الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مؤتمر آخر لفتح، المزيد من الضبابية والتشرذم

ناصر ثابت

2016 / 11 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


مؤتمر آخر لفتح، المزيد من الضبابية والتشرذم.
بقلم: ناصر ثابت
القول إن حركة فتح في أزمة، هو قول فيه تقليل من حجم المشكلة، ومن حدتها. هو قول يفشل في وصف المرحلة، حتى لو أردنا أن نجدَ وصفاً عاماً بعيداً عن الدقة. الصحيح أن نقول إن الحركة في ورطة، وتحتاج إلى عملية جراحية صعبة ومعقدة لإنقاذها.
في الحركة انقسامات حادة، وفيها ضياع للبوصلة، وفيها شلل وضعف وجمود، وترهلٌ تنظيمي واضح، وفيها انسلاخ عن الأجيال الجديدة، هذا فقط إذا أردنا أن نلخص مشاكلها الأساسية، دون إغراق في التفاصيل.
وكعادة الحركة فإنها تضيِّع وقتها وجهدها ومالها وطاقتها من أجل عقد مؤتمرات حركية، تفشل في الإتيان بشيء جديد. من المعروف أن هذه المؤتمرات يتوجب عليها، بناءً على تعريف الأدبيات الحركية، أن تناقش المشاكل الداخلية والخارجية وأن تحلها، وأن تتبنى السياسات المناسبة للمرحلة، وأن تنتخب قيادة جديدة. لكن الحقيقة أن الحركة تفشل في إنجاز أي شيء من هذه الخطوط العريضة، فيما عدا الانتخابات، التي لا تؤدي إلا إلى زيادة الانقسامات في جسدها، وإلى تجديد الولاءات لنفس القيادات القديمة، وإلى إقصاء الكثير من الكفاءات المهمة التي تفشل في النزول إلى المستويات الأخلاقية المتدنية "للكولسات" الانتخابية.
حركة كبيرة الحجم مثل فتح، نتفهم صعوبة إعادة إحيائها وإطلاقها من جديد، ولكن هذا ليس حجة، لأنها حركة تضم تحت لوائها هذا العدد الكبير من الأعضاء ويتوجب عليها أن تفعل شيئاً، أن تنجز الحد الأدنى من العمل أو أن تحرز ولو قدراً ضئيلاً من التقدم.
لكن الحقيقة أنها ما زالت تعيش أزمة تمنعها من الفعل. والحقيقة أيضاً أن مشاكلها تأتي من انعدام الإنجاز، ومن عدم الوضوح في الرؤيا والسياسات، ومن تبني هيكل تنظيمي قديم يسهل على الأعضاء أن يعبثوا به كيفما يشاؤون، وهم في غالبيتهم بعيدون عن الانضباط والالتزام بالقانون.
لستُ متفائلاً أن الحركة قادرة على أن تنجز مؤتمراً مختلفاً هذه المرة، ولكنني مؤمن أنني يتوجب عليَّ أن أضع شيئاً جديداً على الطاولة، وليس فقط أن انتقد وأن اعبر عن تشاؤمي.
البداية تكون من هنا: برأيي أن على الحركة أن تتبنى السياسات الواضحة، المبنية على الرؤيا المحددة لا الضبابية. عليها أن تتبنى العمل السلمي اللاعنفي، وذلك استمراراً لطريق السلام الذي بدأته في تسعينيات القرن الماضي بتوجيه من كبار قادتها التاريخيين. يجب على كل أعضاء الحركة أن يفهموا هذا الأمر جيداً، وأن يعرفوا أن الضبابية والتأرجح في المواقف بين العسكرة واللاعنف، وبين الكفاح السلمي والكفاح المسلح لا تفيد شيئاً إلا أن تتسبب في زيادة الإشكاليات الداخلية والخارجية، وانغماس الأعضاء في تناقضات فكرية لا تنفع في الحفاظ على الحركة وعلى صحتها العامة. أعرف أن هذا الأمر شائكٌ ويحتاج إلى الكثير من الحوار، لكنني أورده هنا في محاولة للقول إن مشاكل الحركة تبدأ بهذا الفهم الملتبس للواقع الإقليمي والدولي. خاصة على مستويات القاعدة.
ومن هذا أيضاً أن تكون الحركة واضحة في علمانيتها، وفي خطها الليبيرالي البعيد عن تبني أساليب الأحزاب الدينية، التي يتوجب عليها أن تتوقف عن منافستها في الشعبوية التي لا تنفع في شيء.
آن الأوان لتحويل فتح إلى حزب سياسي، بل تحويل كل الفصائل الفلسطينية إلى أحزاب سياسية. آن الأوان لتحجيم هذه الفصائل وإدخالها في النظام السياسي بحيث تكون هي المنطوية تحته وليست هي التي تشرف عليه وتتحكم فيه. لم يعد هناك حاجة للفصائل بالمفهوم القائم، نحن لسنا مقبلين على مواجهة عسكرية وما ينبغي لنا أن ندخل في أي مواجهة عسكرية مع اسرائيل.
الأحزاب السياسية يحدد نسبة تمثيلها ويضع قواعد عملها الشعب نفسه. هي لا تقود الشعب إنما هو الذي يتحكم بها ويقيِّمُها ويحاسبُها، وهذا ما نحتاجه في الفترة المقبلة. العمل السياسي الفلسطيني يجب أن يتجه إلى مسارات الحياة المدنية المحكومة بالقانون. وإلا علقنا في دوامة العبث إلى مالا نهاية.
ومن زاوية أخرى، يتوجب على فتح أن تجدد علاقتَها بالأجيال الجديدة. إن هذه الأجيال التي تتواصل عبر الإنترنت وتجوب العالم كله في لحظات، لم يعد يناسبُها أن تحدِّثها عن الانطلاقة وعن معركة الكرامة وبيروت وغيرها من المحطات التاريخية. يجب علينا أن نروي التاريخَ للأجيال بتجرد واعتراف بالأخطاء قبل التباهي بالإنجازات، ولكن في نفس الوقت علينا أن نضع أمامها إنجازات جديدة، وأفكاراً حديثة ومبتكرة.
إن اجترار الماضي، الذي يقع فيه الكثير من الفتحويين، صار منفراً، ولم يعد يهم أجيال الإنترنت والتابلت والهاتف الذكي.
أعرف، بل أنا متأكدٌ تماماً، أن الفتحويين سيتجاهلون كل مشاكلهم ومشاكل حركتهم، وسيضيعون وقتَهم في تمجيد هذا وإقصاء ذاك، وفي تعميق الشرخ والانقسامات، لكنهم يجب أن يعرفوا أن الصدفة فقط هي التي ما زالت تعطيهم بعض السيطرة على مراكز صنع القرار الخاصة بالشعب الفلسطيني، وأن أية محاولة لتجديد الشرعيات بالرجوع إلى الشعب ستؤدي إلى هزائم كبيرة جداً لم يعهدوها من قبل. ولكنهم سواءٌ كانوا يعرفون ذلك أم لا فإنهم ماضون في طريقهم الذي لا يوصلهم إلى شيء، في هذه المرحلة التي تتميز بضياع البوصلة وتبديد الطاقات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمريكي مدان بسوء السياقة ورخصته مسحوبة يشارك في جلسة محاكمته


.. ثوابيت مجهولة عند سفح برج إيفل في باريس • فرانس 24




.. جنوب أفريقيا: حزب المؤتمر الوطني ينوي إجراء مشاورات لتشكيل ح


.. ولي العهد الكويتي يؤدي اليمين الدستورية نائبا للأمير | #مراس




.. تواصل وتيرة المعارك المحتدمة بين إسرائيل وحزب الله