الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لروح ألفتاة التي -قررت- أن تستريح ..

قاسم حسن محاجنة
مترجم ومدرب شخصي ، كاتب وشاعر أحيانا

2016 / 11 / 14
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


لروح ألفتاة التي "قررت" أن تستريح ..

جاءني صوتها عبر سماعة الهاتف كسيرا حزينا ..
-ما بك ؟ هل حدث شيءٌ أو مكروه ؟
- نفسيتي تعبانة ، سأحدثك لاحقا ..
وعلى عادة النفس الأمارة بالسوء، بدأتُ أضربُ أخماساً بأسداس .ما عساه قد جرى؟!
وفي المساء ، أطلعتني على خبر إنتحار فتاة في السادسة عشر من عمرها .. قرأتُ نعياً للفتاة أو لنقل خبرا عن "إنتقال الفتاة "حنين" إلى رحمته تعالى"، دون الخوض في التفاصيل .. خبر عادي نقرأ أمثاله كل يوم.. فالحياة ولادة وموت.
لكن.. لم تنتقل هذه الفتاة الى رحمته التي وسعت كل شيء، نتيجة مرض أو حادث .. بل وضعت حدا لحياتها التي قضتها في المعاناة..
عانت في طفولتها ومطلع جيل المراهقة من مشاكل نفسية ، ووصلت للعلاج ، لكنها وككل الذين يتلقون علاجا دوائيا للأمراض النفسية ، لم تواظب على تناوله وفق البرنامج العلاجي ، مما حدا بأمها وأختها التي تكبرها بأعوام إلى تذكيرها وتشجيعها على تناول العلاج في وقته المحدد.. الامر أدّى الى تحسن في حالتها النفسية ..
مرضت أُمها بالسرطان الذي لم يمهلها طويلا ، وخلال فترة مرض الأم الشابة ، فقدت الفتاة الرعاية والحنان من أمها واختها .. ومما زاد الطين بلة ، زواج الوالد بعد وفاة الأم بفترة قصيرة، من شابة تصغره سنا، وتحمل في روحها ، كُرهاً لأبناء الزوج وبناته ..
وما هي الّا أيام معدودة حتى ثارت المشاكل بين الأولاد (ذكورا واناثا) وزوجة ابيهم التي تكره رؤيتهم أو سماع صوتهم . وموروثنا الشعبي يقول،" زوجة الأب لا بتحب ( تحب) ولا بتنحب (تُحّب).. وعليها غضب من الرب". فللأولاد اسبابهم، فزوجة الأب تذكرهم بفقدان الأم، وخاصة إذا كانت فظة غليظة القلب كالعادة .. بينما زوجة الأب لا تريد أن تتحمل مسؤولية عائلة كبيرة العدد، من ذكور وإناث، لم تلدهم ..
الأب يفضل رضاء زوجته الصغيرة على راحة اولاده ، لذا يقفُ في صفها دائما، ويتهم اولاده بالعقوق والتقصير بحقه وحق زوجته المدللة .. وكانت "حنين" هي الضحية . إذ قام ابوها بإيداعها في مؤسسة تعتني بالفتيات في ضائقة .. لكن هذه المؤسسة "تأوي" الفتيات حتى سن السادسة عشرة من العمر، والتي بلغتها "حنين" قبل أيام .. طلب والدها من المؤسسة أن تبقيها فيها، لأنه غير راغب أو بالأصح زوجته معارضة لعودتها الى البيت. لكن إدارة المؤسسة لم توافق . وهكذا قامت "حنين" بالتوقيع على وثيقة تقول بأنها غادرت المؤسسة بناء على رغبتها وبإرادتها ودون أن تُخبر أحدا ، ولا حتى أختها المقربة منها ..
قضت "حنين" اسبوعا أو يزيد ، ولا أحد يعلم مكان تواجدها ..هل كانت تنام في الشوارع ، تتسول لقمة ونقودا ..؟! أو عطفا وحنانا ؟!
وكان رد الأب حين علم بالأمر غاضبا .. لم يغضبه بأنه تخلى عن ابنته ورفض استقبالها .. لا بل ثارت ثائرته على شرف وسمعة العائلة ... فلعلها تقضي وقتها في أحضان رجل غريب .. ويستعين بالشرطة والتي تعثر عليها وتوصلها الى البيت ..
وخلال الايام الأخيرة والتي قضتها في البيت ، لم تسمع "حنين" سوى التهديد بالقتل على تلويثها لشرف وسمعة العائلة .. لقد أحسّت بأن التهديد جدي ، لأنه تكرر من "شباب" العيلة ..(العائلة).. لذا وذات صباح وحينما خرج الأب بصحبة زوجته الى المدينة القريبة ليطلب من المسؤولين إعادتها الى المؤسسة ، وضعت "حنين" حدا لحياتها ..
ومن خلال تجربتي الطويلة في تأهيل المرضى النفسيين ، لاحظتُ فروقاً شاسعة في التعامل مع المريض الذكر والمريضة الأنثى .. فعائلة الشاب المريض لا تخجل بمرض ابنها كما تخجل بمرض ابنتها .. فالشاب يستطيع الزواج وبناء عائلته الخاصة ، يستطيع الخروج من جدران البيت ، وربما يعمل في اعمال خفيفة ... بينما البنت تبقى حبيسة البيت ، لا تخرج إلّا نادرا وبصحبة فرد من افراد الأسرة ، ولا يحق لها التصرف بمخصصاتها،(معاشها). والخوف أشد الخوف عليها ، هو في جوهره الخوف منها .. فبما انها مريضة نفسيا ، قد يقوم شاب بخداعها وممارسة الجنس معها .. مما يسبب عارا للعائلة لا يُمحي .. وقد أكتب عن تجربتي في إقامة مركز يومي للفتيات العربيات المريضات نفسيا ، والصعوبات التي واجهتني وخصوصا مع العائلات في مقال لاحق..
الفتاة العربية تُعاني من تمييز ضدها ، لكن الفتاة العربية المريضة نفسيا تُعاني من اضطهاد مزدوج ، كونها فتاة وكونها مريضة تحمل شرف عائلتها على كاهلها المثقل بالآلام..
غادرت "حنين" هذه الدنيا الظالمة ، فلعلها ستجد الراحة الأبدية .. لكن أختها المقربة والتي رعتها وحاولت أن تعوض على "حنين" ، حنان امها الراحلة ، لن تتجاوز هذه الصدمة بسهولة ..
ويبقى السؤال ، من المسؤول عن هذه النهاية ؟ هل هي العائلة ممثلة بالأب ،الخدمات الاجتماعية والصحية، المجتمع أم "حنين" ؟! أم كلهم جميعاً ؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - استاذ قاسم
ايدن حسين ( 2016 / 11 / 14 - 22:33 )

بعد التحية
ان غرق مجتمعاتنا في الجهل هو السبب
المؤسسة الاجتماعية كان يجب ان تراعي ظروف الفتاة .. حيث ان والدتها الحقيقية متوفية .. و هناك زوجة اب لا ترحم
الاب هو ليس انسان لكي نقول انه مذنب او غير مذنب
الزوجة الثانية .. مثل غالبية الناس في مجتمعاتنا .. لا ننتظر منها اي خير .. و خصوصا انها لم تتعلم في المدارس غير الكيمياء و الفيزياء و الرياضيات و الجهل .. هذا ان كانت دخلت المدارس .. اما اذا كانت لم تكمل تعليمها .. فقد تلقت تربية من امها و من ابيها و من المجتمع .. بان تكره الناس و ان تكون انانية لا تحب الا نفسها
النتيجة .. اختر ما تراه مناسبا .. لتعليق الذنب على رقبته
و تقبل احترامي
..


2 - اين الشرف في هذه المساة؟؟
سمير أل طوق البحرآني ( 2016 / 11 / 15 - 07:33 )
اقتباس:
وخلال الايام الأخيرة والتي قضتها في البيت ، لم تسمع -حنين- سوى التهديد بالقتل على تلويثها لشرف وسمعة العائلة . انتهى الاقتباس :ان من هددوها هم المجرمون الفعليون واسمح لي ان العنهم جميعا والا كيف يهدد مريض نفسانيا ولو على فرض انها ارتكب جريمة الشرف فالجرم يقع على الفاعل ولا سيما اذا كان الجاني عارفا عن ماساتها. هل هذه خير امة اخرجت للناس ام هي اتعس امة اخرجت في الناس. رحمك الله يا حنين واشهد الله ان قلبي يحن اليك بسبب هذه المساة ولكن... ولو كنت في بلدي البحرين لنلت من عطف الدولة كـ عطف امك عليك كما ستنالينه من شعبها الوديع الذي لا يتمسك بالقشور (شرف العآئلة) من مريض نفساني.لو لا ان الشريعة الاسلامية (عند الاسلاميين) لا تجيز قتل الوالد بولده لقلت ان ابوها هو الجاني ويجب القصاص منه.تغمدك الله بواسع رحمته يا حنين وانا لله وانا اليه راجعون.


3 - الزميل ايدن حسين المحترم
قاسم حسن محاجنة ( 2016 / 11 / 15 - 13:18 )
خالص شكري على تعاطفك الإنساني
تقبل مودتي


4 - الاخ سمير ال طوق المحترم
قاسم حسن محاجنة ( 2016 / 11 / 15 - 13:20 )
لك جزيل الشكر على تعاطفك الإنساني
لقد مست قصة الفتاة شغاف قلبي وقلبك
لها الرحمة ولك خالص التحية


5 - العزيز عيسى ولد محمد من خانة الفيسبوك
قاسم حسن محاجنة ( 2016 / 11 / 15 - 15:43 )
تحياتي وخالص شكري
نعم المسؤولية يتحملها الجميع ...
احترامي

اخر الافلام

.. لماذا يتظاهر المعارضون لخدمة التاكسي الطائر في باريس؟ • فران


.. إسرائيل - حزب الله: أخطار الحسابات الخاطئة • فرانس 24




.. أحدها انفجر فوق شاطىء مكتظ.. لحظة هجوم صاروخي أوكراني على جز


.. بوريل يحذر من أن الشرق الأوسط على أعتاب امتداد رقعة الصراع م




.. روسيا تستدعي سفير الولايات المتحدة للاحتجاج على استخدام القو