الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اكان الربيع العربي احباطا !

اثير حداد

2016 / 11 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


أكـــــــان الربيع العربي احباطاً ! و ربيع العراق ؟!
د. اثيــــر حــــداد

الربيع العربي، مصطلح اطلقته وسائل الاعلام الغربية، وتلقفته وسائل الاعلام العربية دون تمحص، عن الاحداث التي تلت الاحداث في تونس نهاية 2010. ففي نهايات 2010 اندلعت المظاهرات الشعبيه في الريف التونسي وانتقلت الى العاصمه مرددة شعار – مدنيه، تحرريه-، ثم رحيل الرئيس التونسي الى السعوديه لعجزه عن مواجهة الثوره . وهنا سميتها ثوره وبوضوح تام لان فقط في تونس حققت الانتفاضه اهدافها وبالسلوب السلمي في الدفع بالاسلام السياسي الى خارج المنظومه، او بتعبير ادق تراجع الاسلام السياسي التونسي ولم يفلح في تحقيق اهدافه المعلنه والمخفيه، واستمرار سيطرة الحداثوين على الشارع في تونس جاء نتيجه لـ :
1-المشاركة الفاعله للمثقف التونسي في الانتفاضه، من امثال رجاء بن سلامه والمحامي شكري بلعيد قبل اغتياله وغيرهم
2-دور المراة التونسيه المتميز في التصدي لافكار وتشريعات الاسلام السياسي التونسي . فقد شهدت العاصمة تونس عشرات التظاهرات تقوها وتشارك فيها المراة التونسيه بفاعليه ، لا بل ان البعض من تلك التظاهرات اصطدمت مع الاسلام السياسي في الشوارع . وقد تجلى بوضوح دور المراة التونسيه عندما حاول الاسلام السياسي التونسي المتمثل بحزب التنميه زج عناصره لجر التظاهرات نحو صدامات عنفيه مع النساء من اجل افشالها. الا ان شجاعة المراة التونسيه ونضجها افشل هذا المخطط..
3-دور متميز للطبقه الوسطى التونسيه وكذلك العمال التونسين عبر تنظيمهم اتحاد الشغل
هذه السمات التونسيه كانت السبب الاساس لتحول الانتفاضه الى ثوره تضع اقدامها في طريق دولة المواطنه، وهو طريق تكتنفه العديد من المفخخات، ولكن ولحد الان فان الثورة التونسيه تسير عليه .
ما ان بدات الاحداث التونسيه حتى بدات الاحداث في مصر و سوريا و ليبيا تتبلور نحو انتفاضه ولكن بسمات عنفيه، لا بل شديدة العنفيه . ففي مصر رفعت المظاهرات شعار" الشعب يريد اسقاط النظام "، لكن الذي تجلى بوضوح بعد ذلك ان الهدف من تلك الاحداث كان السلطه وليس النظام ، وعند صعود محمد مرسي الى قمة هرم السلطه المصريه رفعت الجماهير شعار " ارحل " . عدم الوضوح هذا مكّن حزب اخوان المسلمين من الفوز بالانتخابات وباغلبيه مريحه ،ولكن عندما تجلى وبوضوح سعي مرسي وحزب الاخوان المسلمين لتحويل المجتمع المصري والدولة المصريه الى شكل مقولب واحد حسب فهم وتصور الاخوان المسلمين المصريه للاسلام من التدخل في الحريات الشخصيه و حرية الراي والمواطنه التي طرح مفهومها محمد مرسي بالقول " اقبل ان يكون رئيس الجمهوريه المصريه ماليزي مسلم ولكن لا اقبل ان يكون الرئيس قبطي مصري " عادت الجماهير الى الشارع ولكن ليس بفهم جيد و جديد لدولة المواطنه بل انحصر الفهم في اسقاط السلطة وليس النظام . وبعد سيطرت الجماهير على الشارع مرة اخرى ، تقدم العسكر لملئ الفراغ بين الجماهير في الشارع وبين السلطه ، مما يعني ويدل ان احداث مصر كانت انتفاضه وليس ثوره . حيث لم يتم تغير جوهر النظام الاقائم تغير الحكم من مدني الى عسكري وبدعم كامل من المؤسسة العسكريه المصريه القويه والواسعه والمعقدة الهيئات وباجنحه عسكريه ومدنيه ومهام عسكريه واقتصاديه وبخطاب ذي ملامح قوميه ومكانه مصريه في افريقيا والشرق الاوسط دون الاخلال بالاتفاقات مع اسرائيل. و سلطة السيسي الحالية اكثر قمعيتا من سالفه حسني مبارك لان البرجوازيه الصغيره ما تزال سلبيه تاركة الشارع للبلطجيه ، اما المراة في مصر فان معلات الاضطهاد الذي تتعرض له يعتبر الاعلى في العالم كما تسود بينها نسبة اميه عالية المستوى . اما المثقف فهو يتعرض للاضطهاد مثل ما حدث لاسلام وما يحدث لسيد القمني والبقيه مشتتة بين مثقف كل سيئ من اجل المعركة و نظرية المؤامرة.
في ليبيا تظاهر الناس ضد نظام فردي استبدادي شديد التخلف، هذه التظاهرات شلت بسرعة السلطة القمعيه للنظام فسقط بسرعه وبصوره مذهله، ثم تفتت الدوله وانتقلت الى صراعات عشائريه ومناطقيه فانتهزت داعش الفرصه لتدخل الى مركز الصراع . وهنا نشاهد غياب لا بل انعدام لاي دور للمراة الليبيه، وضعف دور المثقف الليبي.
اما سوريا فحكايتها تدمي القلب . اندلعت شرارة الثورة عندما كتب (أطفال درعا شعارات على حائط المدرسة (مد رسة الاربعين
متأثرين بربيع الثورات العربية - الشعب يريد إسقاط النظام-. فقامت قوى الامن باعتقالهم وشلع اظافرهم وقطع ايادي البعض وتعذيبهم جسدياً مما جعل الأهالي يطالبون بأبنائهم فكان الرد القبيح من مسؤول الامن السياسي "العميد عاطف نجيب " ( لديكم نسائكم سووا غيرهم ). فانطلقت تظاهرات عارمه استخدمت فيها السلطه طائرات الهيلكوبتر لقمعها، وحدثت مجزره رهيبه. وكانت الشعارات لحد ما قبل المجزره " حريه..حريه" اي اهداف تحمل طابع اصلاحي او امل بامكانيه اصلاح النظام القائم، الا ان قمع السلطة للتظاهرات ادى الى استبدال شعار حريه...حريه الى شعار اسقاط النظام. ثم تشلكت تنظيمات للقياده انشقت عنها تنظيمات اخرى. وفي بداية الانتفاضه كان هناك دور لبعض المثقفين السوريين في قيادة الجماهير الا ان المد الشعبوي ازاح هؤولاء ، وو جدنا رجال دين يقودون التنظيمات السياسيه المسلحه الساعية للاطاحة بالاسد، بالاظافة الى عسكريين طامعين في مناصب اعلى و جماعات من السلفية الجهاديه، وبفعل التدخلات الخارجيه وجهت الاحداث لان تصبح صراع طائفي دموي.
الاحداث في الدول الثلاث، ليبيا مصر سوريا، لم تنضج فيها الثورة اطلاقا فكانت مجرد انتفاضات وتمارين البحث عن هويه للثوره. فسقطت في مستنقع اسقاط السلطه واستبدلها، بدل البحث عن بديل للنظام القائم في شكل من دولة المواطنه يلائم بلدانها، وان كل ما حدث فارغ من اي محتوى سياسي . فهناك فرق كبير بين اسقاط السلطه واسقاط النظام وبناء نظام بديل وليس سلطة جديده . وقد تجلى بوضوح خلط جوهري مفاهيمي في شخصنه النظام، اي الايمان بان النظام يمثله الرئيس وليس مؤسسات النظام ودستور البلد و موقع الدين في السياسه . ففي الاحداث المصريه على سبيل المثال جرى التعرض بخجل لدور الازهر دون الخوض بعمق في هذا الدور في المستقبل. فمن المعروف انه وعبر التاريخ كان الازهر ظل النظام السياسي المصريه، يتبع اهوائه وتصوراته حتى في الموقف من اسرائيل التي يعتبرها الاسلام اليوم قضيته المركزيه الا ان الازهر قام بتبرير خطوات حسني مبارك في هذا الخصوص، ورغم ذلك لم يتجرء الشارع المصري لنقد هذه العضويه، فقط عدد بسيط من المثقفين المصرين من امثال اسلام البحيري و سيد قمني و يوسف زيدان. الا ان المثقف المصري العلماني لم ينزل الى الشارع كما فعل سارتر في باريس مثلا.
لقد اوضحت الاحداث في ليبيا و مصر وسوريا بوضوح ضعف دور المثقف، وانعدامه في ليبيا مثلا وتراجعه وانقسامه في سوريا بين مؤيد للنظام ورافض له. والمقصود بالدور هنا الدور المؤثر الفاعل والمتفاعل مع الاحداث، دور لابراز المستقبل، دور يهتم بالعمل على بناء ملامح للنظام القادم، وكل الذي حدث هو تاطير المثقف لنفسه ضمن تبادل الاخبار فوقع في دائرة المؤسسات الاعلاميه والتي اصبحت المغذي الفكري للجماهير، رغم انعدام الفكر في تناول الاخبار، فاصبح المثقف مراة للاعلام و مراة للسلطة بدل ان يكون مراة لنظام مستقبلي .
ولا انكر هنا اطلاقا ان غياب دور المراة في البلدان الثلاث وكذلك غياب دور للبرجوازيه الصغيره في ليبيا وسوريا وضعفها في مصر اديا الى ضعف الشحنه الداخليه للاحداث، فعلى سبيل المثال كانت مشاركة البرجوازيه الصغيره المصريه في الانتخابات الاولى بعد سقوط حسني مبارك ضعيفه جدا ، بينما برز دور كبير للفئات المهمشه وقليلي الثقافه الى معدومي الثقافه ( يسميهم المصرين بلطجيه) في تلك الانتخابات مما مكن حزب اخوان المسلمين من الفوز في تلك الانتخابات .
هل ازهرَ ربيع في العراق ؟
مضى وقت اكثر من كاف لمراجعة الاحداث لما بعد 2003 ، والتي تميزت بتصاعد المد الجماهيري الذي وصل قمته في 2005، ثم بدا بالانحدار التدريجي لنصل الى مرحلة السلبيه الحاليه وسوداويه النظره للمستقبل تتجلى في ترديد " اغسل ايدك من العراق"، وهروب الجماهير نحو الامام، الى جنه مفترضه ذهنيه تخيليه ويغلب على الوعي الطابع الاسطوري.
في اكتوبر 2005 جرى التصويت بنعم ام لا على الدستور العراقي الحالي . في ذلك الوقت كان العنف باعلى مستوياته ، وفي يوم التصويت منعت السيارات من الحركه، وكان على الناخب السير مسافات للوصول الى المركز الانتخابي، وكانت الصواريخ تتساقط على الاحياء المدنيه، ورغم كل ذلك وصلت المشاركه الى اعلى من78 % من القوى التصويتيه، وهو رقم مرتفع جدا اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار مقاطعة السنه العرب لذلك التصويت والجو الملبد بالعنف خلال ايام التصويت.
الا يمثل ذلك ثورة لم تولد ؟ ليتبع السؤال السابق سؤال اكثر جوهريتا منه وهو : لماذا لم تولد ؟ هل الخطأ في الطبيب ام قصور في الجينات ام في الرحم الذي نمت فيه الثوره ؟ ام ان الجنين وأد ؟
اولا ان كتابة الدستور الحالي والتصيت عليه لم يستغرق سنه واحده،
مع ان الدساتير في العالم تاخذ عدة سنوات . فالدستور الامريكي مثلا استغرقت كتابته 15 سنه، تم خلالها النقاش والصياغه واعادة الصياغه واخذ راي الاختصاصين في القانون والسياسه وعلم الاجتماع والاقتصاد . لكن اصرار حوزة النجف على ان لا تتجاوز مدة التصويت على الدستور نهاية 2005 ، رغم انه كان هناك راي وطلب ان يتم التصويت على الدستور بعد ثلاث سنوات من اقراره كمسوده .
حشدت الجماهيرمن اجل وضع علامة صح ام خطأ، اي نعم اولا، في خانه معينه رغم انها، اي الجماهير، لا تفقه لماذا نعم ولماذا لا . فلم يجري تثقيفها بمفهوم الدستور وبنوده وجرى التفاخر بالحصول على اعلى نسبة تصويت بنعم رغم ان غالبيه المصوتين شاركوا في العمليه وكانها امر ايماني مقدس بينما الدستور يقع ضمن امور الدنيا .
و شارك المثقف الاذاعي في سكون الوعي لدى الجماهير بان دعاها للمشاركه بان تضع نعم على الدستور وكان الانتصار يتم في اقرار دستور مهما كان مضمونه وكاننا في مبارات لكرة القدم يعتبر المنتصر من يحقق اعلى الاهداف بغض النظر عن مجمل المباريات.
هذا التضامن الشعوري لغالبية الشعب العراقي، مع طائفته او قوميته، للتصويت بنعم، شبيه بحاله ايمانيه غير مفهومه فكريا. ففي الايمان الديني لا يتطلب الامر الفهم كي تقوم بهذا ام ذلك الامر، رغم ان التصويت على الدستور يمثل او يقع ضمن الامور الدنيويه.
وهنا وقع المثقف العراقي، بالمعنى العام للمثقف والذي يشمل المتعلم ايضا، في خطأ قاتل حيث انه قاد الجماهير الى احضان المؤسسة الدينيه. فالقت المؤسسة الدينيه كامل الطوق على الجماهير عبر تحريم عدم المشاركة. بمعنى ان تلك المؤسسة لم تبقي امور التصويت على الدستور ضمن الامور الدنيويه بل عرضته ضمن العبادات الواجبه .
ان استعمال عباره " المؤسسة الدينيه " هنا لا تشمل حوزة النجف، بل المقصود منها رجل الدين من التراتيبيه الدنيا الى المتوسطه ، والتي وجدت ان من مصلحتها القاء عباءتها على الجماهير الغفيره . فمن المعلوم ان هناك فرق جوهري بين المؤسسه الدينية الشيعية والمؤسسه الدينية السنيه من ناحيه موقعها في المجتمع . فالثانيه ومنذ العصر العباسي سكنت الجامع والجماهير تاتي اليها وتلتقي بها مرة في الاسبوع اثناء خطبة وصلاة الجمعه، ويتقاضى رجل الدين مرتبه من الاوقاف اي موظف دوله، وكان هذا احد ابتكارات الدولة العثمانيه. فانحصر دور رجل الدين السني في تناول المدنس والمقدس دون الاقتراب من السياسه لان شيخ الجامع هنا مجرد موظف لدى الدوله ينفذ متطلباتها، اضافه الى مفهوم القائد العادل والقائد المسلم الذي هو خارج اهتمامات هذه المقاله .
اما المؤسسه الدينيه الشيعيه فهي ملتصقة بالجماهير وتلتقي معها سبعة ايام في الاسبوع . متمثله بـ " المومن " . هذا المومن يعيش وسط الجماهير في القريه او المدينه ولا يتقاضى مرتبا من الدوله، وهم في الغالب يعيشون بنفس المستوى المعاشي للوسط الملتصق بهم . اما دخلهم فيتكون من الخمس ان كانوا ساده او التبرعات لغير الساده. وهذا يؤدي، وبعمليه حسابيه بسيطه، الى ان زياده عدد التابعين و ارتفاع دخولهم وارتفاع درجة ايمانهم سيؤدي الى ارتفاع دخل المومن.
ونجد انفسنا هنا امام متطلب غائب وهو التعليم والثقافة للمومن . يشير الاستاذ زهير الجزائري في كتابه الرائع " النجف، الذاكرة والمدينه" الى ان من متطلبات دور المومن انه يفتي في كل شيئ حتى في الامورالتي لا يفقه فيها شيئا ضمن وسط يغيب فيه التعليم والثقافه. فوجد المومن نفسه في موقع مريح لا يتطلب لا المعرفه ولا الثقافه وبالاخص في الريف وتفشي الاميه في عموم العراق فذهب بعضهم الى نشر واشاعة الاسطورة المقدسه، التي تذهل المتلقي فتجمد عقله وتنتفي اهمية استخام الفكر، ويصبح من السهل تناول المقدس والمدنس امام ذهول العقل .
وهنا نجد ان الازهار لربيع عراقي اطلت براسها، لكن عدم سقيها من قبل المثقف و انسحاقها تحت اقدام المؤسسة الدينيه جعل من المجتمع العراقي يعيش حاله من حالات الذهول امام الاسطوره المقدسه.
يشير جورج طابيشي، على ما تسعفني به الذاكره، بان العلمانيه المسيحيه في اوربا استخدمت مقوله المسيح " مالقيصر لقيصر...وما لله لله" في دعم العلمانيه . وانتقد عدم استخدام العلمانية الاسلامية للحديث التالي " انتم اعلم بامور دنياكم...اذا كان شيئا من امور دنياكم فشائنكم ، واذا كان شيئا من امور دينكم، فلي" .
اما لدى الشيعه فان تصرفات الامام علي في الحفاض على الاموال والحروب التي قادها ضد المنشقين على سلطته فتمثل امور دنيويه.
اذن كانت فرصه عام 2005 لان يتحول التحدي الى ثوره لا تعبد فيها اسقاط السلطه وبناء سلطه جديده بيد جماعتنا لا بل بناء وطن مدني او علماني اما انا فاسميه دولة المواطنه ، دوله تتحالف فيها الديموقراطيه مع العلمانيه دون انفكاك .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا تعلق كل المبادلات التجارية مع إسرائيل وتل أبيب تتهم أر


.. ماكرون يجدد استعداد فرنسا لإرسال قوات برية إلى أوكرانيا




.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين: جامعة -سيانس بو- تغلق ليوم الجمعة


.. وول ستريت جورنال: مصير محادثات وقف الحرب في غزة بيدي السنوار




.. ما فرص التطبيع الإسرائيلي السعودي في ظل الحرب الدائرة في غزة