الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفهوم قوة وضعف النظام السوري

يوسف العادل

2006 / 1 / 1
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


درجت المعارضة السياسية السورية (قوىً وشخصيات) في أدبياتها على تقرير حالة النظام السوري من حيث أنه ضعيف وفي مأزق بانتظار سقوطه المحتوم بفعل حزمة الضغوط الدولية والأميركية التي واجهها ولا يزال منذ اغتيال رفيق الحريري، ويرى هؤلاء المعارضون انحسار هامش المناورة، وجدوى اللعب على وتر التناقضات الدولية التي طالما أتاحت له لزمن طويل إمكانية الإفلات من استحقاقات الصراع السياسي.
وأعتقد أن ثمة مغالطة منطقية ترتكب هنا بحق المفاهيم، ذلك أننا حينما نصف كائناً عضوياً ما( إنساناً, مجتمعاً ,نظاماً سياسياً) بأنه أضعف من، أو ضعيف، فلا بد أن هناك حالة معيارية،قياسية ننسبه إليها، وهذا منطق الأمور، وقواعد أسماء التفضيل( أكبر، أصغر، أقوى أضعف....الخ).
ومن هنا ، وإذا ما أردنا تعقب الحالة المعيارية لتوصيف حالة النظام السوري تاريخياً , فإننا سنجد منطلقها على الأقل منذ أن قررالإنقسام الطبقي السياسي في المرحلة الرأسمالية الاحتكارية وضعية مايسمى اصطلاحاً البلدان المتخلفة أو النامية أو التابعة ومنها سوريا التي اجتاحها الاحتلال الاستعماري، في موجته التي انطلقت في الحرب العالمية الأولى (1914-1918), وبالتالي ، فإن سوريا حينئذٍ، ووفق المنطق الاستعماري ليست سوى مصدر للمواد الخام والثروات التي ينهبها المستعمرون بالحديد والنار، وليست كذلك سوى سوق لتصريف بضائع هؤلاء المستعمرين، وليست حكومتها ونظامها آنئذٍ سوى مخفر متقدم يحرس مصالحهم،مقابل بقاء هذه الحكومة وهذا النظام على قيد الحياة السياسية بحالة ارتهان مطلق للسلطة الاستعمارية وكل ذلك على حساب المصالح ، والصيرورة الوطنية للدولة والمجتمع.
إذن هذا هو صفر مسطرة القياس لمجتمعات ونظم الدول النامية ومنها سوريا،لكن سنوات الحرب الباردة وتجاذب الصراع السياسي بين النظام الرأسمالي العالمي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، وبين نظام التجربة الاشتراكية العالمي بقيادة الإتحاد السوفييتي وتداعيات هذا التجاذب على المستوى الإقليمي من حيث بروز الإصطفافات والمحاور قد أكسب النظام السوري إمكانيات مادية ولوجستية، وملامح خاصة سمحت له بالخروج من دائرة الارتهان المطلق الأعمى لهذا الطرف وذاك ، إلى امتلاكه هامش سياسي خاص به،يناور من خلاله لتحقيق مصالحه الخاصة، واستطاع هذا النظام في نهاية المطاف أن يجعل من نفسه مقاولاً سياسياً لا يمكن تجاهل أدواره من قبل الأطراف الدولية التي أسندت له مهام عديدة، وفي ملفات مختلفة( فلسطين، لبنان..بله ساحته الداخلية...الخ).
وعلى هذا الأساس لم يعد النظام السوري قابعاً على صفرالكولونيالية والتبعية الاستعمارية في مسطرة اتفاقيات سايكس بيكو، كحكم محلي،في المستعمرات، وإنما صار له(على خلفية معطيات الحرب الباردة) رقم قياس إيجابي(+كذا...) بخلاف مايريده له المستعمرون أساساً، من حيث بقاؤه صفراً وكماً مهملاً في الصراع السياسي.ووفق منطق القانون الاستعماري كما أسلفنا.
ومضت الأيام،وهاهو النظام السوري يقف وجهاً لوجه أمام استحقاقات الوقائع السياسية في ملفات الصراع السياسي المختلفة( لبنان، العراق ،فلسطين، والضغوط الدولية ،) وبالتالي إذا استبعدنا مسألة النية الدولية والأميركية لإسقاط هذا النظام خشية الفوضى والفلتان الأمني الشامل المحتمل في المنطقة، وهذه النية تخيف النظام حقاً، فإنه رغم التلكؤ والتسويف والممانعة سيمعن في تقديم التنازلات وإلقاء أوراق جميع الملفات في سلة الضغوط وستشهد ملاءة هذا النظام تقهقراً وتراجعاً تدريجياً وصولا إلى مرحلة ماقبل السقوط المستبعد( الموت السياسي)، وهكذا سيصل بتنازلاته إلى الحالة الصفرية. ، ويكون بذلك قد استعاد نفسه من مغبة الحالة الاستثنائية التي ساقته إليها ماكينة الحرب الباردة و أعاد كل عتاد ومكتسبات هذه المرحلة التي جعلت منه نمراً صغيرًا إلى ذمة التاريخ، وسيعود المنطق الاستعماري إلى عمله بحيث نجد أنفسنا أمام ثماني كبار يتقاسمون العالم من جهة وأنظمة ملحقة بلا مصالح خاصة ولا هوامش مناورة ولا يحزنون من جهة ثانية، وبالتالي نكون أمام الوضع الطبيعي للنظام السوري (منطقاً وواقعاً). ، و لامجال والحالة هذه للحديث عن مفهوم قوة وضعف النظام كحالة قابلة للقياس والنتائج، ذلك لأن وضعيته الطبقية السياسية مقررة على أساس قوانين الصراع التي تبقي هذا النظام في الحالتين( الطبيعية والاستثنائية) استبدادياً وأقوى على طول المسار من المجتمع والمعارضة، وبنفس الوقت أضعف من أسياده الدوليين بكل المعطيات و النتائج كجزء لايتجزأ منهم كحالة عضوية واحدة .
وأعتقد أن من مصلحة العمل السياسي المعارض على الساحة السورية الكف عن التوصيف البديهي وتكرار ما بات معروفاً للقاصي قبل الداني والصغير قبل الكبير من حيث الظلم والاستبداد والفساد المستشري في النسيج الاجتماعي السوري،والتفرغ مطلقاً لتوصيف ورصد وتتبع واقع المعارضة السورية من حيث إمكانياتها الذاتية ووحدتها وائتلافاتها ووفاقاتها وحظوظ عملها المشترك، وكل ذلك قابل للقياس الكمي والنوعي في مواجهة نظام لايمكن إلا أن يكون استبدادياً (يدافع عن مصالحه أينما وحيثما تهددت) كطبيعة طبقية سياسية معطاة ومقررة لمرة واحدة بخصائصها الثابتة ولا تقبل القياس ، وعلى المعارضة أن تتعاطى مع هذه الحالة بمنطق القطيعة والتجاوز التاريخي التدريجي للاستبداد الذي يتنافى أساساً مع أي حراك يتجاوز الخطوط الحمراء مهما تجلبب هذا الحراك بالعلنية والسلمية والديمقراطية ونبذ العنف.
مرة أخرى فالنظام السوري لم يكن قوياً ليصير ضعيفاً‘ ولافي حالة انفراج ليكون مأزوماً، فهو معطى تاريخي ثابت الخصائص لا يقبل التعايش السياسي معه، فهو إما أن يكون أولا يكون.
31/12/2005








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هكذا علقت قناة الجزيرة على قرار إغلاق مكتبها في إسرائيل


.. الجيش الإسرائيلي يسيطر على الجانب الفلسطيني من معبر رفح




.. -صيادو الرمال-.. مهنة محفوفة بالمخاطر في جمهورية أفريقيا الو


.. ما هي مراحل الاتفاق الذي وافقت عليه حماس؟ • فرانس 24




.. إطلاق صواريخ من جنوب لبنان على «موقع الرادار» الإسرائيلي| #ا