الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المشهد التركي بين فلسفة التاريخ والواقع

جوتيار تمر
كاتب وباحث

(Jotyar Tamur Sedeeq)

2016 / 11 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


تشهد الساحة التركية متغيرات جذرية وفق المنطق الاعلامي الظاهري الساعي لابراز اهم معالم المشهد السياسي التركي، وما تتوقف عنده اغلب القنوات الميديائية هو شخصية رئيس الجمهورية طيب رجب ارودغان، بحيث لاتخلوا نشرة اخبارية في قناة اعلامية او صحيفة او مقال او مجلة الكترونية عن ذكر اسمه سواء بالايجاب او السلب، ناهيك عن الاعلام الخارجي الذي يسلط هو الاخر الاضواء وبشكل متسمر ومكثف على المشهد التركي الاردوغاني من جهة والمشهد التركي الكوردي بفرعيه السياسي والعسكري من جهة اخرى، فضلاً عن التداعيات الاقليمية التي تفرض على الجميع تتبع اخبار تركيا لكونها طرف مساهم وفعال في صناعة الارهاب من جهة ومحاربة ما تسميه هي الارهاب من جهة اخرى، وبالطبع العلاقات الاقليمية الدولية التي هي الاخرى تأخذ لها نصيب من الحراك الميديائي المحلي والعالمي.
والسؤال هو لماذا هذا الكم الهائل من التداول الميديائي للمشهد التركي وبالاخص ما يتعلق باردوغان...؟ ، لاشك ان الجواب .. اي جواب.. لن يكون الا رأي وتكهن وتأويل للمشهد الداخلي لتركيا والعالمي والاقليمي، ولكن يبق ان هناك المشهد الاكثر جدلاً وهو التاريخي، حيث وحسب اغلب النظريات التاريخية " فلسفة التاريخ " ان سقوط الدول تبدأ من نقطة القمة والصعود المستمر لايخدم الا الفيئوية التي لم تستطيع ان تنتج الكثير ولا المتناغم مع الحراك السياسي الداخلي والدولي فتبدأ الانغماسات الداخلية بالوحل التاريخي السابق او القديم وبذلك يبدأ المرض يتفشى داخلياً فتتفكك شيئاً فشيئاً الى درجة ان الوقوف يبقى صعباً، فتلجأ السلطة الى الاعتماد على خطط حديثة قديمة في جوهرها وتعلن عن المساحات التي تعمل عليها ضمن هيكلة الدولة ومحاولة الحفاظ على الامة وحين تقول الامة فهي تمزج جميع مكونات الدولة الاثنينة والعرقية والدينية والمذهبية، كي تستطيع ولو لوقت قصير اخر ان تطيل بعمر تجربتها، تأملاً ان تجد ممراً للخروج من الازمات التي يخلفها وجودها على رأس الهرم السلطوي، وهذا ما يمكن قراءته من المشهد التركي الحالي وفق تداعيات نظرية السقوط ضمن انساق فلسفة التاريخ، ولكن يبقى الواقع امر اخر، يمكن التحكم به سواء داخلياً ام خارجياً، لان الحتمية التاريخية لم تكن فقط الامر الذي حاول فلاسفة التاريخ او يدونه، فالاحتمالية وردت لدى توينبي مثلا القائل ايضا بسقوط الحضارات بعد وصولها للقمة، مع وضع احتمالية النجاة في حال القيام بالاصلاحات الداخلية التي يمكنها ان تقدم الدعم اللازم للوقوف شيئا فشيئاً على الاقدام والتي تعمل على وضع الدواء اللازم لاغلب الامراض التي تفشت داخلياً، وهذا ما يثير السؤال المحير لنا هل ما يفعله اردوغان هو محاولة لاصلاح الداخل المريض المهيمن عليه ضمن الرؤية التاريخية المتعالية، ام ان اردوغان يحاول ان يخفي اخفاقه الاسطوري وراء تلك الستائر المظلمة التي قد تودي به وبالدولة المتعالية ابناء الباب العالي..؟.
تظهر الاشكالية السياسية في تركيا ضمن مسارين اساسيين الاول يدخل في مسار الدكتاتورية الاردوغانية التي برزت كواقع مرئي لايمكن التغافل عنها، والثاني دستورية وهي الاخرى لاتقل اهمية عن الاولى في قراءة المشهد التركي الحالي، فاردوغان الدكتاتوري - داخلياً بنظر المعارضة – خارجياً بنظر اغلب المعارضين لسياسته الدولية والاقليمية والانسانية - حسب الفيئوية الداخلية المؤيدة له بطل قومي يعمل على تصعيد قوة الامة التركية عسكرياً واقتصادياً لجعلها ووفق المنطق التركي المؤيد – حزب العدالة والتنمية - له من كبار دول العالم ، وقد اشار السياسي التركي محمد زاهد غول الى هذا الامر " إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمام مسؤولية بناء تركيا الجديدة عام 2023 لتكون وفق برنامج حزب العدالة والتنمية من الدول الاقتصادية العشر الأولى في العالم.."، ولكن السؤال هل سيقوم بناء تركيا فقط للمؤدين له، ام للامة التركية، وبصورة اكثر دقة، هل سيقوم باقحام الامة التركية في حرب اهلية واخرى خارجية كي يحقق برنامجه الاصلاحي لتركيا قوية...؟ ام ان الامر كله لايعد سوى فصل مسرحي عالمي واردوغان مثل البقية الباقية من رؤساء المنطقة احجار على رقعة الشطرنج الدولي واللوبيات الاقتصادية وجماعات الضغط الدولية..؟ ، ان هذه الاسئلة تجبرنا على الرجوع الى معيات الرؤية التاريخية لمسارات مماثلة اتخذها بعض الاباطرة والملوك والروؤساء والنهايات كانت متشابهة ان لم تكن متكررة ولكن برداءات متنوعة.
وهذا بالتالي ما يجعلنا ننظر الى الاشكالية بشقه الاول على انه يبدو لنا حتمياً فاردوغان ان كان يريد بناء تركيا قوية عليه ان يقويها داخلياً اولاً ويجعل جراحاتها تلتئم ويوقف هذا النزف البشري والاقتصادي معاً كي يتنسى له السير وفق منهجه ومخططه الاستراتيجي القومي الاممي التركي.. وليس وفق تداعيات السلطوية المتفردة الساعية لطمس معالم الحريات ومعالم المعارضة وخلق ممرات للاطاحة بكل من يقف بوجه المخطط، لاسيما ضمن هيكلة الافعال والنتائج ، فبحسب الكثير من المعنين بالشأن التركي ان الانقلاب الذي حصل خلال الاشهر الماضية في تركيا لم يكن الا فصل مسرحي اردوغاني وان بدا واقعياً احياناً كي يقوم بتصفية حساباته الشخصية مع المعارضة من جهة، وكذلك كي يعرف حجم الدعم الجماهيري لمشروعه وكذلك ليمهد الطريق اكثر لتحقيق هدفه الداخلي الاخر الذي يراه بانه الممر الى تحقيق غايته الاسمى بتركيا قوية عالمية.
وهذا ما يثير سؤال اخر .. ما هو الهدف الداخلي الان، بالطبع ليس ازاحة المعارضين دائما بالقوة وزجهم في السجون( اقال داود اوغلو لكونه عارض سياسته – مرر قانون رفع الحصانة عن اعضاء البرلمان الكورد كي يستطيع زجهم في السجن وقتما يشاء - دبر الانقلاب او استغل الانقلاب للفتك بمعارضيه واقصائهم نهائيا من كل المؤسسات الحكومية – زج اليوم 4- 11- 2016 ب " 12 " من اعضاء البرلمان التركي من رئيس واعضاء حزب الشعوب الديمقراطي الكوردي في السجن) ، انما هدفه الاساسي الان وفي هذه المرحلة بالذات مع تقويص السلطات المؤسساتية واضعاف المعارضة تحقيق الوصاية الدستورية التي يسعى وبكل قوة لتحقيقها عبر تمرير برنامجه حول هذه المسالة في البرلمان التركي الذي مازال منقسما على نفسه، بالطبع ليس اتباع اردوغان انما الاحزاب الاخرى المشاركة في البرلمان، وهذا ما يثير التساؤلات الكثيرة هل سينجح اردوغان الدكتاتوري ان يمرر ذلك القانون الدستوري كي يصبح الحاكم الاوحد دستورياً ويكون الوصي على كل الحكومات التي ستنتخب في تركيا او حتى على الحكومات التي قد تصل الى الحكم بالانقلابات السياسية والعسكرية، وحسب المعطيات التاريخية للرؤية الاردوغانية ان هذا الخلل الدستوري يجب معالجته قبل القيام باية خطوة للحراك التركي نحو القمة والقوة المحلية والدولية.. ويستغل اردوغان دائما مترتبات الانقلاب العسكري 1982 وما استحدث دستوريا وقتهاً حيث مهد ذلك لضعف السلطة الجمهورية داخل تركيا وتسبب بالكثير من المشاكل والازمات للسياسة التركية الداخلية والخارجية مما يعني ضرورة ايجاد حل مناسب وجذري لذلك الخلل، والحل الجذري بنظره هو اقامة الوصاية على الحكومة كي يتجنب ما حدث 2002 حيث قام رئيس الجمهورية وقتها بتعطيل الحكومة، فالخوف من هذا الشرك المؤذي بالنسبة له، تجعله يسعى وبكل قوة ان يحقق غايته في هذا الامر كي تكون انطلاقة له لتحقيق اهدافه الاخرى.. ولكن هل يمكن ان يحقق ذلك وهو الان مصدر ازعاج داخلي للكثير من القوميات الاخرى كالكورد، وكذلك للمعارضين الترك، وكذلك لمجموعة من العسكريين..؟ ، وفي الوقت نفسه هو في صراع دولي مع روسيا من جهة واقليمي مع العراق من جهة اخرى، وضمن الهيئات الدولية هو متعدي ومحتل لاراضي اجنبية، ومشارك بقوة في دعم الارهاب الداعشي والاسلامي في المنطقة، وفي الوقت نفسه يحاول وبكل قوة طمس اية اصوات معارضة داخلياً سياسياً او معارضة عسكرية بالقوة والجبروت العسكري التركي المعروفة..؟.
ان الواقع يشير وبقوة ان الاشكالية الدستورية هي التي خلفت الدكتاتور الحالي ولكن الرؤية العميقة تظهر ان الاشكالية الدستورية هي نتاج فعلي وعملي للاعمال الدكتاتورية الاردوغانية والتي هي السبب في الاجمال بالمشاكل الداخلية والاقليمية للدولة التركية العلية الساعية لتحقيق امجاد الاباء والاجداد حتى وان كان الامر يتطلب المرور على جماجم المكونات والفيئات والقوميات الاخرى داخل المعترك السياسي الجغرافي التركي.. وهذا ما يدعونا الى القول بأن التكهن بنجاح اردوغان في مسعاه يعترضه عائق التاريخ اولاً وعائق الوحدة الداخلية التي يمكنها وحدها ان تقضي على الافات التي تنتشر ضمن هياكل الدولة ثانياً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رفح: اجتياح وشيك أم صفقة جديدة مع حماس؟ | المسائية


.. تصاعد التوتر بين الطلاب المؤيدين للفلسطينيين في الجامعات الأ




.. احتجاجات الجامعات المؤيدة للفلسطينيين في أمريكا تنتشر بجميع


.. انطلاق ملتقى الفجيرة الإعلامي بمشاركة أكثر من 200 عامل ومختص




.. زعيم جماعة الحوثي: العمليات العسكرية البحرية على مستوى جبهة