الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمتنا الحقيقية

عذري مازغ

2016 / 11 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


يطرح على الوضع في المشرق أمر ينطلي عليه إجماع خاص من قبل النخبة المثقفة كون ان ما يحصل في بلدان بعينها يمكن تجميله في عنوان عريض هو المؤامرة الدولية على تلك البلدان، وطبعا انقسم الرعاع بين من يؤيد طرح وجود مؤامرة وبين من ينفيها انطلاقا من بنية خاصة بالوضع في الشرق الأوسط إضافة إلى بلدان شمال إفريقيا بشكل يطرح على الفكر أن يتفحص هذا الأمر بشكل دقيق، هل فعلا أن انتكاسات هذه الدول في تعثر مشروعها السياسي عائد أساسا إلى مؤامرة دولية تعرقل هذا المشروع أم أنه يعود إلى أزمة ذاتية تجد خللها في الذات من حيث هي تعيش أزمة خاصة رآها البعض في العقل والدين، ومناهج التربية و...وبشكل عام في كل منظوماتنا التي تستند إليها هويتنا . غير أن المسالة بشكل عام، سواء اتخذنا هذا الجانب او اتخذنا موقف الجانب الآخر ، من وجهة نظري الخاصة لا يحل المشكلة، ربما يستند منطق "المؤامرة الدولية" إلى وجود اثر لدول بعينها في الصراع السياسي الدائر عندنا، هذا الأثر لا يمكن نفيه بجرة قلم، لأنه ببساطة، كل الإجتماعات الدولية، كل مؤتمراتها حول المنطقة تصب في خلق حل معين يقتضي اعتبار مصالح هذه الدول، في المقابل نجد أيضا في سياق صنع الموقف تجاه هذه المواقف الدولية، نجد بالفعل أزمة ذاتية هي أزمة استقلال القرار السياسي في منطقتنا. وعليه ليست هناك مؤامرة دولية انطلاقا من وضع خاص هو: نحن دول خاضعة بالفعل لهيمنة دول رأسمالية كبرى، هذا الخضوع يفترض أساسا إطاعة لسياساتها وتوجهاتها، وعليه أساسا لا نملك حق تدبير أمورنا بشكل مستقل، فيما تبقى الأمور المبهورة بشعارات حقوقية كتقرير المصير، والمبادرة الحرة، وترسيخ الديموقراطية والحرية امورا للتجميل تساعد على إخفاء الهيمنة الرأسمالية على بلداننا، المسألة إذن ليست مؤامرة بل حقيقة شعوب خاضعة لهيمنة دول خاصة. هل نستطيع التخلص من هذه الهيمنة؟
بالتأكيد لا يمكننا انطلاقا من الوضع نفسه، فالبلدان الرأسمالية لن يجديها الأمر، لن تسمح أساسا بفقدان ما تسميه مصالحها القومية (أمنها العام) لن نعيد إذن تدخلاتها في دول بعينها لأجل مصالحا هذه سواء بالإنقلابات أو بالتصفية الجسدية لكل من يجسد استقلالا حقيقيا استنادا على الحق العام، يمكن لليونان أن تتبجح بما نتبجح به توقا للحرية في اتخاذ القرار، أن تعلن للعام أنها تعرضت لمؤامرة دولية، لكنها لم تعلن الامر، بل أحمت قناعتها بأنها تخضع فعلا للهيمنة، بالتجربة العينية، تدخلت المركزية الاوربية أكثر من مرة في شأن اليونان بما في ذلك شن حملة موازية لحملة الإنتخابات داخل اليونان: "إذا نجح الحزب الفلاني سنغلق مؤسساتنا المالية". ما حصل في اليونان ودول أخرى كإسبانيا والبرتغال أمر يذكرني بتلك القولة الرائدة: “ لا يمكن خلق ثورة تحررية في بلد وحيد"، الثورة الحقيقية يجب ان تكون واعية تماما لروح الهيمنة الراسمالية العالمية،إذا كانت هذه الهيمنة عالمية وهي كذلك فهذا يعني أن مقاوتها تستحث أيضا مجابهة عالمية، هنا بالتحديد نلمس ما يمكن ان نعتبره ازمة ذاتية: أزمة الذات في عجزها أن تستلهم واقع الهيمنة العالمية للرأسمالية، أزمة في ان نفهم أن هناك مؤامرة دولية وليس أن نفهم اننا نخضع تماما لسيطرة سياسية دولية، وطبيعي جدا أن نتخذ التشريح الدقيق في فهم الازمة: أي أن نعتبر بالحسبان تلك الامور التي تمنعنا من ان نستلهم واقع تخلفنا. ثمة أمر مشكل، في الوقت الذي يفترض الميل العام لتوحيد الصفوف عالميا نتجه أساسا إلى استعادة الهوية وفق معايير شوفينية نراها في الولاء للطائفة والعرق والدم او وفق معايير دينية أثبتت تجريبيا انها تناهض الغريزة في الحياة بالإقتتال ولاء لضفادع كسولة تنتظر الموت.
عوض التفكير في وحدة كونية نتجه نحو التفكير في وحدة قومية عرقية طائفية دينية، هذه هي أزمتنا، ما يقع في بلداننا يقع أيضا في كثير من البلدان، مشكلتنا هي غياب آفاق التفكير كونيا باعتبارنا جزء من الكون.
صحيح أن كل النقاشات حول المؤامرة الدولية اغنت مخيلتنا، صحيح أيضا ان كل الجدل حول ازمة الذات قد أغنى ايضا استلهامنا بتخلفنا، لكن الغير الصحيح هو ان نركب على معطيات نعرفها حقيقية ولم تلهمنا قط في اتخاذ الموقف الذي يجب، وهنا تكمن ازمتنا وهي أزمة الولاء الإيديولجي لصراعات تلهينا عن حقنا المصيري، الأيديولجية تحقن ميولاتنا بشكل تغذي اغترابنا عن ذاتنا نفسها، الإطار التاريخي الذي يؤسس تاريخيتنا هو هذه المعرفة التي يعيها كل منا: لأول مرة يتوحد التاريخ كوحدة موضوعية أساسها الهيمنة الراسمالية العالمية، لأول مرة نعي أن كل المنتوجات الراسمالية هي منتوجات تغزو، لأول مرة نعرف أن سلعنا تبقي تفاوتات في السعر نسبة إلى درجة الوطنية في دولة ما، نعرف أن الجمارك تلعب دور تهذيب الأثمنة وفق تفاوتات طبيعية في الرأسمالية الدولية، في العقود الأخيرة ارتفعت الأسعار عالميا بشكل يخل بمضمون تلك التفاوتات الموضوعية التي كانت الجمارك في مختلف الدول تكيفها وفق أجور الحد الأدنى في كل دولة، لقد كانت العولمة عنوانا سحريا في تهذيب الأمور، من جهة كانت تروم إلى فتح أسواق جديدة موازاة مع فتح استثمارات بشروط معينة أساسها تحرير السعر وتفويت القطاعات العامة، بالمقابل بقيت الأجور في العالم الثالث مجمدة تماما بشكل يخلق فائض الفائدة لصالح المؤسسات المالية الدولية في الوقت الذي لم يعمل تفويت القطاعات العامة سوى أنه أخضع عمليا الملك العام للخواص، لم يخلق وظائف جديدة كما يتوقع بل خلق ساعات عمل مفتتة ترجمة لمفهوم عقود الشغل المحددة التي تفيد اساسا: لا وجود لمعطل دائم، لكن نعم يوجد عمل سليل رقة الحال (precariedad). وعليه انبنت كل التراجعات التي مست كل التعويضات الإجتماعية التي كان العالم الرأسمالي يغرد بها أيام وجود الإتحاد السوفياتي .
سأعود إلى ما بدأت الحديث عنه، ليست هناك مؤامرة دولية لأننا أصلا لا نمثل قوة يؤامر عليها، نحن تحت هيمنة سياسية لمختلف القوى الإمبريالية، يمكن لروسيا أو الصين أن تتكلم عن المؤامرة، اما نحن شعوب شمال إفريقيا والمشرق فلا نمثل قوة تستحق أن يؤامر عليها، نحن دول تحت سقف الهيمنة، هناك أزمة ذاتية ، نعم هي موجودة، هي بالفعل أزمة تحديد صيرورتنا التاريخية في كوننا شعوب مستعبدة، وفهم أننا شعوب مستعبدة يكفي وحده ان يوقظنا من وهمنا الطائفي الديني التناحري المناهض للحياة، نحن نقاتل بعضنا ليعيش الآخر الذي عمليا هو من يحكمنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ثلاثة قتلى إثر أعمال شغب في جنوب موريتانيا • فرانس 24


.. الجزائر: مرشحون للرئاسة يشكون من عراقيل لجمع التوقيعات




.. إيطاليا تصادر طائرتين مسيرتين صنعتهما الصين في الطريق إلى لي


.. تعازي الرئيس تبون لملك المغرب: هل تعيد الدفء إلى العلاقات بي




.. إيران .. العين على إسرائيل من جبهة لبنان.|#غرفة_الأخبار