الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين اجاثا كريستي وحب فوق السطح ؟ - بقلم / نبيل محمد سمارة

نبيل محمد سمارة
(Nabil Samara)

2016 / 11 / 13
ملف مفتوح: مناهضة ومنع قتل النساء بذريعة جرائم الشرف


قرر كمال الذي يبلغ ثمانية عشر ربيعا أن يقرأ رويات ( اجاثا كريستي) فوق سطح منزله , بعد ذهابه الى شارع المتنبي والتعرف على بعض باعة الكتب , والذي حينها قرأ جزءا بسيطا من رواية العالمية ( كرستي) . قراره هذا جاء بناءا على طلب والده , لان كمال احدث مشاكل كثيرة مع اخوته بسبب ضجيجهم , وكيف له أن يقرأ رواية في وسط هذه " الهوسة" . لم يخطر على بال كمال أن قراءة كتابه فوق السطح سيغير حياته الى معشوق ولهان , صعد السلم بهدوء وهو محمل بيده الكتاب , ويده الثانية حامله كوب من الشاي , جلس في الطرف المطل على سطح جيرانه الخالي من السكان , وقرأ على مهل وتمعن , كي يفهم ما كتبته الروائية العالمية , واكمل الجزء الأول من هذا الكتاب , وكلما يقرأ السطور يشتاق للسطر الذي يلي .
وفي اليوم الثاني استيقظ باكرا ولم يفطر من بيته , لانه سبق وان اتفق مع احد اصدقاءه ان يفطر " الكيمر والكاهي" باسواق هذا الصديق الذي يعتبره من اعز الاصدقاء , وبينما هم يفطرون جاء رجلا يبلغ الخمسين من العمر ومعه عائلته المكونة من الزوجة وفتاة جميلة وطفلان , يسألون صاحب الأسواق أن يسلمهم مفتاح البيت المجاور لبيت كمال , فقام صاحب الاسواق بتسليم المفتاح للعائلة مع دهشة وحيرة كمال , وبعد رحيل العائلة , سأل كمال صديقه عن قصة هذه العائلة , فقال له : أن جارك ابو تحسين اعطاني هذا المفتاح لهذه العائلة والتي سوف يكونون جيرانا لكم , لم يعر أي اهتمام لهذا الموضوع سوى دهشة خفيفة لان البيت المجاور لهم ستشغله هذه العائلة .
وقبل حلول الظلام صعد كمال ليكمل الروائبة من حيث ما انتهى , بينما هو جالس , انتبه لصوت صادر من سطح جيرانه , رأى جاره وهو يركب مصباح السطح بصعوبة بسبب تلف قاعدة المصباح , انتبه الرجل لكمال , وسلم عليه وقال له
- مساء الخير
- مساء النور
- هل تعرف محل لبيع الاجهزة الكهربائية
- نعم : هل تريد أن اذهب بدلا عنك واجلب لك ما تريد
- ساتعبك معي
- لا على العكس انت جار ويجب ان نساعد بعضنا البعض
- عفوا : نسيت ان اعرفك عن نفسي انا جارك الجديد واسمي أبو نرجس
- اهلا وسهلا بك نعم قد عرفت ذلك من صديقي صاحب الاسواق
ذهب كمال وجلب له ما يريده , واصبح بينه وبين جاره علاقة ود , وبعد أن استمر كمال بقراءه الاجزاء ووصل الى الجزء الرابع أي بعد مرور اربع خمسة ايام , وبينما هو جالسا في نفس مكانه الذي يطل على سطح جاره , انتبه الى جارته (نرجس) وهي تضع على الحبل الغسيل المبلل , لم يعر أي اهتمام , واستمر بقراءه كتابه , وبعد دقائق صارت عيونه تبصبص للفتاة الرشيقة وهي تضع ملقاط الغسيل بفمها .
موقف صعب لشاب وهو في خلوة مع فتاة فوق السطح , وبدت نبضات قلبه تدق بقوة , ورائحة العشق تحوم المكان . انتبهت نرجس لكمال , واحدثت صوتا مقصودا , وضع كمال كتابه حول فخذيه منتبها الى مكان الصوت , وقعت نظرات عيونه مسرعة على عين نرجس , خجلت نرجس أن كان سقوط " الطشت "احدث ازعاجا لجارها .
غادرت السطح والخجل يملأ وجهها , وهو ينظر للقمر متخيلا جارته الجديدة وبدأ لا شعوريا ان فارس زمانه بل ملك الملوك على هذه الأرض .
اصبح كمال طيلة وقته وهو يفكر بنرجس , بل حتى نسى روايته ونسى جميع ما قرأ ونسى ايضا كاتبة اسمها اجاثا كريستي . نرجس اصبحت روايته , حتى كمال لم يعد يذهب الى صديقه صاحب الاسواق , وصار يعيش بخيالات واسعة ومطمئنة . قرر أن يلبس احلى ما لديه من ملابس , راشا بملابسه اجمل العطور ,وبقى واقفا في السطح عسى ولعل ان يرى نرجس , ضاربا بعرض الحائط قوانين الجيرة واحترامها , لان الحب لا يعرف القوانين وعلى قول المثل : "الحب أعمى" .
لم تصعد الى السط نرجس بذلك اليوم , وحزن كمال حزنا شديدا , وقرر أن ينام في السطح متحججا لأبيه أن الهواء جميلا فوق السطح , وفي صباح اليوم الثاني , استيقظ على صوت خطوات ارجل صادرة من سطح جيرانه , فز ورفع رأسه واذا بنرجس تغسل باب السطح المتوسخ بالتراب , وقف فورا , وابتسم لها ابتسامه رقيقة وجذابة , وبادلته نفس الابتسامة , اشر لها أن تقترب من السياج الناصي الذي يتوسطهم , اشرت هي له بعبارة الخوف من اهلها ان يصعدوا في هذه اللحظة , تفهم الموضوع وتقبل اسبابها , ولكنه رفع يداه مؤشرا لها باصابعه الثمانية , فهمت نرجس انه يريد ميعاد الساعة الثامنة , هزت راسها بالقبول لهذا الموعد الحميم .
فرح فرحا لم يفرحه في حياته , مع ارتباك شديد - ماذا سيدور في هذا اللقاء , ماذا يقول لها رغم انه لم يراها سوى مرتين , ماذا هي ستقول لها , ماذا سيكون موقفها , ماذا لو صعد والدها . كل هذا التفكير يدور في ذهنه , بينما والده يناديه ان يجلب لها علبة الدواء , وهو غير منتبه لنداءات والده , الا وان صاح عليه صيحة سمعه من في المنزل
- عفوا بابا لم انتبه لك
- ماذا جرى لك يا كمال في هذه الايام اصبحت كالمجنون
- كلا يا ابي انني في احسن حال
- هيا اعطني علبه الدواء
- حسنا والدي , اين علبة الدواء
- الم اقل لك انك اصبحت مجنونا الا تعرف مكان علبة الدواء يا هذا
- تذكرت , تذكرت , عفوا , عفوا
شكوا اهل كمال بصفنات ابنهم , وعرضوا عليه ان يذهب الى الطبيب ان كان يشكو من امرا ما , وهو يقول لهم : ليس هناك ما اشكو منه بتاتا , وتحجج بقصة اخترعها فورا وقال لهم : كان لي صديق سقط شهيدا بسبب انفجار سيارة ملغمة ..
ومرت الساعة السادسة والسابعة , وبدا الوقت يطول و لم يعد يصبر , قبل ان يصعد درجات السلم الاولى الى السطح منتظرا حبيبته , مرة اخرى صاح والده وقال لكمال
- انك نسيت رواية اجاثا كرستي
- نعم والدي اعطني الرواية
- الم اقل لك انك بحاجة الى دكتور ليفحصك
- لا داعي يا والدي انني بخير ولكن فقدان صديقي جعلني انسى كل شيئ
- رحم الله صديقي
واول صعوده الى السطح راحت عيونه متجهة الى سطح حبيبته من دون ارادة , ثم نظر الى القمر المشع في وسط العتمة متوسلا للقمر ان يفلح بصداقة حميمة , وان يدخل قلب نرجس , وفجأة سمع حركة اتية من جيرانه , رفع رأسه ببطء , واذا بنرجس هذه الفتاة الجميلة تقف بقرب السياج الواطي الذي يتوسطهم .
بدأت يداه ترجفان , وفمه يرتعش من شدة الشوق , ونرجس تنظر له بخجل شديد
- كيف حالك يا نرجس
- انا خائفة جدا ان يرانا احد
- لا تقلقي الظلام سينقظنا
- هل تعلم ان شوقي بك بدء اول مرة عندما والدي استلم مفتاح البيت وانت كنت واقف مع صديقك صاحب الاسواق
- حياتي ... وهل تعلمين انك جعلتي من اهلي ان ينادوني بالمجنون
- ماذا
- نعم نرجس انك كل تفكيري وان حبك في قلبي كالجمر , ولم اشعر بالسعادة الا اليوم

فاقتربا من بعضيهما وتعانقاه . ودقات قلبهما تتسارع , ووضع يده على خدها المحمر , بينما هي خجولة من هذا الموقف ولكن حبها لكمال جعلها ان ترضى به , شال يده من خدها واضعا ذراعه حول رأسها , وهي مغمضة العينين , ثم قبلها من فمها قبلة طويلة .
وفجأة ارتعباه على سوط قادم من باب سطح نرجس , على الفور قفز الى سطح بيته , وهي حاولت ان تصطنع حجة لسبب وجودها على السطح , واذا بوالدها يقف , ويقول لها : ماذا تفعلين يا نرجس هنا , وقالت له : انني انضف ارضية السطح يا والدي , واقترب قليلا الى سياج جيرانه , فشاهد كمال جالسا والخوف في وجهه . بدء الشك يجول في عقله , ثم مسك يد ابنته ونزلا من السطح .
وفي صباح اليوم الثاني , صعد ابو نرجس الى سطح بيته ومعه ثلاث رجال يعملون في البناء , واتفق معهم أن يبنوا السياج بعلو المترين والنصف . وفي المساء صعد كمال الى السطح ببطئ شديد , واندهش برؤية السياج اصبح عاليا جدا , ثم اخرج اخرج كتاب اجاثا كريستي ليكمل اجزاءه ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحامية بركة بودربالة


.. عضو البرلمان السابقة وأمينة المكتب السياسي لتيار الحكمة الوط




.. الناشطنة هند الصوفي المشاركة في ورشة العمل الاقليمي


.. بالرغم من مردوده المادي الضئيل... نساء تعتمدن على إعداد الخب




.. وادي الضباب في تعز الهدوء والجمال الطبيعي في زمن الحصار