الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وحدي مع جدتي

ثائر ثابت

2006 / 1 / 2
الادب والفن


عشت تفاصيل طفولتي في بيت جدتي ،وحدي ووحدها خُلقنا وكبرنا في مدينة هادئة ومضطربة وجميلة كجدتي ،تلك التي تشبه مدينتي لحدٍ يعجز عنه الوصف ،اذكر جدتي عندما كانت تستحم بالصابونة النابلسية "المكعبة"،وتدعك جسدها الطري باغراء شهي ،كأنها في موعد حب ساخن مع جدي ………لكنه رحل منذ زمن غريب،بلعته الحرب ؟؟؟؟

ألا تذكري حين كنتِ تحدثيني عن بارودته العتيقة "الإنكليزية " التي لم يفرط بها ،ودفنت معه ،حتى عندما كان يضاجعك يعلقها في إحدى زوايا سريرك المعدني ……..؟! انها أوراق سافرت في أدراج الريح …بعيداً بعيداً ………

جدتي دعيني اكرر مفردتك الف مرة ؟؟ كم تلونت السنون ؟ فها أنتِ تستلقين بصمت ،تودعين الحياة ….. انه آخر حمام لك ،حتى هؤلاء النسوة اللواتي يجهزن لرحيلك ،لن يسمحن لي بالدخول، على الأقل "أليف" لك ظهرك "بليفتك" الخشنة ،لن أدخل إليك ،فالموت يقف فوقك الآن ،يريد أن يحملك لسرداب مضيء وطويل لاحدود له ،هناك سترين كل أحبابك ،إياكِ أن تخافِ ،ستلتقي بجدي ،قبليه ،احتضنيه ،أخبريه عن الدالية السمراء التي زرعناها في الطين وسط "الحاكورة " تحت النافذة المقوسة ……………..؟

ها أنت تفارقين كونكِ وعالمكِ الأليف ،وحمامكِ الأنيق ،تغادرين وأنا أتلوى واتنقل من فندق لآخر ،بحثاً عن آلهٍ ،عن وطنٍ ، أسوح كمن يبحث عن لاشيء ،هكذا أخوض معارك نهايتها الفشل ! برد الغياب والبعد يميتني ،يجعلني أحن لبُخار حمامك وصابونتك الملساء الزيتية إلى "خراريفك"الشائقة ،ومغامراتك الليلية مع جدي ……..!!!

دولاب العمر سريع يا جدتي …….،أسرع بكثير من أيامك الفائتة ... ………..؟؟

شتان بين هذه الأيام وتلك …. حتى البيوت والأزقة والحجارة ،تغيرت رائحة اللوز، وثلج الشتاء، وزهر الربيع ،ورمل البحر ،كله تبدل ……تحور ….تغير ،دالية الحاكورة وقطوف العنب الخمرية ،ومعمل الصابونة ،وابواب الخشب ،وموس الحلاقة …………..

آه آه آآآه ……..كل شيء ما عاد كما كان ……..إلا حمامك الحجري زرته متسللاً قبل ستين عاماً أو أقل بقليل ….ظل على حاله ،لكني هربت حينما رأيت في حوضه ذاك الثعبان المرقط ينكح أفعى دهماء ،سقط شعر رأسي من هول المشهد ،جدتي أناديكِ لآخر مرة ،ألا تعودي لتواسيني ،لا تتأخري اني في انتظارك ……. اني هنا على عتبة بيتنا القديم ؟ .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد أن كانت ممنوعة في ليبيا.. نساء يقتحمن رياضة الفنون القتا


.. مهرجان كان السينمائي.. ريتشارد غير، أوما ثيرمان وإيما ستون ع




.. ترامب يعود للمحكمة في قضية شراء صمت الممثلة الإباحية


.. المخرج الأمريكي كوبولا على البساط الأحمر في مهرجان كان




.. ا?صابة الفنان جلال الذكي في حادث سير