الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ان قلت اعلم ، فأنت فعلا لا تعلم

عبد الرزاق عوده الغالبي

2016 / 11 / 4
الادب والفن


إن قلت أعلم فأنت فعلاً لا تعلم

عبد الرزاق عوده الغالبي



من لا يعرف جيري ، إنه فأر، بطل مغوار ، وقح مشاغب ، متحرش بكل عابر وسابل ، غادٍ و قادم ، عدوه اللدود ، توم ، ذاك القط المدلل المتراخي ، وعداوتهما تملأ تلفزيونات العالم ، غاب توم يوماً لسبب غير معروف ، شعر جيري بفراغ قاتل ،فَخَرَج إلى طريق القوافل ، يتفرج على المارة ، شاهد بالصدفة ، قافلة من الجمال ، يقودها جمل كبير ، أراد جيري كالعادة أن يتحرش بهذا الجمل المتغطرس ، فركض وتقدم القافلة ليقودها بدلاً منه ، ابتسم الجمل ولم يغضب أو يمنع جيري من مأربه الخبيث ، وسارت القافلة بقيادة جيري المشاغب ، والجمل يتبع خطواته باحترام وتقدير ،حتى جعله يصدق أنه القائد فعلاً ، اندمج جيري بالدور تماماً .....

مرت غويمات صغيرة ، بيضاء تعرف مهاترات جيري المشاغب ، وأرادت أن تلاطفه ، وهي تتضاحك وتتمازح فيما بينها ، شدها منظر جيري الغريب ، فرشقته بتيار خفيف بارد من مزنة ربيعية ، هبّت بعدها نسيمات ناعمة خفيفة ، شعر بعدها بلسعة برد ، فارتجف جسده ، ولم يتحرك الجمل أو حتى يتأثر من تلك النسيمات ، فهي نسيمات منعشة لا تزعج أحداً، إلا الخبثاء فقط ، تغير مزاج جيري نحو الأسوأ بعد أن شاهد الجمل ، يضحك خلفه ، فصاح عليه بلهجة آمرة :

-" لماذا تضحك أيها الغبي ، أنتم الجمال سفهاء جداً تضحكون لأي سبب، حتى وإن كان سخيفاً...!؟"

رد الجمل بحنكة وعدم اكتراث قائلاً:

-" لاتنزعج يا قائدي ، أنا لا أضحك عليك مطلقاً ، فأنا احترمتك وسمحت لك أن تقود القافلة بدلاً مني....!"



انتفخت أوداج جيري بالكبرياء ورد بخيلاء :

- " كنت أظن أنك تضحك على حجمي ، فنحن الفئران حجومنا صغيرة وعقولنا كبيرة، عكسكم تماماً أيها الجمال الأغبياء ...!"

لم ينزعج الجمل من كلام جيري مطلقاً ورد عليه باحترام قائلاً :

-" أنا لا أضحك عليك أنت بالذات ، يا قائدي العظيم ، بل أضحك على الزمن العاثر الذي جعل فأراً يقود جمالاً...!!"

سار جيري بخيلاء وتكبر، يتقلب أمام قافلة الجمال متصوراً نفسه عظيماً في الشأن بعد أن سمع رد الجمل الذكي ، فالكثير من المخلوقات الفارغة ، خصوصاً الإنسان ، وكطبيعة لا تقبل النقاش ، يتصور نفسه أفضل المخلوقات ، و للحكماء رأيهم في ذلك ، الأغبى من تصور نفسه أذكى الآخرين ، فقد أوصله غباؤه إلى قول ذلك ، فلو كان يدرك شيئاً ، لعرف ، إن الإنسان لو عاش عشرين عمراً كعمره ، يستعصي عليه قول أعلم ، فكلما زاد علماً ، أدرك فعلاً أنه لا يعلم ، وتلك حقيقة ، حين ينصحنا العقلاء وأصحاب التجربة ، ألّا نورّط أنفسنا بمناقشة متخلف أو جاهل ، لأنّنا سنفشل بالنقاش حتماً ً، لسبب بسيط ، هو أننا لا نحسن التخلف ، ولا نحسن أن نقول على أنفسنا أننا نعلم ، فلو قلنا ذلك ، سينحسر الفرق بيننا وبينه ، أحياناً أرجّح السكوت على الكلام في موقف كهذا، و أجزم أن السكوت أمام المتخلف أبلغ من الكلام ....

شدني قول ممثل أمريكي مشهور ، في بلد مثل أمريكا ، راعية التحضر والتكنولوجيا في العالم : قل لهم أنك فاشل لتأمن شرهم ، وتمتع بنجاحك وحدك ، فالفاشلون لا يتحملون نجاحك ، كيف و مجتمعنا مهرجاناً للفاشلين وهو مترع بالأنانية والأفك والحسد والتخلف ....وأنا في هذا السجال الداخلي مع نفسي وصلت إلى قناعة أدركتها من هذا التوصيف الجاثم فوق صدر قلمي ، فحين وصلت القافلة نهراً صغيراً ، وقف ، القائد جيري متحيرا أمام تلك المعضلة ، فهو صغير جداً ، و عبور هذا النهر يعد انتحاراً ، و الجمل واقف يتفرج على الفأر ويضحك بقرارة نفسه ، وبعد برهة من الزمن قال :

- " لماذا وقفت أيها القائد الهمام ، نحن بانتظار أوامرك ، لماذا لا تعبر أمامنا فهو نهر صغير ، هل أنت خائف علينا من الغرق ...!....؟ لا تخف نحن نتخطاه بخطوة واحدة ، وإذا طلبت منا أن ندخل فيه فهو لا يصل حتى كعوب أرجلنا ، فماذا تودنا أن نفعل....!؟"

بقي الفأر صامتاً ، بماذا يرد ، إن الله خلق المخلوقات باختلاف ، ووزع الواجبات عليها، وجعل الحاجة هي الرابط الوثيق فيما بينها ، فلا تتصور مخلوقاً في الدنيا خلق عبثاً ، من الفايروس إلى الفيل ، إلّا وله دور وواجب في الأرض ، ولو انقرض مخلوق من تلك المخلوقات ، سيخلف حتماً نقصاً و شرخاً ملحوظاً في الحياة ، أظن أن الفأر أدرك قدراته ، فأحنى رأسه خجلاً وانكساراً أمام الجمل، وقال باحترام :

-" شكرا لك أيها الجمل ، فقد أعطيتني اليوم درساً لن أنساه ما حييت ، إن قدرات المخلوق يحددها العقل قبل الحجم ، فلكل حجم حيز وقدرات بمقداره ، علينا أن ندركها مسبقاً بالعقل ، فلو فهمت أنا ذلك مسبقاً ، لما وضعت نفسي في هذا الموقف المحرج ...!!؟"

ضحك الجمل بتعقل واتزان وقال :

-" لا عليك يا صاحبي فالإنسان ، سيد المخلوقات ، والذي وضعه الله قيماً علينا ، وتراه سيد الخطائين ، فهو أكثر منّا تخلفاً وعنجهية ، وهو يدعي الفهم والإدراك والعلمية ، حتى وصل الأمر بغبائه أن يثقب مكانه في سفينته، وسط البحر ليغرق غيره ، غيلة وحقداً ، ولا يدري أنه سيغرق معهم أيضاً...!"

هز جيري رأسه الصغير بالإيجاب ورحل ....!....هل يا ترى ، سيستفيد جيري من هذا الدرس وسيتعقل بالقادمات...!؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا