الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كل ديموقراطية وأنتم بخير

عبد الرحمن سليمان

2006 / 1 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


لقد كان دوما ذلك الحلم البشري الطويل بالانعتاق من الظلم , يراود الانسان في كل العصور, وسالت في سبيل تحقيقه من الدماء والدموع ,ماتكفي لاغراق كل المراكب التي تطفو اليوم على سطح المحيطات شرقا وغربا وتمني جموع البائسين ببرالامان رغم يقيننا في كونها مراكب مثقوبةورغم علمنا المسبق بالاتفاق مابين القبطان وقراصنة البحار,أقول يقيننا ,نحن العارفون باسرار الماء والاعماق واتجاه الرياح والذين لم تعد مجرد استغاثتهم التاريخية المتكررة والمشروعة بدون شك ,تنتظر طوق النجاة في ساعة الخطر , حتى وان القاه القرصان بذاته . انه حلم نبيل ولكنه حالما مايغدو كابوسا , ان تغاضينا عن حقيقة أن الجميع لاينامون على ذات الوسادة, وأيضا هو حلم انساني وجميل بالعدالة والمساواةعلى صعيد المرتجى والمؤتمل والذي سيكون تأمله أفضل من السعي لتحقيقه في أوضاع مجتمعية مازالت أسيرة للخرافة وحبيسة للتقاليدالمتناقلة عبر الاجيال في التفكير والممارسة . لقد نجح اليسار العراقي في خلق ورعاية الكثيرين من المثقفين ولكنه لم ينجح في خلق ثقافة موازية ومؤسسة على قاعدة القبول بالاختلاف والتي هي جوهر كل بناء ديموقراطي وضروري , كما كانت أساليب التعبئة الجماهيرية والحشد العام تلغي خصوصية المجتمعات وطريقة الانتفال بها نحو الافضل وبالصورة التي تناسبها ويمكن لها القبول به بلا تناقض حاد وصارخ مع موروثاتها اليقينية والتي لن تزول حتما بمجرد الشعارات والكلام المنمق عن الغد الآتي , ولقد أتيحت أيضا لليسار العراقي كل السلطات ـباستثناء السلطة السياسية طبعا ـوالتي يبدو جهلا بأنها السلطة الوحيدة القادرة على التأثير والتغيير ثم كانت النتائج هي ذاتها التي تفصح عن سوء استخدام السلطة على مستوى الفرد والشارع والرأي العام . وقد لايكون مجديامأقوله الآن بنظر القيادات السياسية المختلفة طالما أن السلطةهي المبتغى الاول والاخير لجميع الفرقاءولاتنفع قوة الكلمات و لا بلاغتها لانها مهما كانت صائبةوصحيحة ودقيقة سوف لن تغير شيئا في طبيعتها المؤسسة على الخطأ . ولاغرابة أن هذه الحالة الشاذة من تغييب العقل والمنطق في العمل السياسي العراقي خصوصا , كانت وسوف تكون ضحيتها الدائمة , هي قوى اليسار والتقدم التي تفترض ضمنا سلطان العقل وسيادته على مقدرات الانسان في كل الظروف والاحوال . ان الخطاب العقلاني في غياب المؤسسات الاجتماعية والتربوية خصوصا , لامعنى له ولاصدى الا في ظروف استثنائيةوفي غالب الاحيان غير مضمونة الجانب وطالما أن بناء المؤسسات الحديثة مرهونة بالقوى السياسية الراهنةوالتي من مصلحتها تكريس الامية والجهل بالمعنى المعرفي لا بالمعنى الاكاديمي الحوزوي, فانه لمن العبث مقارعتها في ميادين مغلقة عليها سلفا ومنها الميدان السياسي حاليا ,ان كراسي العرض المسرحي محجوزة مسبقا لرؤية الفصل الثاني لانشاء الدولة العراقية على اسس حديثةوالتي لاتستهدف الا تجديد الوكلاء المحليين بعد أن استنفذوا قدراتهم وباتوا عقبة أمام المخططات ومراكز صنع القرار الدولي واملت الحاجة الملحة وصدف التاريخ لاتخاذ قرار الحرب على النظام الجائر لصدام حسين وبالتالي فبركة الديموقراطية باسلوبها التقني الساذج على وضع اجتماعي مايزال أسيرا لتأويلات الماضي وأغلبيته الساحقة تتعصب لان " عمر بن الخطاب كسر ضلع الزهرة "ولاتتأثر بصيغة الجمع لحلبجة أو البصرة أو الدجيل مثلما لاتتأثر لمفهوم العقاب الجماعي حين ينال الفلوجة وكأنها أعضاءا غريبة لاتنتمي لنفس الجسم الوطني . ان الديموقراطية التي أفهمها هي ثقافة وليست تقنية , وهي دولة قانون ومؤسسات وصحافة حرةوتعليم حديث وقضاء عادل وهي قبل ذاك كله انسان يدافع عن منجزاته , فالديموقراطية ليست بمكنسة كهربائية مزودة بطريقة الاستعمال وتعاد عند العطب الى شركتها المصنعة ولا هي في ممارسة كل أنواع التزوير والدجل وشراء الذمم وصياغة الوعود الانتخابية الكاذبة وسوق الجماهير كالقطيع الى صناديق الاقتراع ثم عقد الصفقات السرية للتحالفات الوطنية باسم الخطر المحدق بالبلد , والغريب أن هنالك دوما أخطارا محدقة بالبلد حتى قبل أن نولد ونعرف أن لنا أوطان . ان طبيعة النزاعات السياسية لدينا لاتخضع لسلطة العقل كما تخضع لميزان القوى وبما أن القوة هي نقيضة للفكر وهي احدى موروثاتنا البائسة , فان الحسم النهائي سوف يكون مرهونا بمن هو أقوى وليس بمن هو أعقل , ومن هذه الاجواء ذاتها تغلغل صدام حسين الى السلطة مبتدئا بالجريمة السياسية ومرورا بتصفية الخصوم وحياكة المؤامرات وانتهاءا بحفرة العنكبوت , ويبدو أن هذا الدرب مازال سالك الخطى , سواءا من أوله أو من منتصفه لمعظم ساستنا البائسين . مايهمني فقط هي الكيفية التي تستطيع من خلالها قوى اليسار العراقي أن تتماسك لانها آخر قلاع الامل قبل الانهيار الشامل لما تبقى من الخيوط الرابطة للمجتمع بالسياسة والثقافة على حد سواء وتقع على عاتقها ضمن مهامها الجسيمة الاخرى الدعوة الى مؤتمر عام لجميع التقدميين من عراقيي الخارج ونقل مركز الثقل السياسي خارج العراق واعلان موقفها من هذه المسرحية التي لاأسم ولا جسم لهاوالتي اعدت فصولها سلفا ليكون اليسار هو الخاسرالاكبر مهما ضحى وفعل . ان عراقيي الخارج صاروا شعب الشتات ويبدو أن الامور تسير باتجاه الفصل والقطيعة المقصودة مع الداخل لاسباب معقدة ومتنوعةتتعلق باكثر من ميدان واحد . من المؤكد أننا سنخسر أشياءا في الحاضر بهذه الخطوة , ولكن الاكيد هو أننا سوف لانخسر المستقبل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل 5 أشخاص جراء ضربات روسية على عدة مناطق في أوكرانيا


.. هل يصبح السودان ساحة مواجهة غير مباشرة بين موسكو وواشنطن؟




.. تزايد عدد الجنح والجرائم الإلكترونية من خلال استنساخ الصوت •


.. من سيختار ترامب نائبا له إذا وصل إلى البيت الأبيض؟




.. متظاهرون يحتشدون بشوارع نيويورك بعد فض اعتصام جامعة كولومبيا