الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


روشتة مختصرة للخروج من الأزمة الإقتصادية المصرية الحالية

تامر البطراوي

2016 / 11 / 4
الادارة و الاقتصاد


دعونا لا نبالغ في توصيف الوضع الحالي للإقتصاد المصري والذي يمر بلاشك بأزمة نقص المعروض من النقد الأجنبي والتي يترتب عليها ارتفاع في الأسعار وتذبذب المعروض من بعض السلع والخدمات.. الإقتصاد المصري مازال بوضع جيد وليس مقبول أو جيد جدًا.. ما أعنيه هنا بالإقتصاد هو الثروة الرأسمالية المادية والمعرفية القادرة على خلق الإنتاج وفق هيكل توزيع مقبول.. الإشكالية أن الأزمة الحالية ليست مجرد مظهر طارئ وإنما مُنحدر لمراحل من الأمانة توصيفها بالأسوء كثيرًا مالم نتمكن من تلافيها..
المشكلة تكمن في هيكل الإنتاج العالمي المتغير بمعدلات غير مسبوقة نحو سلع وخدمات جديدة.. هي جديدة وفي نفس الوقت تكتسب صفة الضرورة بمعنى أن شُحها سيولد أزمة.. فإذا نظرنا حولنا سنجد أن الكثير من إنفاقنا الذي يتعلق بالكهرباء والمواد البترولية والإتصالات والأجهزة الإلكترونية الحديثة...الخ، أصبح يمثل ضرورة من ضروريات الحياة وهو لم يكن كذلك بالأمس.. معنى ذلك أن الطلب العالمي يتجه نحو إنتاج بعينه لا يصح أن نظل في إنتاج سحيق ثم نلقي باللوم عليه لماذا لا يطلب إنتاجنا..

ريادة المعرفة الحديثة شرط التقدم الإقتصادي
المكون الأساسي للإتجاه الجديد للإنتاج العالمي هو المعرفة.. دعونا نتسائل ما هي حجم المواد الخام التي يتضمنها هاتف الآي فون الحديث مقابل حجم المعرفة بالمنتج؟ ما هي نسبة توزيع القيمة على الخام كعنصر إنتاج وعلى الخدمة أو المعلومات كعنصر إنتاج؟.. إن التقدم الإقتصادي مرهون بالقدرة على المساهمة في خلق وابتكار المعرفة الحديثة كأحد أهم عناصر الإنتاج المعاصر.

الإنفتاح على حركة تدويل الإنتاج
لا توجد دولة بالعالم تستأثر بصناعة منتج بعينه.. ولا توجد دولة تُصدر ولا تستورد منتج بعينه.. فالإنتاج المعاصر اختلف كثيرا عن انتاج القرون الوسطى (الإقتطاعيات المغلقة) والذي تستطيع الوحدة الإقتصادية تحقيقه بالإكتفاء الذاتي.. واصبح السمة الأساسية للإنتاج المعاصر هو تدويل عملية الإنتاج.. إن الفاعل الأساسي في هذه العملية هو الشركات الدولية والشركات متعددة الجنسيات.. هذه الشركات لا نبالغ عندما نصفها بكونها دول إقتصادية الإنتماء لأحدها جنسية اقتصادية مميزاتها قد تُضاهي مميزات الجنسية السياسية.. دخول العديد منها يُضاهي دخول العديد من دخول الدول النامية.. إن المساهمة في الفعل الإنتاجي المعاصر يرتبط بقدر كبير بالمساهمة الفاعلة الوطنية الرأسمالية أو العُمالية أو المساهمة المحلية كاستثمار أجنبي مباشر.. عندنا نتحدث عن الإستثمار الأجنبي المباشر ينبغي الإلتفات إلى أن العنصر الأهم ليس مجرد تدفق النقد الأجنبي أو رأس المال الأجنبي لإقامة أي وحدة إنتاجية ولكن الأهم هو ماهية ذلك الإنتاج ومدى أهميته وزنه النسبي بسوق الطلب العالمي..
إن المساهمة الفاعلة الوطنية غير المحلية أو المحلية في هذه الدول الإقتصادية ليس من السهولة بمكان بل يتطلب رصيد سياسي واجتماعي وضمانات مستقبلية طويلة المدى.. فهي لا تتحرك وفقًا لحسابات الربحية وحسب وإنما يحكمها اعتبارات سياسية واجتماعية لا تقل أهمية بالنسبة لها.. إن القدرة على المساهمة في العرض العالمي وتحقيق التوازن يتوقف على القدرة القومية على جذب هؤلاء المنتجين الجُدد .. فأين نحن من ذلك؟

التوزيع الجيد
الدولة يجب أن تُكرس كل طاقتها لإثراء أفراد المجتمع.. ينبغي أن يكون راسخ وبشكل واضحًا جدًا لجميع مسؤلي الدولة بدءً من أصغر مسئول إلى أعلى مسئول بالدولة أن هدفه الأساسي هو ثراء المواطن وأن تتخذ مهمته كافة السياسات التي تُمكنه من تحقيق ذلك الهدف.. إن مرور الفقراء من نفق الفقر هو ما يصنع الدولة الغنية القوية.. إن هذا المرور يرتبط بشكل مباشر بزيادة ثراء رجال الأعمال والمستثمرين.. فكاما ازداد الأغنياء ورجال الأعمال ثراء وفق جهاز ضريبي جيد ستتمكن الدولة من مساعدة الفقراء بشكل يحقق لهم الثراء لا مجرد سد الرمق واعانتهم بالكفاف.. دعونا نطرح عنا جانبنا نظرية ارتباط ثراء الغنياء بتفقير المجتمع.. فالذي يؤدي إلى تفقير المجتمع حقًا هو هروب الأثرياء بما يملكونه من قدرات على المساهمة في الطلب العالمي.. عندما يهرب الأثرياء من المجتمع سيتوجه فائض العمل للمساهمة في انتاج محلي لا يلقى طلبًا عالميًا وتظل الدولة في حالة شبه توظيف كامل مع تفاقم العجز (الكل يعمل والعجز مستمر).. إن الدولة يجب أن تُدرك انها بحاجة إلى مساعدة الأثرياء على تحقيق معدلات ثراء مرتفعة.. وفي نفس الوقت تمويل الفقراء بما يحقق لهم الثراء وليس الكفاف وكلا الأمرين مرتبط بالآخر..

الإقتصاد والجهاز الإداري
يجب على الدولة أن تدرك أن دورها الأساسي هو حماية الإقتصاد وتسهيل حركته.. إن ظاهرة ملاحقة صغار وكبار المستثمرين من قبل عصابات وابتزازهم دوريًا بات أمرًا لا يمكن اخفائه وهو بلا شكل ظاهرة خطيرة كفيلة وحدها بتدمير اقتصاد أي دولة.. إن الهدف الأساسي من وجود الدولة هو حماية الإقتصاد وتأمينه.. هذه السُمعة هي ما يُمكن أن تخلق اقتصاد جيد.. وهناك سُمعة أخرى لا تقل عنها أهمية وهي تلك المتعلقة بتسهيل الإجراءات الحكومية وتسريع إجراءات فض المنازعات.. لم يعد للدورة المستندية الورقية مكان بأغلب دول العالم المتقدم فهذا التاريخ البالي لم يعد مناسبًا للواقع المعاصر.. كما أن ارتباط الحركة المستندية بالأفراد مع ترهل الجهاز الإداري يُمثل بيئة خصبة لتفشي الفساد بقدرات أعلى من قدرات السيطرة عليه لأي دولة.. يجب الإتجاه وبأسرع وقت ممكن بالميكنة الإلكترونية وتحقيق أعلى ريادة ممكنة في مجال تسهيل الإجراءات الحكومية واجراءات فض المنازعات على وجه الخصوص.

الإقتصاد والمجتمع
لا أحد يُنكر الدور الفاعل للمجتمع على الإقتصاد وتأثيره الإيجابي أو السلبي على الإقتصاد ، ولكن من الذي يُلقى عليه عبء تحريك المجتمع؟ المجتمع نفسه أم الدولة؟ .. إنما تم صياغة الدولة لتحريك المجتمع لأن المجتمع لا يتمكن آليات ناضجة قادرة على تحريكه خاصة بالدول النامية.. إن التحريك المستهدف الداعم للإقتصاد القومي هو ذلك التحريك الذي يعمل على تغيير الثقافة المجتمعية كما دعا بارسونز إلى مزيد من الحياد الوجداني ، والإهتمام بالمصلحة الذاتية والتخصص ، الإبتعاد عن العزو والإهتمام بالإنجاز والتفوق.. إن الثقافة الإجتماعية التي ستؤثر ايجابيا على الإقتصاد وفقًا لمنظور هايجن هي ثقافة الحرية الإجتماعية واحترام الآخرين ونبذ الشغف بالتسلط.. فهل تستطيع الدولة تحقيق تلك المهمة الشرطية لتحقيق التقدم؟

الإقتصاد والتعليم
المجتمع يتجه وبكل طاقته الإقتصادية ويوجه أقصى ما تمكن من ادخاره نحو التعليم الأكاديمي لإرتباطه بالوضع الإجتماعي بشكل أولي وعلى أمل جني عوائده الإقتصادية بشكل ثانوي.. يحدث ذلك وإن لم يستفد علميًا ومعرفيًا بشكل أو بآخر لا المجتمع ولا الدولة من ذلك الإنفاق التعليمي وتلك السنين الطويلة.. الدولة تُنفق سنويًا أموالاً طائلة على جهاز تعليمي تُدرك تمامًا كونه مُتهالك.. نعم تود لو أنها تملك المزيد فتنفق على تحسينه ولكن ما الجدوى من ذلك؟.. إن طبيعة الجهاز الإداري يقود حتمًا بالعاملين به إلى اللاكفاءة واللافاعلية.. وطبيعة النظام التعليمي غير جاذبة للتلميذ أو الطالب.. أما البيئة التعليمية الكًلية فغير دافعة للتفوق في استيعاب المعرفة.. هي فقط دافعة نحو تحصيل المعلومة وليس المعرفة لأغراض الدرجة العلمية.. الآباء يُنفقون أضعاف ما تُنفقه الدولة على التعليم والمُحصلة معلومات تذهب مع الريح بعد أعوام قليلة من التخرج..!! من الذي استفاد من تلك العملية العقيمة؟ إن الإجراء الفعال الذي يجب تتخذه الدولة بشكل سريع هو العمل على توجيه الدعم التعليمي بشكل نقدي للطلاب شريطة تحصيل المعرفة من الداخل أو الخارج.. والتوجه نحو الخصخصة الإدارية للمنشآت التعليمية المملوكة للدولة والتوسع في الترخيص للمنشآت التعليمية المحلية والأجنبية وتسهيل كافة الإجراءات المتعلقة بتلك العملية الإستراتيجية.. يجب أن يُصبح الوطن محل جاذب وبشكل أساسي للإستثمارات الأجنبية في مجال التعليم.. يجب تغيير المناهج الوطنية لتتوافق مع الأنظمة الأجنبية والتحول التدريجي إلى لغة العصر (الإنجليزية) وتحول النظام التعليمي بشكل يدعم تحصيل المعرفة التي تستمر وتتمتع بدافع ذاتي وإلغاء نظام العمل على تحصيل المعلومة المتاحة في يد أي تلميذ بسهولة باتصاله بالشبكة العالمية.. أما ما يجب اتخاذه بشكل حاسم وسريع بشأن التعليم الجامعي هو تفعيل الدرجات العلمية الجامعية الأولى والعُليا التطبيقية وليست الأكاديمية .. ينبغي أن تكون الجهات التي تمنح الدرجات العلمية التطبيقية بتدرجها البكالوريوس التطبيقي والماجستير التطبيقي والدكتورا التطبيقية أكبر من تلك المانحة لنفس الدرجات الأكاديمية.. الدرجات الأولى تتميز بقدر أقل من حجم المعلومات التي ترتبط بنظرية العلم وقدر أكبر من الخبرة التخصصية المتعلقة بالمجال نفسه وترتبط بالممارسة العملية للفن خلال سنوات الدراسة مع تحقيق دخل شهري للطالب.. إن هذا النوع من الدرجات ما سيحقق الغرض الإجتماعي والغرض الإقتصادي للدولة وهو المنتشر بلا شك بشكل أكبر بكافة الدول المتقدمة.. فحجم العمل المتعلق بنظرية العلم لا يُضاهي ذلك المتعلق بالخبرة العملية والفن التطبيقي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر في المرتبة الثالثة اقتصاديا بأفريقيا.. هل التصنيف يع


.. ما تداعيات قرار وزارة التجارة التركية إيقاف جميع الصادرات وا




.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الجمعة 3-5-2024 بالصاغة


.. بلومبرغ: تركيا تعلق التبادل التجاري مع إسرائيل




.. أبو راقية حقق الذهبية.. وحش مصر اللي حدد مصير المنتخب ?? قده