الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سوسيولوجيا الحُگرة.

مولاي عبد الحكيم الزاوي

2016 / 11 / 9
حقوق الانسان


سوسيولوجيا الحُگرة.
بقلم مولاي عبد الحكيم الزاوي
دُعيت من طرف الزميل الإعلامي مصطفى غلمان إلى برنامجه "صوت المواطن" الذي يبث على أثير إذاعة "م.ف.م" المراكشية، قصد المشاركة في موضوع بحساسية مفرطة "الحُگرة من منظور علم الاجتماع"، توجسَّت في البداية، لأسباب عارضة، منها أن السياق الذي من الممكن أن يثار فيه هكذا نقاش مطبوع بمخاضات وتحولات عميقة، تعتور جسدا على وشك الوضع، وقد يفرز تأويلات لغير من لا يهتم بأسئلة العلوم الاجتماعية، وبدورها في مواكبة قضايا الرأي العام، وقد يسمح لمن يهوى الامتطاء فوق "سرقة التاريخ" بتعبير جاك غودي أن يجد تسويغا لما يحدث ينساق مع طروحاته الخاصة، وثانيا، لأن الموضوع أعمق من أن يختزل في ساعة للنقاش، ومن أن يُفَصَّل في مقال مبسط، ذاك أنه يقع في خط التماس بين استمرارية النسق أو شبح السيناريوهات العربية المؤلمة.
قدَّرت أن هذا الموضوع يحظى براهنية سوسيولوجية، وسيسهم في خلق تفاعلات صاخبة من طرف السادة المستمعين، لارتباطه بمناطق ظل ظلَّت محتجبة عن بارادايم السوسيولوجيين، ولإثارته نقاشا آسنا يختبأ في أقبية اللاشعور المغربي، ويسكن في أروقة المكبوت، ويُعرّي عن واقع مسكوت، أخد يصعد تدريجيا من الدهليز نحو السطح ،كما تقول بذلك الباحثة السوسيولوجية إلين بارو.
ولأن مهمة رجل الإجتماع كما نافح عن ذلك ماكس فبير، تبقى أن يمارس سياسة الفضح والتعرية والتفكيك على واقع سوسيولوجي يكاد يكون متنطعا من كل المقاسات والبراديغمات السوسيولوجية المعتادة، في لحظة ارتجاج لمشرع مجتمعي، يطاوع قديما يترنح وجديدا لم يولد. فثمة حاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى إعادة السوسيولوجيا لمعانقة تأوهات معذبي الأرض بعبارة فرانز فانون، أو مستضعفيها بتوصيف علي شريعتي.
يتزيا مفهوم الحُگرة بعباءة الظلم والشطط في استعمال السلطة، ويفرض حفرا تاريخيا وسوسيولوجيّا عميقا من أجل فهم خلفيات هذه الحُگرة، وتمثلاتها في الزمن المعاش، فمفهوم الحُگرة يكاد يكون متموجا زئبقيا في هكذا سياق، يصعب الامساك بمدلولاته وحمولاته اللفظية والمعرفية، وتحديد تمظهراته، انطلاقا من مقاسات مخصوصة.
بدأ هذا المفهوم الملتبس يفرض تموقعه داخل الفضاء العام بالمغرب، في المدارس والمستشفيات، وفي الإدرات العمومية والمرافق العامة وغيرها، وانتقل إلى فضاءات المواقع الاجتماعية كتعبير عن مكبوت رمزي ومادي، يسكن تجاويف اللاشعور، ويرغب في خروج المكبوت الفردي والجماعي نحو العلن، فالشباب الذي يظهر أنه تمرد على السياسة بمؤسساتها التقليدية، وأرسل ترميزات ايحائية إلى مالكي وسائل الاكراه والانتاج من خلال الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة، هو نفسه الذي يتفاعل مع تمظهرات الحگرة في الواقع اليومي، ويحشد الدعم للدفاع عن الكرامة الانسانية، ويناضل من أجل دولة الحق والقانون.
قد يخال البعض أن مناسبة هذا الكلام ترتبط بقضية بائع سمك الحسيمة محسن فكري، أو من بات ينعت ب"شهيد الشعب المغربي"، بقدر ما يهم أساسا، هو كشف عن تلك "الحديقة السرية" بتوصيف الصحفي الفرنسي جيل بيرو، التي تخفي وراءها غابة مجهولة من التجاوزات اللامنتهية للقانون في كل الفضاءات العامة. وهو ما قد يساعد على محاولة تحليل وتفكيك النسق الاجتماعي الذي يفرز هذه الحُگرة.
ثمة علاقة ملتبسة تربط بين الفرد والدولة، تتغدى من عدم وضوح المشروع المجتمعي، فالكل يطالب بكل شيء من الدولة، والكل يتهم الدولة، والكل يخاف من الدولة، والكل يشكك في الدولة، والكل يسعى إلى اقصائها من كل أماكن عملها، ويصادرها حقها في ممارسة العنف المشروع، وفق تحديدات فيلسوف العدالة جون راولز. بينما تظهر الدولة نفسها مرتبكة، متلعثمة، غير قادرة على المبادرة، على ردم الهوة بين الفرد والمجتمع، على تأطير هذه العلاقة، ودفع المواطن إلى ممارسة حقه في المواطنة.
والحال، ثمة انعطاب بنيوي يعتور منجزنا السوسيولوجي، في رصد سيكولوجية الشباب المغربي، في الانصات إلى زفراته، مؤداه غياب مراكز ومختبرات ومراصد تواكب تفاعلات الشباب، وترصد ما يمسيه ياسين عدنان ب"المغرب الساخن"، بله أن تقف عند ممارسة الحفر التاريخي والسوسيولوجي لخلفيات الحگرة بمغرب الألفية الثالثة، من خلال استحضار تجربة المخزن التاريخية وعلاقته بالرعايا، أو لم يصدح المؤرخ عبد الله العروي في استبانته الأخيرة "إن المخزن شبح يحرك حركة الأحياء".
ولأن مهمة رجل الاجتماع، ترنو إلى الاقتراب من مضمرات القاع الاجتماعي، فلئن اللحظة السياسية تعلن عن نفسها كلحظة موشومة بصخب صارخ، وكجسد ممخوض ينتظر مولودا، بإيقاعين زمنين متفاوتين: إصلاحات دستورية تزعم أنها تهتم بالفرد والمواطن، وعمق مخزني يمتح من تجربة الإكراه والاخضاع، وهو ما يُعبر عنه البعض، ب"الدولة العميقة" أو "الفلول" بلغة المشارقة، لا يرى ضيرا في تكريس مخزنة الحياة العامة. مما يزكي سيكولوجيا ما يسميه الفيلسوف الإيراني دريوش شيغان ب" الاغتراب اللاشعوري" لهؤلاء الشباب.
لنعد بذاكرة الحگرة إلى التاريخ، علّنا نحدث ثقبا في الذاكرة، وعلى الأقل إلى صدمة الحداثة بمغرب القرن التاسع عشر، وانبلاج عصر الإصلاح الحسني، إلى مغرب التجاذب بين ثلاث فاعلين أساسين: المخزن كبنية مركزية من جهة، والقبائل والزوايا كبنى مواكبة، قد يضنه البعض، توازنا هشا، لكنه فاعل في مدار التاريخ، وداخله تنصهر علاقات القرابة والمصاهرة والولاءات والمحسوبية والزبونية التي ستستفيض أدبيات الأنتربولوجيا الانقسامية في تحليلها، كسلوكيات وممارسات ضابطة للوجدان المغربي، ستعمل فرنسا الحامية على رعايتها وتزكيتها، وإراثتها لمغرب ما بعد الاستقلال، مما يجعلنا أن نقر بقليل من الحيطة والارتياب، وفقا لتحليلات الانتربولوجي عبد الله حمودي صاحب "الضحية وأقنعتها" بأن المجتمع المغربي مجتمع زبوني وقرابي بامتياز، يخضع للقرابة والعلاقات والمصاهرات، وأسبقية القبيلة والعصبية والدم. مما يجعل من ورش بناء الدولة المدنية الحديثة معاقا ما لم يحدث شرخ في التمثل الذهني للقبيلة والقبلية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مبادرة لمحاربة الحشرات بين خيام النازحين في رفح


.. تونس.. معارضون يطالبون باطلاق سراح المعتقلين السياسيين




.. منظمات حقوقية في الجزاي?ر تتهم السلطات بالتضييق على الصحفيين


.. موريتانيا تتصدر الدول العربية والا?فريقية في مجال حرية الصحا




.. بعد منح اليونسكو جائزة حرية الصحافة إلى الصحفيين الفلسطينيين