الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البيئة الاجتماعية الحاضنة

يوسف أحمد إسماعيل

2016 / 11 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


في ظل الحرب في سورية كثر تداول هذه الجملة " البيئة الاجتماعية الحاضنة" من قبل الإعلام المحرِّض على القتل والمحرّض على المحرِّض أيضاً، للدلالة على الحاضن الاجتماعي لهذا الطرف أو ذاك. وفي سياقات الاستخدام كانت تمر رسائل ضمنية عنفيّة تحض على ضرورة توسيع دائرة القتل والتدمير لتشمل المدنيين، من أصحاب الرأي أو الطائفة أو الدين أو المذهب أو التواجد الجغرافي، وليس تجنياً أن نذكّر أن الرئيس بشار الأسد هو أوّل من وسّع تلك الدائرة حين ربط بين عدد الإرهابيين وحاضنتهم الاجتماعية التي قد تصل إلى الملايين من السوريين ، ويمكن تصنيف أصحاب الرسائل الضمنية في فئتين:
فئة تحرّض عن وعي مسبق، في إطار نهجها الاستراتيجي الذي يعمل على تدمير بنية المجتمع السوري، لكي توجد لرموزها مكاناً في الهيمنة على الصراع عبر تأجيجه، ثم التسلل الى قيادته دون أن تكتوي بلهيبه، وذلك حين تتوافر الفرصة للانتهازيين والطامعين بالدم السوري.
وفئة ساذجة من بعض المثقفين السلبيين الذين رأوا في الصراع حدّين متناقضين، أنا الخير المطلق والآخر الشر المطلق؛ فإما أن تكون معي أو ضدي؛ وأن تكون معي يعني أن تقف ضد الآخر ماديا وروحيا، وفي السر وفي العلن، وفي التواجد، والإقامة ، والنزوح، ومواطن الهجرة، وحتى مكان إنشاء الخيمة أو بلد اللجوء وشكله.
بناء على ذلك وقع المواطن السوري المدني ضحية العنف مرتين: الأولى حين دُمِّر بيتُه وقُتل أو شُرِّد. والثانية حين أصبح هدفا لأطراف الصراع على أساس تصنيفاتها له في هذه اللحظة الحرجة أو تلك من الأزمة. فالذين يُقصفون في الحمدانية أو صلاح الدين في حلب يستحقون، من وجهة نظر الأطراف المتصارعة، القتل والملاحقة؛ لأنهم يمثلون البيئة الاجتماعية الحاضنة للعدو؛ فمن بقي منهم مثلا في المناطق التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة يستحقون الحصار والموت جوعا أو قنصا أو رميا بالبراميل المتفجرة، فهم من اختار البقاء تحت سلطة المعارضة المسلحة على الرغم من الفرصة التي أتيحت لهم قبل القصف والحصار للخروج والنزوح كسواهم، ولكنهم فضلوا ذلك لأنهم يؤيدون تلك المعارضة بل يدعمونها بوجودهم في مناطق سيطرتها، ومن كان منهم قد آثر النزوح في المناطق التي يسيطر عليها النظام كحلب الجديدة والحمدانية، يستحق القصف بصواريخ جهنم وقذائفها الأخرى انتقاما لقصف النظام لمناطق المسلحين، على أساس أن من هو في مناطقي مؤيدٌ لي، ومن هو في مناطق سيطرة النظام مؤيد للنظام، بل هددت جبهة النصرة منذ سنتين بقصف المدنيين في حلب الجديدة، مع الاعتذار منهم، لأن النظام هو من يجرها الى ذلك!!
في إطار ذلك الوعي المتطرف، الناتج من الفشل أولاً في الانتصار على الآخر، وثانياً من الرؤية الإقصائية القطيعية للمجتمع المدني السوري، صُنِّفَ المواطن السوري بشكل عام، رغماً عنه، في خانة داعم الإرهاب؛ فإذا كنت في حلب الجديدة وما شابهها فأنت إذاً مجرم تدعم النظام وجرائمه وميلشياته، بغض النظر عن فكرك ووعيك وموقفك السياسي والأيديولوجي وانتمائك وجغرافيتك ، وإذا كنت في حي السكري أو طريق الباب أو جزء من صلاح الدين الواقع تحت سيطرة المسلحين فأنت إرهابي لأنك حاضن اجتماعي للجماعات المسلحة، وبالتالي تستحق الحصار والقتل والتدمير، والا لماذا بقيت في تلك المواقع حتى اللحظة الساخنة هذه...؟
إنّ ذلك التصنيف البهيمي المتطرف هو تصنيف انفعالي، لأنه لم يأخذ بالحسبان ماذا يعني ارتباط الإنسان بالمكان، وماذا يعني موت المواطن تحت سقف بيته أو بين أحجار حيه، وأن ذاك أهون لديه من النزوح الى خيمة على أطراف المدينة الأخرى أو الدولة الجارة أو البعيدة!. هو تصنيف انفعالي أيضا لأنه لم ينظر بموضوعية للظروف الخاصة التي تحيط بكل مواطن سوري. فحين يُهدم بيتك نتيجة القصف والقصف المضاد في حي دبّ فيه الصراع دون إرادتك، فهل تهاجر خارج ساحة الوطن السوري أم تلجأ الى بيت جدك المهجور منذ سنوات في قرية أصبحت ، دون ارادتك أيضا، تحت سيطرة الجماعات المسلحة أو مازالت تحت سيطرة النظام؟ !
وحين تُقصف تلك القرية، وتُجبر أنت على النزوح مرة أخرى إلى بيت صديق لم يطاله الصدْع بعد، فهل يشير ذلك الى تبدل موقفك ورأيك وقناعاتك بمجريات الصراع؟! أي أن تنتقل من أن تكون جزءا من بيئة اجتماعية حاضنة لإرهاب الجماعات المسلحة ؟! إلى أن تكون جزءا من بيئة اجتماعية حاضنة لإرهاب النظام؟!
إن ذلك الفهم للبيئة الاجتماعية الحاضنة يحرّض على القتل الجماعي، وهو نتاج رؤية عامرة بالعنف والانفعال والغضب والتمييز العنصري. وإن رؤية موضوعية بسيطة للواقع ومشاكل النزوح في الجوف السوري تؤكد أن الموالين والمعارضين للجماعات المسلحة أو النظام متواجدون في كل بقعة جغرافية سورية، بغض النظر عن هوية المسيطر عليها. ففي ريف إدلب، الواقع تحت سيطرة المعارضة المسلحة ، هناك كثر من المخلصين للنظام والمدافعين عنه دون مواربة، والعكس صحيح؛ فهناك كثر من المعارضين في المناطق الآمنة التي لم يطالها الصراع في سورية، وهم يدعون للجماعات المسلحة بالنصر، وهناك من نزح من مناطق سيطرة المسلحين إلى مناطق سيطرة النظام هربا من الموت، وترك دعاءه على الطريق للجماعات التكفيرية، والعكس صحيح أيضا.
وعليه فإن إخراج البيئة الاجتماعية الحاضنة من إطار الإدانة ضرورة ملحة في ظل الظروف الراهنة المحيطة بالمجتمع المدني السوري، وذلك لكي لا ندفع بالمواطن السوري المدني إلى مزيد من الألم والهزيمة والظلم والنزوح، ومن أبسط تلك الدوافع لهذا هو التخلي عن محاسبة الآخرين وفق النوايا، ونظن جهلاً أننا نقرأها بشكل صحيح على الرغم من أننا نردد كثيراً } إن بعض الظن إثم {؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر: لإحياء تقاليدها القديمة.. مدينة البليدة تحتضن معرض


.. واشنطن وبكين.. وحرب الـ-تيك توك- | #غرفة_الأخبار




.. إسرائيل.. وخيارات التطبيع مع السعودية | #غرفة_الأخبار


.. طلاب بمعهد ماساتشوستس يقيمون خيمة باسم الزميل الشهيد حمزة ال




.. الجزائر: مطالب بضمانات مقابل المشاركة في الرئاسيات؟