الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل تختلف مواقف ترامب كثيرا عن سلفه أوباما؟

رياض حسن محرم

2016 / 11 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


بالرغم أن لهجة الخطاب الإنتخابى تختلف فى المجمل عن الموقف العملى بعد الجلوس على كرسى البيت الأبيض الاّ أنها تعد مؤشرا حقيقيا عن التوجهات السياسية ودرجة الإختلاف المحتملة لكل رئيس، هذا إذا أخذنا تصريحات دونالد ترامب أثناء فترة ترشحه للرئاسة بالحسبان، ورغم صحة القول بأن للولايات المتحدة كدولة مستقرة ثوابتها الداخلية والخارجية التى يصنعها أكثر من مصدر من بينها ذلك القابع فى المكتب البيضاوى وأيضا البنتاجون والكونجرس، الاّ أن تلك السياسة تعتبر "بشكل أو بآخر" إمتدادا لسياسة سابقه باراك أوباما.
لقد أحدث أوباما تغيرا حقيقيا فى توجهات الولايات المتحدة "بعد مرحلة الرئيس الجمهورى جورج بوش الإبن وإستخدامه االواسع للقوة العسكرية" تعرف بالإنعزالية والنكوص الى الداخل والتركيز على ترميم الإقتصاد بعد الأزمة الإقتصادية العالمية والعمل على دعم البنوك والشركات المنهارة والبحث عن مزيد من فرص العمل للعاطلين، وهو نفسه ما يطرحه ترامب من الإنكفاء الى الداخل وتأكيد السياسة الإنسحابية لأوباما والتركيز على إعطاء الإقتصاد الأولوية الأولى، فقد قام أوباما في عام 2011 بسحب قواته من أفغانستان قائلاً بأن أمريكا لا تستطيع نشر قواتها في كل مكان لأن كلفة الحرب باهظة مما أدى لإرهاق أمريكا إقتصاديا و علينا أن نتجه الآن لبناء و تنمية الدولة من الداخل، وهذا بالضبط ما قاله ترامب في إحدى تصريحاته؛ بأن تريليونات الدولارات تصرف على الشرق الأوسط و من الأجدر أن تصرف على الدولة من الداخل، ما يعني أن الإنسحاب من المناطق الخطرة لتوفير الأموال و تنمية الدولة الأمريكية كانت سياسة أوباما و ستكون سياسة ترامب، فإن فكرة أن الولايات المتحدة يجب أن "تقود" أو يجب أن تكون الأمة "الأولي" في العالم، ستكون حاضرة بقوة لأنها صارت جزءاً من المخيلة السياسية للمجتمع الأمريكي، حتى موقف ترامب العنصرى تجاه المسلمين واللاتين والمرأة يقابله مواقف أخرى مشابهه لباراك أوباما فقد صرح أوباما عام 2009 بأنه يؤمن بالتميز العنصري للمواطن الأمريكي و قد لاقى تصريحه إستهجان كبير و نُعت بأنه لا يملك رؤية أخلاقية ؛ ونعلم جيداُ من يشاركه في إنعدام الرؤية الأخلاقية ..إنه ترامب الذي صرح بأن الأمريكيون أفضل من باقي الشعوب.
وليس موقف ترامب تجاه السعودية ودول الخليج جديدا، فقد جاءت تصريحات أوباما لصحيفة "ذى أتلانيك" حيث أجاب عن سؤال للصحفى الأمريكى "تيرنبول" عن السعودية مجيبا " أن السعودية وغيرها من الدول الخليجية ترسل الأموال وعدداً كبيراً من الأئمة والمدرّسين إلى جميع البلدان، وكشف انه «في عام 1990، موّلت السعودية المدارس الوهابية بشكل كبير، وأقامت دورات لتدريس الرؤية المتطرفة للإسلام، والمفضّلة لدى العائلة المالكة" كما اضاف أيضا : لقد كانت بلدا مثل أندونيسيا تتبنى منهجا إسلاميا وسطيا معتدلا الى أن جاءت السعودية بأموالها وعقيدتها المتطرفة فحولتها، وضرب مثالا على ذلك بالقول لن تنتهى الصراعات فى المنطقة طالما تمترست كلا من السعودية وإيران خلف المذهبين الشيعى والسنى وأردف وكأنما يحدث نفسه: ولكن على كل حال فإن الذين هاجموا برجى التجارة فى 2001 لم يكن بينهم إيرانى واحد بينما أغلبيتهم من السعوديين.
أماّ عن تأييد ترامب المطلق للكيان الصهيونى ودعوته لنقل العاصمة الأمريكية الى القدس فى حال فوزه فعلينا الاّ ننسى أيضا أن جميع الرؤساء الأمريكيين ذكروا ذلك فى فترة ترشحهم ومن بينهم أوباما، وأنهم بعد ذلك إستخدموا حق الفيتو الممنوح للرئيس فى إيقاف الكونجرس عن إصدار قرار بذلك، الشاهد أن مسؤولى الإدارة الأمريكية منذ عهد طويل يتبارون فى حجم الدعم المقدم لإسرائيل واللافت أن هذا الدعم يأخذ خطا صاعدا وخاصة فى مجال التسليح، نعم لقد بدأ أوباما عهده بإطلاق تصريحات متفائلة حول حل الدولتين وذكر أنه خلال عام واحد سيحتفل العالم معه بدولة فلسطينية مستقلة وعضو كامل فى الأمم المتحدة ولكنه سرعان ما نقض وعده وانحاز الى وجهة النظر الإسرائيلية كما انة احبط العديد من المشاريع في الامم المتحدة ومجلس الامن التي تحث اسرائيل على وقف الاستيطان وشهد نهاية عهده أكبر دعم لها بحوالى 38 مليارمن المعونات العسكرية هى الأكبر فى تاريخ الولايات المتحدة، ليس معنى ذلك أن ترامب لن يكون داعما لحكومة نتنياهو اليمينية بشكل مطلق وهذا ما ظهر فى تصريحاته كمرشح، خاصة أن الظروف كلها تلعب لصالح إسرائيل فالتوازنات بالمنطقة مختلة لصالحها، ولكن ما زال الوقت مبكرا لإطلاق أحكام نهائية.
بالنسبة للإتفاق النووى مع إيران الذى يفخر أوباما بإتمامه مع بقية مجموعة 5+1 فإن ترامب أبدى إعتراضه الجذرى على الإتفاقية وأعلن فى مناظرته أنه سيمزقها أول وصوله للحكم وإن كان عاد للتخفيف من هذا الموقف فقد أكد أكثر من مرة أنه سيراقب الاتفاق بدقة وسيتأكد من التزام إيران به وتطبيقها الصارم لبنوده، وحتى بالنسبة للعلاقات مع روسيا فرغم التصريحات العنترية لهيلارى وأوباما حول موقف صلب تجاه بوتين فإنه فى الواقع العملى فقد أدت سياسة الرئيس الحالى تجاه المنطقة وموقفه التراجعى الغير محسوب الى تمدد الإتحاد الروسى وبوتين خاصة فى سوريا تحت سمع وبصر الجانب الأمريكى "وربما مباركته أحيانا" ووصل الأمر فى النهاية الى محاولة عقد تفاهمات بينهما يتنازل فيها الأمريكان عن بعض حلفائهم ما يعطى روسيا فى الحقيقة اليد العليا فى إدارة الصراع بسوريا.
لاشك أن ترامب يأتى ممثلا لأقصى اليمين الأمريكى الشعبوى بما يعنيه من إستعلاء على الآخرين والحط من قدرهم بلا تمييز بين ما يمثله هذا الآخر أوروبيا كان أو يابانيا وصينيا أو مسلما أو إمرأة، وهذا النمط يختلف كثيرا مع اليمين النيوليبرالى المحافظ للحزب الجمهورى "الذى دشنّ صعوده فى عهد ريجان" والذى يحمل رؤية متماسكة حول التمدد الإمبريالى والتفوق الجنسى والبعد الدينى الأخلاقى، بينما ذلك الصعود اليمينى القادم مع ترامب يعتمد بالأساس على خليط غير متجانس من النعرات العنصرية ومعاداة الأجانب وقاعدته السياسية من البيض الفقراء فى أمريكا " ذوى الأصول الأنجلو ساكسونية"مع رفع شعارات ديماغوجية من نوع "أمريكا أولا"وهو ما كان له صدى واسع لدى الأحزاب والتجمعات اليمينية فى أوروبا بالأساس تلك التى إعتبرت أن ما حدث نصرا لها، بينما كانت تصريحات ترامب بشأن منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة واحدة من أكثر تصريحاته إثارة للجدل، بل والغضب أحيانا، ولم يمنع ذلك تراجعه قليلا وأنه يقصد مواطنى الدول الداعمة للإرهاب مع رفعه تلك التدوينة من حسابه بعد فوزه، وأعتقد أنه ليس ضد العرب والمسلمين؛ لأنهم عرب ومسلمون، ولكنه ضدهم من خلال منظور أمني، فهم من وجهة نظره قد يأتون إلى أميركا وبين صفوفهم إرهابيون، فهو هنا ضد الإرهاب وليس ضد المسلمين، وعموما فقد جاءت تلك التصريحات تعبيراً عن اقتناع أيديولوجي وسياسي متزايد الانتشار لدى فئات واسعة من مجتمع البيض الأميركيين، الذين يجدون أنفسهم مطمورين تحت كثافة ملونة متزايدة الأعداد، تختلف عنهم في معتقداتها وسلوكياتها ومواقفها، وتبدو في نظرهم كاختراع خارجي لمجتمعهم الذي فقد تجانسه، وكخطر داخلي لا بد من مواجهته.
فى المحصلة الأخيرة فإنه حسب الخبرة التاريخية ليس دائما الديموقراطيين هم الأقرب لتفهم قضايا المنطقة من الجمهوريين وعلينا أن نتذكر أن أيزنهاور الجمهورى هو من عارض إسرائيل فى حرب 1956 وأجبرها على الجلاء من سيناء "طبعا لمصالح وحسابات خاصة" وأيضا فإن جورج بوش الأب هو من أوقف ضمانات القروض لإسرائيل للضغط عليها لتغيير موقفها من الإستيطان، ولكن علينا أن نتذكر أيضا ودائما أن السياسة الأمريكية تعتمد على أيدلوجية إمبريالية قائمة على إستغلال الشعوب الفقيرة تارة بالسياسة وأخرى بالبلطجة، وكما يقول المثل المصرى " ماأسخم من ستّ إلاّ سيدى".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استمرار البحث عن مروحية كانت تقل الرئيس الإيراني ووزير الخار


.. لقطات تحولت ا?لى ترندات مع بدر صالح ????




.. التلفزيون الرسمي الإيراني يعلن هبوط مروحية كانت تقل الرئيس ا


.. غانتس لنتنياهو: إذا اخترت المصلحة الشخصية في الحرب فسنستقيل




.. شاهد| فرق الإنقاذ تبحث عن طائرة الرئيس الإيراني