الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الموت العفن ، أو عندما ترخص قيمة الشعب .

رشدي الصافي

2016 / 11 / 3
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


إن الدافع وراء كتابة هذا المقال ، هو الدافع نفسه الذي يحرك بوصلتي في هذه الحياة . هو الانتصار و الانحياز الدائم إلى الطبقة الشعبية ، و الضعفاء من الناس ، و رفض الظلم والاضطهاد بكل أشكاله . لذلك فمقالي لن يكون بالموضوعية التي ينادي بها بعض مثقفي الصالونات و الأبراج العاجية، عند تعاطيهم مع قضايا مجتمعاتهم . لأن قضية ، كقضية "محسن فكري " (الحوات) الذي طحن في شاحنة للأزبال كما تطحن النفايات ، وغيرها من قضايا أبناء الوطن الضعفاء الذين يعانون من بطش السلطة و الاضطهاد واحتقار النظام الملكي المستبد، لا تحتاج لموضوعية المناهج التحليلية. بل إلى التحدث بصوت الانسان المقهور اجتماعيا ، و الانحياز و النزول إلى ذلك الكائن المحتقر لنفسه من شدة الاحتقار الذي تمارسه السلطة عليه . و أعتقد أن هذه هي المهمة الموكلة تاريخيا لكل مثقف و سوسيولوجي و مفكر يعي قواعد الصراع الطبقي، و يطمح لبناء مجتمع معافى من كل الأمراض الاجتماعية.
لقد أعادت قضية محسن (الحوات) الذي قتل مطحونا في شاحنة للأزبال بأمر من السلطة المخزنية ، عندما حاول الدفاع عن قوت يومه ، إلى ذهني العديد من القضايا المشابهة . من أبرزها قضية (مي فتيحة الخبازة) ، التي هي الأخرى اختارت الموت على المذلة ، بإضرام النار في جسدها ، احتجاجا على القمع الذي تعرضت له من طرف رجال السلطة وأعوانهم . و قضية التلميذ الذي أضرم النار في جسده احتجاجا على عدم سماح المؤسسة بإكمال دراسته و قبول استعطافه . و لا ننسى ضحايا الفيضانات في إقليم كلميم سنة 2014 ، الذين نقلوا في شاحنة النفايات. في مشهد لا يمت للإنسانية بصلة ، و غيرها من القضايا التي ذهب ضحيتها أناس بسطاء ، نتيجة رغبتهم في العيش الكريم ، ومطالبتهم باحترام حقهم في الحياة.
في مقابل كل هذا ، يتم التعتيم على مثل تلك القضايا ، التي تعبر عن صرخة داخلية للشعب المغربي و احتقانه الشديد . يتم طمسها من خلال عكس تيار الصراع باتجاه قضايا هامشية ، لا تبت للجوهر بصلة . يتم أيضا التلاعب بالعقول ، كما فعلت الداخلية مع قضية محسن ، بحيث أنها ارتجلت سيناريو الحدث ، بأن الأمر يتعلق بالضحية الذي عارض أوامر الشرطة بالحجز على البضاعة التي تعتبر غير( قانونية ). مع أن الحجز يعني وضعها في مكان تابع لشرطة ، وليس في شاحنة نفايات . و من جهة أخرى تلعب الداخلية دور المحقق (كونان) ، رغم أن معالم الجريمة واضحة وأصحابها معروفون . لكن بما أن الأمر يتعلق بجنات مخزنيين ، فإنه يتم تهدئة الحشد الغاضب إلى أن يتناسى الوقائع ، كما حدث مع محرقة خمسة شباب في مدينة شهيد (الحكرة) أيام عشرين فبراير سنة 2011 . التي وعدت الداخلية بفتح تحقيق خلالها ، لكنها لم تفتح أي تحقيق مع رجال الأمن الذين كانوا وراء تعذيب الشباب الخمسة واحراقهم داخل بنك.
لا أريد أن أعلق على الأحداث ، أو أن أذكر تفاصيلها ، لأنها باتت معروفة .و لا (فردنة) القضية ، ما يهمني أكثر هو أن أجيب على سؤال واحد :
من وراء ترخيص قيمة المواطن المغربي إلى الدرجة التي صار فيها يرمى به في شاحنة مع النفايات القذرة ، أو أن يحترق إلى درجة التفحم دون أي اعتبار؟
إني أجد أن الأمر جد عادي أن يصل الشعب المغربي إلى هذا الحد من الاحتقار ، بحكم أنه انسان مغيب تاريخيا ، و مهجن من طرف كل المؤسسات السلطوية وعلى رأسها القصر الملكي الممثل في شخص الملك ، الذي خرج في خطابه الأخير، بتصريح اعتبره العديد من المطبلين للقصر ، على أنه تصريح تاريخي، لأنه وجه أصابع الاتهام إلى المسؤولين و أمر بضرورة عقلنة السلطة ، و وعد بوقف كل شطط في استعمال السلطة . لكنه في الحقيقة خطاب مكرر و بهلواني و خطاب لاستهجان العقول، و الضحك على الذقون . بحيث لا يمكن اطلاقا عزل أو تبرئة القصر من ما يقع من بطش في السلطة ، باعتباره المؤسسة الأولى و العليا التي تمارس التسلط و تأمر الولات و العاملاء بممارسته و هي من تعطيهم كل الصلاحيات لممارسة هذا الفعل ، سواء في شكله السيادي أو المادي . و بالتالي فعزل القصر عن كل ما يجري من احتكار هذا البطش و المبالغة في التسلط ،هو تشويش على الفهم الصحيح لآليات تمرير السلطة على المجتمع ، في بعدها الماكرو سياسي و ميكرو اجتماعي.
كلنا نعلم أن النظام الملكي في فترة حكم الحسن الثاني ، هو من صنع مفهوم "المخزن" كالية لترهيب المعارضين ، وزرع ثقافة الخوف في عموم الشعب ، إبان الحراك اليساري في سنوات الرصاص ، بالتالي اكتسب هذا المفهوم هالة وقدسية صارت متجذرة في نفوس المغاربة على مدى عقود كثيرة . أعطت من جهة أخرى شرعية مبالغ فيها لرجال السلطة ورفعت من شأنهم من الناحية الاجتماعية والقيمة الفردية . كل هذه الشروط جعلت (البوليسي ، و القايد ، و العامل ...) ، أشخاص فوق الجميع ، وفوق القانون نفسه . و أمام كل التجاوزات والاعتداءات التي يمارسها هؤلاء على الفئات الشعبية . لم يفعل النظام أي شيء يذكر لرد الاعتبار للمواطن ، بل على العكس تماما ، في السنوات الأخيرة تم تطوير الجهاز القمعي برعاية ملكية ، وذلك بإدخال أخر معدات القمع ، و منح صلاحيات إضافية للشرطة و القوات المساعدة ، بالإضافة إلى الرفع من راتبهم ، الذي صار يفوق راتب الأستاذ. و صلاحيات كثيرة لضباط و العملاء.
في ظل هذا الرفاه المادي الذي صار يعيشه رجال السلطة برعاية ملكية دائمة ، كانت شريحة عريضة من المجتمع المغربي تعيش الفقر المدقع الذي كان أيضا برعاية ملكية . بحيث نجد أن الملك يظهر في القنوات المخزنية ، بمنظر يحتقر كل المغاربة و يقلل من شأنهم . مثل حفل توزيع سلل المواد الغذائية على الفقراء في شهر رمضان . هذا المنظر كان يحقر من قيمة المغربي أمام العالم أكثر من بطش رجال السلطة ، وكان يخدم شرعية شخص الملك في قلوب ملايين الفقراء الذين لا يعرفون عن قواعد اللعبة السياسية شيء ، بحكم أنهم بشر مغيبون عن الوعي الطبقي ، من خلال صراعهم اليومي لكسب لقمة العيش (طرف الخبز).
في ظل انسداد كل السبل المشروعة في الرقي بالوضع المادي و الاجتماعي للطبقة الشعبية ، وفي ظل اقتصاد الريع المرخص من طرف القصر ، وفي ظل الثروة المهربة من طرف الملك إلى دول العالم ، التي تكفي لحل كل مشاكل المجتمع الحالية في الصحة والتعليم والدخل الفردي و الشغل ...و صمت الطبقة المتوسطة وسعيها لتحالف مع مصالح المخزن. اتجه أبناء الطبقات الفقيرة إلى سلك السبل الغير مشروعة في نظر رجال السلطة ، كبيع سمك غير مرخص من طرف أباطرة الريع ، أو عرض مواد و ألبسة مهربة للبيع في سبيل كسب القوت اليومي فقط . لكنهم وجدوا أنفسهم أمام الآلة القمعية للنظام ، التي تحمي مشاريع الملك و حاشيته. فما كان للعديد منهم خيار آخر إلا الهجرة عبر زوارق الموت تجاه أوروبا ، أو نهج استراتيجية الكر والفر مع عناصر الشرطة و القوات المساعدة ،أو اختيار الموت كأداة احتجاجية على القهر .كما فعل الشاب محسن .
إذا المسؤول عن كل ما كان ، و كل ما قد يكون ، هو شخص رعى الريع و الفساد و راكم الثروة على حساب شعب بأكمله ، هونظام صنع آليات القمع . و حقر من شأن كل مغربي حر، يطمح لأن يكون إنسانا كريما . لذلك فالشعب المغربي الآن أمام مرحلة تاريخية ، و خطوة نضالية لا يمكنه التراجع عنها ،إلا عندما يسترد كرامته و يقتلع بنفسه جذور الفساد . و إنزال كل الرموز المقدسة التي تدعم الفساد و القمع من بروجها، ومحاسبتها على كل ما تزخر به أرض الوطن من خارجها وباطنها من ثروات ، و التوزيع العادل لها ، لفتح مسار حقيقي أمام بناء دولة حديثة تصون كرامة كل مواطن مغربي باختلاف مذهبه و عرقه ولغته ، و ترقي بمجتمع مدني ، وتقطع الصلة مع كل المؤسسات التقليدية التي تحكم المغاربة بالخرافة الدينية و النسب الوهمي .
رشدي الصافي 02.11.2016 هانوفر ألمانيا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزب العمال البريطاني يخسر 20% من الأصوات بسبب تأييده للحرب ا


.. العالم الليلة | انتصار غير متوقع لحزب العمال في الانتخابات ا




.. Mohamed Nabil Benabdallah, invité de -Le Debrief- | 4 mai 2


.. Human Rights - To Your Left: Palestine | عن حقوق الإنسان - ع




.. لمحات من نضالات الطبقة العاملة مع امين عام اتحاد نقابات العم