الإنسان وتشكل شخصيته ومستقبله، هي مرحلة الطفولة، إذ كما قال الفيلسوف البريطاني برتراند راسل: "الحرب تبدأ من رياض الأطفال".

المجتمع العراقي معروف بالقسوة و ثقافة العنف، فالإنسان العراقي مقموع في جميع مراحل نموه وتطوره، من المهد إلى اللحد، يتعرض للعنف منذ الرضاعة. ومما ينقل عن موروثنا الاجتماعي في هذا الصدد أنه عندما يأخذ الأب طفله إلى (الكتاتيب)، أو المدرسة لأول مرة، يقول للمعلم "لك اللحم ولي العظم"، أي من حق المعلم أن يضرب الطفل حتى يهرس لحمه، ولكن دون أن يكسر عظامه، وهذا العنف يرافقه في جميع مراحل الحياة.

وبهذه التربية القاسية القائمة على العنف، ليس من المتوقع أن يتحول هذا الإنسان إلى ديمقراطي حقيقي يحترم الرأي الآخر المختلف بمجرد إسقاط حكم البعث الفاشي. فصدام حسين وناظم كزار، وعلي صالح السعدي، ومئات الألوف من أمثالهم الذين مارسوا، ومازال أمثالهم يمارسون العنف، هم نتاج هذه الثقافة الاجتماعية التي تقدس العنف. فقد كشفت الدراسات في علم النفس وعلم الاجتماع، أن معظم المجرمين الذين ارتكبوا الجرائم ضد الأطفال وخاصة الجرائم الجنسية، كانوا هم ضحايا هذا النوع من الجرائم في طفولتهم. كذلك معظم القادة السياسيين الذين اضطهدوا شعوبهم كانوا قد عاشوا طفولة قاسية مثل صدام حسين وهتلر وغيرهما.

مناسبة هذا المقال هي مشاهدتي لفيديو قصير (دقيقتين)، نرى فيه معلماً سادياً يوجه عقوبة جماعية لأطفال مدرسة ابتدائية في محافظة ميسان، نشاهد طابوراً من الأطفال الصغار في حالة رعب وفزع، كل ينتظر دوره لهذا العقاب الجماعي الذي هو على شكل صفعة على الوجه، تليها جرة أذن، وضربة بالعصى على الظهر. أرجو من القراء الكرام مشاهدة هذا الفيديو قبل مواصلة قراءة ما تبقى من المقال، وهذا هو الرابط:
(حالة ضرب واعتداء على تلامذة اطفال في مدرسة الزهاوي في العراق/ ميسان)(1)
https://www.youtube.com/watch?v=q2NQHgDj3-0&feature=youtu.be

لا شك أن سلوك هذا "المربِّي" مقرف ومؤلم إلى أبعد الحدود. ورغم أن الحادث قد مر عليه عام، وعلمتُ من صديق أن وزارة التربية عاقبت المعلم بالفصل، إلا إن هذا الإجراء الفردي لا يكفي إطلاقاً وبلا فائدة. فالمعلم الذي قام بهذه الفعلة الشنيعة كان بالتأكيد يعتقد أنه قام بواجبه المقدس، لكسب مرضاة الله وإعجاب الشعب، لأن ما قام به هو مقدس في الثقافة الاجتماعية (العصا لمن عصى) و(لك اللحم ولي العظم).


نشرتُ مقالاً قبل 8 سنوات، بعنوان (دعوة لحظر العقوبات الجسدية في المدارس)(2). والغريب أني تلقيت تعليقاً من أستاذ جامعي متقاعد، مختص في الأمراض العصبية وعلم النفس، استنكر دعوتي تلك، قائلاً، إذا ألغت الدولة العقوبات الجسدية (Corporal punishment)، فسيقوم الطلبة بالاعتداء على المعلمين، ولا يبقى أي هيبة واحترام لهم.
لا شك أن هذا الاحتمال وارد، إذ نلاحظه في الدول الغربية التي ألغت هذه العقوبات، ولكن نسبة تجاوز الطلبة على المعلمين قليلة جداً جداً، وهي لا تختلف عن نسبتها في الفترة التي كانت تمارس فيها العقوبات الجسدية. إضافة إلى أضرار العقوبات الجسدية على نفسية التلميذ ومعنوياته وأدائه الدراسي، ومستقبله، وبالتالي على المجتمع.

فالمطلوب من المعلمين والمدرسين أن يقيموا علاقة حب واحترام بينهم وبين تلامذتهم لكي يحب التلامذة معلميهم و دروسهم ومدرستهم. ولكن الحالة التي شاهدناها في الفيديو، تنتج العكس، إذ ليس صعباً علينا أن نتصور مشاعر هؤلاء الأطفال الصغار الأبرياء وهم يتلقون الإهانات والصفعات على وجوههم. لا شك أن مشاعرهم هي الكراهية للمعلم والمدرسة والدروس، إضافة إلى أنهم يتدربون على العنف، وسيمارسونه فيما بينهم وعلى غيرهم في المستقبل، سواء على أطفالهم، وعوائلهم، أو تلامذتهم إن صاروا معلمين. وبهذه الطريقة تتكرر دورات العنف في المجتمع الذي صار مرتعاً خصباً لإنتاج الإرهابيين.
في الحقيقة، العنف ليس المشكلة الوحيدة التي تعاني منها المدارس العراقية، وإنما هناك أزمات عديدة وعلى مختلف مستويات التعليم، من الابتدائية إلى الجامعة، في تدهور مستمر، يهدد الجيل بكارثة التجهيل. فهناك تقصير متعمد في جميع المجالات، سواءً على مستوى الأبنية، إذ مازالت بعضها طينية تفتقر لأبسط القواعد الصحية، أو طباعة الكتب المدرسية التي مازالت تطبع في الخارج رغم توافر المطابع الحكومية المتطورة(3)، أو لا أبالية المعلمين والمدرسين، واستخدام العنف...الخ.(4)

وفيما يتعلق باستخدام العنف مع التلامذة، كتب لي صديق، وهو كاتب متميز، بعد اطلاعه على مسودة مقالي هذا، التعليق التالي: ((... وأنا اتواصل مع قريب لي تعرض ابنه للضرب المبرح لأن المعلمة تكره ام الطفل فقررت الانتقام من الطفل، ولاحقا كتب الطفل انشاءاً ممتازا فاعطته علامة صفر كرها وحقدا على امه.. طلبتُ منهم ان يرفعوا الامر الى التربية فقالوا: "ستكون النتيجة انهم سوف يرسبونه في صفه كما حدث مع فلان وفلان وفلان...".)) أنتهى.

لا شك أن لهذا التردي المريع في المدارس العراقية، نتائج وخيمة في مستوى تعليم أبناء هذا الجيل ومستقبله. لذلك اضطر كثيرون نقل أطفالهم إلى مدارس القطاع الخاص رغم ما يكلفهم ذلك من مبالغ فوق طاقة البعض منهم، ولكن من أجل أن يضمنوا لأطفالهم تعليماً أرقى، ومستقبلاً أفضل.

لذلك، وكإجراء عملي وإنساني للتخلص من جميع النواقص والمشاكل التي تعاني منها المدارس الحكومية نقترح ما يلي:
أولاً، على البرلمان العراقي تشريع قانون منع العقوبات الجسدية في جميع مراحل التعليم في العراق، وذلك لمنح التعليم وجهاً إنسانياً وليس عدوانياً.
ثانياً، نهيب بوزارة التربية والتعليم، العمل الجاد للتخلص من جميع السلبيات التي أشرنا إليها أعلاه، وكتب عنها زملاء آخرون، أدرج روابط مقالاتهم في هامش هذا المقال، مثل مقال الإعلامي السيد سالم مشكور(3)، ومقال الأكاديمي أ. د. محمد الربيعي(4).
[email protected]
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات علاقة
1- فيديو: حالة ضرب واعتداء على تلامذة اطفال في مدرسة الزهاوي في العراق/ ميسان
https://youtu.be/q2NQHgDj3-0

2- عبدالخالق حسين: دعوة لحظر العقوبات الجسدية في المدارس
http://www.akhbaar.org/home/2008/12/60277.html

3- سالم مشكور: كوارث التعليم عندنا!
http://www.akhbaar.org/home/2016/10/219614.html

4- أ. د. محمد الربيعي: وزير التربية.. الرجاء تقديم استقالتك!
http://www.akhbaar.org/home/2016/11/219840.html








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مجتمع يحكمه الاموات
يحيى طالب ( 2016 / 11 / 3 - 23:36 )
المجتمع العراقي يحكمه الاموات من نبيها وائمتها ورجال دينها وكلهم اموات ولم يروهم لكن يحكموهم من قبورهم وحتى امثال اجدادهم البايخة والغبية يرددوها بلا علم ولا فهم ويطبقوها في حياتهم ليحافظوا على غبائهم الموروث ومن هذه الامثال التافهة ماذكرته حضرتك ( لك اللحم ولي العظم ) وغيرها من تفاهات مثل ( ذبها براس عالم واطلع منها غانم ) ويقصد امشي على فتوى عالمك الديني وتخلص من المسؤولية !! اي امتنع عن التفكير وانطي لعقلك اجازة ! واتمنى من الدكتور ان يكتب مقالة موسعة عن هذه الحالة التي هي مثل الوباء في المجتمع العراقي -- شكرا لكم دكتور وشكرا لموقع الحوار


2 - ليل و نهار وصبح ليل و ليل وصبح
شيخ صفوك ( 2016 / 11 / 4 - 23:40 )
كرّرعو راسنا بالامثال و القصص البايخة و الطفولية عن أهل البيت الاطهار و عن الاءممة و عن مآثرهم و بطولاتهم و شجاعتهم و كرامتهم و ايثارهم و إيمانهم .. الطفل العراقي لا يعرف شيء عن العالم لا شيء إطلاقاً بس يعرف الصلاة و الصوم .. اطك روحي بحديدة


3 - صور رائعة : انثى الدب تؤدب طفلها مثلما يفعل البشر
ليندا كبرييل ( 2016 / 11 / 5 - 09:09 )
تحياتي أستاذنا القدير عبد الخالق حسين

لأنه موضوع يتعلق بتربية الطفل وتعليمه وتثقيفه وإعداده للحياة واحترامه كإنسان واحترام حقوق الإنسان ، لأنه كل هذا لم يتفضل إلا كبيران محترمان يشاركان في التعليق على مقالك القيّم

لا إضافة لي على قولكم وقول الأساتذة الزملاء

لي رجاء أن تتفضل بقراءة مقالي
بتوفيق من الله وبعون منه، انْضرب الأيتام وأُذِلّوا

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=427241

هذه ليست مصيبة العراق فحسب، إنها ثقافة تشمل كل مدارسنا وبيوتنا وأماكن عملنا
الطفل لا حقوق له في مجتمعنا الجائر الظالم

أهديكم صوراً رائعة، لأنثى الدب تؤدب طفلها، هذا رابطه
http://vb.3dlat.net/showthread.php?t=177596

وقد لا يظهر معكم كما حصل معي، الرجاء اللجوء إلى غوغل فيظهر مباشرة

تشكر أستاذنا المحترم
ولك خالص الاحترام
وللمعلقين الكرام أطيب تحية


4 - تحية وتقدير للكاتبة القديرة ليندا كبرييل
عبدالخالق حسين ( 2016 / 11 / 5 - 10:16 )
سيدتي الفاضلة
جزيل شكر والامتنان على تعليقك الرائع والمؤلم في نفس الوقت. نعم، لم ينل مقالي هذا سوى تعليقين قبل تعليقك، ولا أي تعليق في الفيسبوك. والسبب هو أن بعض الأخوة (وليس كلهم طبعاً)، لا يهتمون إلا بورود كلمة هنا لا يرضون عنها، أو اسماً هناك يكنون العداء له ليرفضوا كل المقال وينهالوا بالشتائم على كاتبه.
تعليقك القيم هذا جاء مكملاً للمقال لتوضيح حجم المأساة التي تعاني منها الطفولة في بلاد -خير أمة-، وكيف يصنعون منهم جلادين وإرهابيين للمستقبل.

في الحقيقة أنا أتابع مقالاتك وتعليقاتك القيمة النابعة عن وعي متقد وضمير حي. ولو سمحتِ، بودي أن أبعث مقالك القيم (بتوفيق من الله وبعون منه) إلى مواقع أخرى لإعادة نشره ولتعميم الفائدة.

هذه السادية منتشرة في العالم العربي والإسلامي، يدعمها الموروث الاجتماعي من عهود التخلف الغابرة، ويختلقون لها حتى مبررات دينية. لذلك لا غرابة إذا انتجت مجتمعاتنا منظمات إرهابية مثل داعش وماعش والقاعدة وغيرها... علينا أن نواصل النضال لمواجهة هذا التوحش و إنقاذ المجتمع من شروره.
خالص الشكر والتقدير لك وللأخوة المعلقين الأفاضل


5 - تتوقف القضية على الوعي والثقافة لا على القوانين
ليندا كبرييل ( 2016 / 11 / 5 - 23:46 )
تحياتي أستاذنا الفاضل عبد الخالق حسين

جزيل الشكر على جهودكم

أستاذنا

نحن لا ينقصنا الإنسان المتعلم
فعندنا نخبة ممتازة من القامات العالية

ولا ينقصنا قوانين
فالعقول الفذة من أبناء أوطاننا استطاعت وما زالت اجتراح قوانين تدل على بصيرة متفتحة

ولا ينقصنا دين
فالدين ليس رادعا لمن فقد الإنسانية بل يحفز أصحاب الميول المنحرفة على الاحتماء بما رخّص لهم لمغفرة الخطايا

أبطال مقالك،ومقال الأيتام كلهم متدينون

وتطالعنا أسماء لرموز دينية تحمل القدسية،محمد،إلهام،عثمان،مكة المكرمة
وتستأثر بمشاعرنا كلمة(فقراء أيتام)الذين ذكرهم الله في كتابه المقدس
وفي مقابلة السيدة إلهام تتردد عبارات(بعون الله وبفضل الله وترتيب الله) تُحشر بين جملة وأخرى،وكلمة وأخرى،ولم يبق إلا أن يفككوا الحروف ويزينوها بهذه العبارات

هؤلاء وغيرهم من الخارجين عن الحس الإنساني،ينسون أن يكونوا أصحاب دين متزعّم،يدّعي العالمية والإنسانية والقدوة الحسنة،الصفات التي تسقط جميعها عند أول امتحان للنوايا الصادقة

كذلك تسقط كل قوانيننا وعلمنا الفذ وقاماتنا العالية عند غياب(لثقافة التي يدعمها الوعي)

يلزمنا العقل الواعي الصانع المستنير

تقديري

اخر الافلام

.. أزمة المياه تهدد حياة اللاجئين السوريين في لبنان


.. حملة لمساعدة اللاجئين السودانيين في بنغازي




.. جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في ليبيا: هل -تخاذلت- الجن


.. كل يوم - أحمد الطاهري : موقف جوتيريش منذ بداية الأزمة يصنف ك




.. فشل حماية الأطفال على الإنترنت.. ميتا تخضع لتحقيقات أوروبية