الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطية ومأزق الممارسة

الشدادي عزالدين

2016 / 11 / 11
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


الديمقراطية ، ومأزق الممارسة



ارتبطت هذه اللفظة اليونانية الأصل بدلالة تشير من الناحية الاشتقاقية إلى " سيادة الشعب " أي حكم الشعب نفسه بنفسه ، وهي لفظة مكونة من نصفين ، ديموس (Démos) ، وتعني عامة الناس ، وكراتيا (Kratia ) ، وتعني حكم ، ومن حيث جمع النصفين نجد أن المعنى هو " حكم الشعب " ، وظهور هذه اللفظة جاء في خضم تحولات عاشتها المدينة اليونانية خصوصا بعد أن تحولث أثينا إلى عاصمة للفكر والثقافة ، ويحكي Jean Pierre" Vernant"، في حديثه عن الأسطورة (Mythos) في المجتمع الإغريقي أن المدينة ظلت على الدوام تربة صالحة لبزوغ عقلية متفتحة ، وأن هذه المدينة ارتبطت عند اليونانيين بالمدينة/ الدولة (Polis) التي كانت حاضرة لكل المواطنين بدون فوارق بين المجالين القروي والحضري ، وبتمتع متساوي في كل الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، أمر كهذا جسدته طبيعة المناقشات الفكرية داخل الأغورا (Agora) الساحة العامة التي كانت تناقش بداخلها مختلف القضايا التي تهم مواطني المدينة ، وبناءً على هذه المكانة التي احتلتها المدينة داخل اليونان ظهرت الديمقراطية كنمط تسيير وتدبير لشؤون المواطنين (الشأن العام ) ، وقد ظهرت الديمقراطية بالمدينة من خلال إزالة الفوارق بين مختلف المواطنين مع إشاعة للفكر والثقافة ، وكذا السلطة التي لم تعد حكرا على بعض العائلات والأعيان .
إذن المدينة الاغريقية انتقلت من حكم الأقلية (الأوليغارشية) إلى حكم الديمقراطية ، وبعدها ستتحول وتنتقل عبر موجات تاريخية إلى باقي دول أوروبا وحتى إلى دولنا العربية والإفريقية ، التي غالبا ما اتسمت خطاباتها خصوصا في مطلع القرن العشرين بمفاهيم ومصطلحات من قبيل ( حقوق الإنسان / المواطنة / الديمقراطية / العدالة ،،) ، وهي مفاهيم تم استيرادها بشكل نصي وفق ما عاشته أوروبا من تحولاث على مختلف المستويات في لحظات نهضتها وأثناء زمن تنويرها وخروجها من حالة الوصاية ،،
لكن بأي معنى حضرت الديمقراطية كممارسة داخل مجالنا العربي والإفريقي ؟
إن مجتمعاتنا ومذ حصولها على استقلالها ظلت تعيش ذلك الفصام على مستوى ممارستها لسياساتها الاقتصادية والاجتماعية ، ولم تكن الديمقراطية حاضرة كنمط تدبير وتسيير ، وإنما كنمط سياسة خارجية وكواجهة داخل الدساتير والقوانين المؤطرة لهذه المجتمعات ، ودليل كلامنا ما تعيشه هذه المجتمعات (تونس ، ليبيا ، مصر ، المغرب ،،) من احتجاجات جل مطالبها تتلخص في ديمقراطية سياسية واجتماعية وثقافية تلغي وتزيل وجود فوارق قاتلة بين فئات المواطنين ، وفي كل يوم نجد مطالب هؤلاء المواطنين متحدة شكلا ومضمونا في مطالبتها بكرامة وعدل وحرية وعيش كريم ، وهي مطالب يجسدها الخطاب الديمقراطي هذا ما إذا كان مجسدا على مستوى الممارسة ، وليس فقط على مستوى الخطاب.
حضور الديمقراطية بهذا الشكل الممسوخ يعيدنا إلى فترة ظهورها وما رافقه من تشوهات على مستوى الممارسة ، وهنا وجب أن نميز بين الديمقراطية كنمط عادل ، والديمقراطية كحكم للأغلبية و الأكثرية ، وهنا نتساءل :
هل انتقلنا من حكم أقلية إلى حكم أغلبية ؟ أم من حكم أقلية إلى حكم ديمقراطي ؟
الجواب تجسده العديد من محطات التاريخ السياسي والفكري لمجتمعات النشأة (أي نشأة المفهوم ) مثل اليونان ، فسقراط أعدم نتيجة حكم الأغلبية الذي كان يسمى ديمقراطية ، والعراق تم غزوها باسم الديمقراطية ، وفلسطين لا زالت الحرب دائرة بين أراضيها باسم الحق والديمقراطية ، وسوريا ومصر ،،، ورئيس أقوى دولة في العالم مثل الولايات المتحدة الأمريكية مثل ترامب يصل إلى الحكم باسم الديمقراطية حتى وإن كان يعارض وصوله جزء كبير من الشعب الأمريكي ، وهكذا دواليك ،،،
أمور كهذه تضعنا أمام حقيقة مفادها أننا لسنا أمام ديمقراطية واحدة ، بل أمام ديمقراطيات متعددة الأشكال ، فديمقراطية الشعب تختلف عن ديمقراطية الحاكم ، وديمقراطية الرئيس تختلف عن ديمقراطية المرؤوس ، وديمقراطية الجنوب تختلف عن ديمقراطية الشمال ، بل حتى ديمقراطية جنوب/جنوب تختلف عن بعضها البعض ، وبهذا الشكل غدت الديمقراطية نوع من أنواع الاستبداد الناعم أو الهيمنة الناعمة التي تتغنى في مظهرها بحقوق الإنسان وكرامته وحريته ، وباطنا تحوله إلى عبد مستهلك ووسيلة لبلوغ أهداف سياسية وحزبية ضيقة ، وتحول قيمته من قيمة مطلقة إلى قيمة مبتذلة ومشروطة مرهونة بخدماتها المادية والملموسة ، ووضع كهذا يجعل الانتخابات والاستفتاءات التي هي مظهر من مظاهر الديمقراطية لا تعبر بشكل جلي عن طموح الشعوب والمواطنين ودليل ذلك عزوف الأفراد عنها ومقاطعتها بشكل جذري ، وفقدان الثقة حتى في طعم السياسة بشكل عام .
إن الديمقراطية اليوم تأتي كحروب حضارية الهدف منها إخضاع الشعوب وإذلالها باسم الكرامة والحريات الأساسية ، والسيطرة عليها باسم " الذلقراطية " التي هي نظام يهدف إلى نهب خيرات هذه الشعوب باسم الديمقراطية ، ومن بعد ذلك إذلالها ورهن مصيرها بسياسات معينة ومحددة تخرب تعليمها وصحتها واقتصادها ، ومن ثم جعلها تحت وقع مديونيات لا حد لتسلطها وقهرها.
إن مقاربتنا للديمقراطية هي مقاربة توضيحية أكثر منها تحليلة ، الهدف منها الوقوف عند ذلك الحد الصارخ بين ممارستها كنمط عقلاني يهدف إلى الحفاظ على مصالح الشأن العام ، وبين استخدامها كوسيلة لتدمير الحضارات وطمس معالمها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الناخبون في تشاد يدلون بأصواتهم لاختيار رئيس للبلاد


.. مقتل 4 جنود إسرائيليين بقصف لحماس والجيش الإسرائيلي يبدأ قصف




.. الانتخابات الأوروبية: أكثر من نصف الفرنسيين غير مهتمين بها!!


.. تمهيدا لاجتياحها،الجيش الإسرائيلي يقصف رفح.. تفاصيل -عملية ا




.. تهديد الحوثي يطول «المتوسط».. خبراء يشرحون آلية التنفيذ والت