الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قد تكون المرأة أشد ذكورية

محمد بن زكري

2016 / 11 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


حكومة وول ستريت في نيويورك ، هي من تدير أميركا ، و هي من تمسك بزمام الأمور في نظام العولمة ، و تقود حركة الليبرالية الجديدة عبر العالم . و في مكاتبها يتم رسم ستراتيجيات النظام الراسمالي العالمي ، و منها يجري الإشراف على تنفيذ تلك السراتيجيات ، عبر منظمة التجارة العالمية و البنك الدولي و صندوق النقد الدولي . و إنّ مصالح الشركات الأميركية الاحتكارية الكبرى ، هي التي تقرر - انعكاسا لعلاقات القوى الراسمالية الأميركية داخليا و خارجيا - من يدخل البيت الأبيض رئيسا للولايات المتحدة . فالرئيس الأميركي سواء أتى من الحزب الديمقراطي أم من الحزب الجمهوري ، ليس غير ممثل لحكومة وول ستريت ، و حارس لنظام العولمة الراسمالية و الليبرالية الجديدة .
و في انتخابات الرئاسة الأميركية - لانتخاب الرئيس رقم 45 - ليس مِن فارق جوهري بين هيلاري كلنتون و دونالد ترامب ، من حيث الالتزام بالتعبير عن مصالح الشركات و الاستثمارات الأميركية الكبرى ، و الإيفاء بشرط الانحياز لمصالح الطبقة الراسمالية العليا من أصحاب راس المال الصناعي و التجاري و أصحاب راس المال المالي ؛ رغم هامش الحركة المتاح للرئيس في إعمال رؤيته و أفكاره الخاصة ، بشأن معالجة بعض قضايا السياسات الداخلية و الخارجية ، لكن بما لا يمكن أن يتناقض - في النتيجة - مع مرتكزات الهيمنة الراسمالية الأميركية على العالم اقتصاديا و عسكريا . (فالترسانات العسكرية للدول الكبرى عموما ، هي الضامن الأكبر لمصالحها الستراتيجية . و في المقدمة منها المصالح التجارية ، أي مصالح شركاتها الكبرى العابرة للقوميات) . و لقد رأينا كيف أن المنافس الديمقراطي لهيلاري كلنتون ، في السباق الى البيت الابيض ، السيد بيرني ساندرز - ذي التوجه شبه الاشتراكي - قد أضطر فجأة لـ (الاقتناع) في المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي (25-27 /7/2016) ، بأن " هيلاري كلنتون يجب أن تصبح الرئيسة المقبلة للولايات المتحدة " ، لتفوز بذلك هيلاري بتزكية الحزب الديمقراطي ، في السباق مع ترامب إلى البيت الأبيض ، رغم ما قوبل به انسحاب ساندرز من غضب و احتجاجات داعمي حملته الانتخابية - بمئات الألوف و في كل الولايات - من الأميركيين ، و خاصة بين الفئات الشبابية ، إناثا و ذكورا .
و مع أنه ليس من فارق يُذكر بين مرشحيْ الحزبين الديمقراطي و الجمهوري ، للرئاسة الأميركية ؛ فإن تعاطي العالم مع أميركا ، قد يكون أفضل ، لو أن ترامب هو الفائز بالرئاسة الأميركية ، ذلك أن الرجل واضح مع الآخرين ، و صادق مع نفسه ، و جريء في طرح أفكاره (الصادمة) المعبرة بشفافية عن طبيعة الليبرالية الجديدة ، في نسختها الأميركية المتوحشة و الأبعد ما تكون عن أية نزعة إنسانية (فلا رومانسية مع الليبرالية الجديدة) .
و إن أرجح الاحتمالات - بتقديري - أنّ حال العالم مع هيلاري كلنتون ، سيكون أسوأ مما كان عليه مع باراك أوباما ؛ فكما أثبت أول رئيس أميركي أسود ، أنه أشد بياضا من البيض الأنجلوساكون ، الذين يسميهم الأميركيون (الحُجّاج) ، و هم الغزاة الإنجليز (البروتستانت) الأوائل ، الذين قادوا حملات الإبادة الجماعية و التطهير العِرقي و الثقافي ، ضد السكان الأصليين من الشعوب التي أطلقوا عليها اسم الهنود الحمر (أو مصطلح الكنعانيين الجدد) ؛ فإن هيلاري كلنتون باعتبارها أول امرأة ترأس الولايات المتحدة ، ستثبت (كأنثى) أنها أشد ذكورية من كل رؤساء أميركا الذكور ، و لن تتردد طويلا في اتخاذ قرارات الحرب المحدودة و التدخل العسكري المباشر لحل النزاعات . و لعله لم يعد مجهولا أنها كانت قد وقفت بقوة وراء التدخل العسكري الأميركي في ليبيا سنة 2011 ، عندما كانت وزيرة للخارجية ، و أن السفير الأميركي في ليبيا (جي كريستوفر ستيفنز) ، كان ينسق عمليات إرسال السلاح و العتاد الحربي من بنغازي إلى تركيا و منها إلى سوريا ، لدعم الحرب على الدولة السورية ، على عهد هيلاري كلنتون و بعلمها و تحت إشرافها و مسؤوليتها كوزيرة للخارجية الأميركية .
فأن تأتي امرأة إلى رئاسة الولايات المتحدة ، لا يغير من الطبيعة الاستحواذية الاحتكارية للراسمالية الأميركية و لا من عنجهيتها و عدوانيتها شيئا . و لن تتحول أميركا في عهد أول رئيسة أميركية ، إلى دولة للعدالة الاجتماعية و ديمقراطية توزيع الثروة القومية (نسبة الفقراء في أميركا حوالي 30 % أي حوالي ثلث عدد السكان ، و نسبة الجامعيين لا تتجاوز 28 %) ، و من غير الوارد أن تضمن للمواطن الأميركي حق مجانية التعليم و الرعاية الصحية و الضمان الاجتماعي . و لن تتحول أميركا في عهد أول امرأة رئيسة ، من امبراطورية للشر إلى واحة للسلام في العالم ؛ بل العكس تماما هو ما سيحدث ، خلافا لكل القراءات المفخخة و التوقعات الطوباوية .
و بإطلالة عامة - و برؤية غير محايدة - على بانوراما واقع التحولات الاقتصادية ، و العلاقات الاجتماعية ، و الممارسات السياسية ؛ التي تتفاعل - راسماليا - على الساحة العالمية ، غداة انهيار منظومة الدول الاشتراكية ، بما في ذلك ما نلمسه في تذبذب مؤشر مقبولية اليسار و اليمين الليبرالي في المجتمعات الأوربية ؛ فإن ما نراه بوضوح تام ، هو أن النساء اللواتي يصلن إلى مواقع السلطة العليا و اتخاذ القرار في الدول الصناعية - الراسمالية - المتقدمة ، لا يمثلن تطلعات و آمال الطبقات الوسطى و المفقرة و الشرائح الاجتماعية الأقل حظا من الثروة و الرفاه ، و لا تشكل حقوق المرأة - كإنسان مقهور - لديهن أية أولوية تُذكر ؛ بل يمثلن مصالح الطبقة العليا من أصحاب رؤوس الأموال ، و الشركات الكبرى العابرة للقوميات . و يفكرن بعقلية ذكورية بحتة ، تطابقا مع أيديولوجيا الليبرالية الجديدة و ثقافتها الاستحواذية التسلطية البطريركية .
و بصرف النظر عما لا يعنينا كثيرا ، من أن تصل امرأة أو لا تصل إلى رئاسة الولايات المتحدة أو غيرها من الدول الراسمالية الكبرى ، إلا بمقدار ما يخدم مصالح شعوبنا المُخلَّفة و المُفقَرة و المُجوّعة و المقموعة ؛ فإن الحاجة تبدو ملحة إلى مراجعة شاملة و معمقة - بمنظور وطني تقدمي - في العلاقة مع الغرب الراسمالي ، و الحاجة تبدو أكثر إلحاحا إلى إعادة النظر في أطروحات و أدبيات الفكر الاشتراكي ، انطلاقا من قراءة نقدية للواقع (بكل معطياته) في دول شمال أفريقيا و الشرق الأوسط ، و ارتباطه اقتصاديا و سياسيا - ارتباط تبعية - بمراكز النظام الراسمالي المعولم ، وذلك لنجد طريقنا الخاصة للتقدم و تخطيط النمو ؛ اقتصاديا ، و اجتماعيا ، و ثقافيا .. و في مجالات الحياة كافة . و تلك هي مهمة الطلائع التقدمية الواعية من الرجال و النساء في بلادنا على حد سواء .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا تدرس سحب قواتها من سوريا


.. أوضاع إنسانية صعبة في قطاع غزة وسط استمرار عمليات النزوح




.. انتقادات من الجمهوريين في الكونغرس لإدانة ترامب في قضية - أم


.. كتائب القسام تنشر صورة جندي إسرائيلي قتل في كمين جباليا




.. دريد محاسنة: قناة السويس تمثل الخط الرئيسي للامتداد والتزويد