الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرحلة ما بين شيران ونينوى

صلاح الدين مسلم

2016 / 11 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


يقولون إنّ الطريق بين شيران وكوباني يشابه الطريق بين أورفا وآمارة، ويشابه الطريق بين يثرب ومكة، لا أعرف لماذا كلّما أريد أن أتكلّم عن بيتي المقصوف من الحضارة الغربيّة في كوباني أتذكّر الموصل، فما علاقة الموصل بكلّ هذه المقدّمة؟
التقيتُ برجل من شيران كان في السبعين من عمره، كان يتحدّث عن السياسة أفضل بكثير من معظم المحلّلين المتأنّقين الذين نتابعهم بمقتٍ على التلفزيون، فلم يكن يرتاد المدارس البعثيّة، وما كان يرتاد دورات التقوية التي كانت ساحات مصارعة الثيران، وكنّا نخوضها بشغف حينها، ولم يكن حاصلاً على علامات مرتفعة في البكالوريا ليتباهى بها أهله، حيث كان الأب يمشي مختالاً في الحيّ وكذلك الأمّ؛ ليُنشِئا ولداً مخصيّاً من الذاكرة، ويحضّراه إلى مأدبة الانقطاع عن المجتمع والذاكرة.
لم يغادر ذاك السبعينيّ قريته، لكنّ أولاده المتعلّمين غادروا روج آفا إلى أوربا، أعود وأتذكّر الموصل حينها! قد تكون موضوع الساعة ويجب أن أكتب في مقالتي عن الحدث الجاري الآن، وقد يكون السبب هو خط برلين – الموصل (المقدوني) الذي هدّدوا به الشرق الأوسط، ولوزان التي تحيي الذاكرة فينتعش السلطان العثماني لأنّه سيستعيد التركة التي لم يحافظ عليها أجداده.
أن تقرأ الموصل بعين شرقيّة ليس كأنْ تقرأها بعين المقدونيّ الجديد الذي أرسل إليها الوحوش ليحطّموهم بعد فترة فيها، أتراه يريد أن يئد جلجامش وبابل وأور وأورك... فيها؟! ليتخلّص الغربيّ من التاريخ الشرقيّ الذي يقضّ مضاجعهم. صحيح أنّ هذا التاريخ هو تاريخ الدولة التي قمعت المجتمع، لكنّ تاريخ الدولة يخفي في طيّاته تاريخ المجتمعات، المهم إنّ ما تكتسبه المجتمعات في هذه الآونة بمثابة قطعة لحم من فم الأسد، فهُمْ في المحصّلة يهدمون ما بنوه من آوابد تمجّد دولتهم، أتراهم يستطيعون قتل إسحق الموصلي أو زرياب... أو إنانا التي خرجت من خِدرها.
فليتحالفوا مع حمورابي لوأد التاريخ البابلي الأكّادي فيها، وليتحالفوا مع الحثيين لتدميرها من جديد كما دمّروا بابل قبلاً، لكنّهم لن يستطيعوا وأد خصوبة عشتار أو ستار فيها، قد يستطيعون تدمير الموصل لكنّهم لن يستطيعوا قتل نينوى، وإن كانت ذكرى الملك نينوس الدولتي حاضرة في ذاك الاسم الذي يمجّد الدولة.
لن يستطيع اليهوديّ اليميتيّ المتطرّف أن ينسى ذاك السبي البابلي لليهود في الموصل، أتراه وراء تهديم الذاكرة الشرقيّة الآشوريّة البابليّة الإيزيديّة في المنطقة، ليجبر حفيد هتلر البابليّ المطيع على أن يصهرهم في برلين؟ لذلك كان ذاك السبعيني في شيران يستذكر آثار حداتو الحثّية في خبايا وجهه، وكان يقول في تقاسيم وجهه: "لقد رحلت حداتو وجاءت شيران، وجاء البعث وغيّر اسمها إلى الفرزدق الشاعر البذيء، وقبلها جاء العثمانيون وغيّروها إلى أرسلان طاش" فلذلك فالرحلة بين شيران ونينوى عبر قطار الشرق السريع الذي يصل بغداد ببرلين لم يستطع أن يئد إنانا فينا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إدارة بايدن وإيران.. استمرار التساهل وتقديم التنازلات | #غرف


.. ناشطون يستبدلون أسماء شوارع فرنسية بأخرى تخص مقاومين فلسطيني




.. قطر تلوح بإغلاق مكاتب حماس في الدوحة.. وتراجع دورها في وساطة


.. الاحتجاجات في الجامعات الأميركية على حرب غزة.. التظاهرات تنت




.. مسيرة في تل أبيب تطالب بإسقاط حكومة نتنياهو وعقد صفقة تبادل