الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاستقطاب السياسي الحقيقي في الانتخابات

حمزة الجواهري

2006 / 1 / 2
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


إن الموقف العقائدي من مسألة معينة لا يعني بأي حال من الأحوال التخلي عن جوانب أخرى من المبدأ أو العقيدة، لا أرمي بهذه النصيحة لجهة معينة دون أخرى، بل لكل الذين لهم مشروع واحد هو إقامة نظام ديمقراطي تعددي فدرالي في العراق.
إن من مصلحة القوى السياسية الطائفية والقوى المفلسة سياسيا كفلول البعث أو من لا تاريخ له، أن يبدوا الاستقطاب على أنه طائفيا، لأنه سوف يشكل الضمانة الحقيقية لقوة هذه الأطراف واستمرار دورها في أي عملية سياسية قادمة، لأن هذه القوى وكما سنأتي عليه في السياق، لا تمتلك القوة الحقيقية للسيطرة على الشارع بهذه الدرجة من الشمولية.
"الاستقطاب خلال الانتخابات كان طائفيا" إنها عبارة درجت في الأجهزة الإعلامية وتبناها الكثير من الدوائر السياسية وحتى المسؤولين الأمريكان، ولم يفكر أحد بمضامينها أو يعرها الاهتمام الكافي، لو كان الاستقطاب السياسي في الشارع العراقي طائفيا صرفا لما كان علاوي الشيعي على رأس كتلة سياسية معظم أقطابها طائفي من السنة ويحملون لواء الطائفية في المناطق المختلفة من العراق! ولو كان الاستقطاب طائفيا صرفا، كما يحلوا للكثير تسميته، لما وقفت تيارات واسعة معروفة بصفتها الطائفية إلى جانب المعارضين لوجود القوات المتعددة الجنسية في العراق متناغمة بذلك مع موقف انتهازي لفلول النظام المقبور! ولو كان الاستقطاب طائفيا لما كان موقف أطراف شيعية عربية كحزب الله اللبناني بصف من يستعدون كل من هب ودب على العراق وشيعته تحديدا! واستباحوا دمائهم لصالح مشروعهم الكبير المتمثل بإفشال العملية السياسية ومنع قيام نظام ديمقراطي في العراق والعمل على عودة البعث للسلطة في العراق، كل ذلك خدمة لربيبهم البعثي القابع في دمشق والنظام الإيراني الربيب الثاني لهذا الكيان السياسي القذر! ولو كان الاستقطاب طائفيا لما عملت إيران على إغراق العراق بالدم، ربما السبب وراء إطلاق هذه الكذبة الكبيرة هو أن معظم الكيانات العلمانية والعقائدية قد فقدت أصوات أعضائها لصالح من يرفعون لواء الطائفية سواء كانوا شيعة أم سنة، بالرغم من أنهم يعرفون تماما السبب وراء هذا الأمر.
وكما أسلفنا، إن الاستقطاب في حقيقته يكمن بالموقف من النظام الجديد في العراق ومن قانون اجتثاث البعث والأجهزة الأمنية للنظام المقبور والملف الأمني للعراق الجديد، ومحاولات فلوله المستميتة أن يعود من جديد ليقتل ما تبقى من أمل للعيش بكرامة.
أما الاستقطاب الطائفي العنصري هو النتيجة الحتمية لذلك النوع الأصيل من الاستقطاب، لأن البعث وقواته المسلحة وأجهزته الأمنية كانت مبنية على أساس طائفي عنصري، وممارساتها طائفية عنصرية، لذا كان الاستقطاب يبدوا وكأنه طائفي عنصري هذه الأيام، وهذا لا يعني أن هناك لاعبين كبار يحملون مشاريع طائفية صرف. بكلمة أخرى، إن الاستقطاب الطائفي العنصري الذي بدا جليا من خلال نتائج الانتخابات هو نتيجة للموقف الشعبي العام من البعث وأجهزته، سواء بالتأييد أو الرفض من قبل الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم. لكن يبقى هذا الاستقطاب الجديد، أو الحالة الطارئة، هو ما يمثل الشكل العام للصراع السياسي وليس المضمون، لكن سوف يبقى المحرك الرئيسي للحراك السياسي العراقي يحتفظ بفاعليته وأصالته على أنه الموقف من البعث والنظام البعثي المقبور في الوقت الحالي ولحين الانتهاء من البعث وزمره الخبيثة، آن ذاك سوف نشأ آليات أخرى أكثر أصالة من هذا النوع من الاستقطاب، وهي بالتأكيد سوف تكون على أساس ""من سوف يقدم الدعم الأكبر للطبقات الأوسع في المجتمع"". السبب هو أن الشارع العراقي مازال يحمل الكثير من الهواجس المشروعة والخوف من احتمال عودة ذلك السرطان الخبيث مجددا للجسد العراقي، وذلك لكثرة أدوات الذين يقفون بصف البعث ومشروع عودته.
إذا لم يكن الأمر كما أسلفنا، كيف نفسر هذا الفوز الكاريزمي مرتين لقائمة الائتلاف العراقي الموحد؟! وهي الكتلة التي قد عاد للتو جميع كياناتها السياسية من الخارج! فكيف تستطيع بهذه الفترة لزمنية القصيرة أن تستعيد تنظيماتها التي سحقها النظام البعثي بالكامل وتتوسع بها لتبلغ هذه الدرجة العالية من الكاريزمية والتأثير في الناخب العراقي؟! إنه أمر ينبغي التوقف عنده والتفكير به مليا، وعلينا أن نضع بالحسبان أن جميع كيانات الائتلاف العراقي الموحد واضحا جدا بموقفه من البعث، واجتثاثه، ونظامه، وأجهزته التي عاثت في الأرض فسادا وقتلا وتدميرا لكل شيء، ولم تتراخى هذه الكيانات أبدا عن هدفها الأساسي المتمثل باجتثاث البعث من الجذور. الناس يراقبون هذا السلوك السياسي بدقة ويقدرونه أفضل تقدير، ومن يريد أن تكون له حظوة بين الجماهير ويكتسب ثقتها بالفعل عليه أن يتخذ له موقفا مشابها لا أن يذهب بعيدا نحو أوهام لا مسوغ لها لدى العراقي ويفعل العكس.
من الجانب آخر، أي الضفة المؤيدة لعودة البعث من خلال المشاريع المعلنة بلا خجل من شهدائنا ولا تاريخنا، ونسأل أن كيف نفسر حصول المطلق على أصوات تؤهل كتلته إيصال بضعة نواب للبرلمان؟! وهو الشخص الذي لا يمكن أن تثق به بعوضة؟! لأن هذا الجمهور من الناخبين يرى بعودة البعث ضمانا له من مخاوف وهمية وأخرى حقيقية من التيار الإسلامي، كما ويرى الكثير من المؤيدين لعودة البعث على أنه عودة للسلطان المفقود بسقوط نظامهم، لذا نرى الأصوات توزعت على القوائم التي تحمل ذلك المشروع البغيض، أي مشروع إعادة تشكيل الجيش والقوات المسلحة للنظام القديم. وما يزيد من تأصل هذه الحالة هو أن أصحاب مشروع إعادة تشكيل الجيش البعثي مازالوا متمسكين بالملف الأمني وعدم التنازل عن جميع مفرداته التي ظهرت في برامجهم الانتخابية، بل إنهم يقاتلون من أجله بشراسة، ويدعون أن أمريكا تدعمهم بالرغم من أن جميع أطراف كتلتهم تشتم أمريكا، وحتى أن البعض منهم قد دعا لعودة العنف المسلح لمستوياته القديمة في حال رفض الآخرون منحهم الملف الأمني!! لكن، وقبل أن يرفض الآخرون، وحتى قبل أن يبدأ التحقيق بدعاوى التزوير والتجاوزات الانتخابية، قد عاد الإرهاب بالفعل لمستوياته العالية.
للحقيقة والتاريخ نرى، أنه بالرغم من كثرة الحديث عن الخدمات العامة وترديها في المرحلة السابقة، بقي العراقي ينظر للمسألة من خلال منظار واحد وهو الموقف من اجتثاث البعث وجيوشه وأجهزته الأمنية فقط، وأشدد على مفردة فقط، وهو أنهم يجدون إلغاء أو تجميد قانون اجتثاث البعث استهانة بكل حقوق العراقي ومستقبله، أما مشروع إعادة تشكيل الجيش والقوات المسلحة العراقية القديمة فهو يهدف من حيث الأساس إلى السيطرة على السلطة في أول فرصة مناسبة، وسف لن يزهد البعث بأية فرصة مهما كانت، لأن البعث لا يمكن أن يقنع أحد بمشروعه السياسي، لذا ليس أمامه سوى الانقلابات العسكرية كوسيلة لبلوغها، وقد تدرب على هذا الأمر عقودا، وله من الضباط المؤهلين والأسلحة المخبأة الكثير لتحقيق حلمه، هذا فضلا عن الدعم الإقليمي والإعلامي الذي يحظى به، وسوف يكون الدعم كبيرا يوم يقدمون على خطوة كهذه في حال استطاعوا الاستعداد لها بشكل جيد. فالهواجس إذا مشروعة ولا ريب، وأنها واقعية إلى حد بعيد.
إن هذا الأمر أصبح من المسلمات التي يؤمن بها أي عراقي مهما كان بسيطا أو غير متعلم، ويكتسب الأولوية على باقي نواحي الحياة مهما كانت مهمة، أما الذين كانوا ضحايا للنظام المقبور بشكل مباشر، كأن فقدوا عزيزا أو تعذبوا بسجون النظام، فليس لهم منظار يرون من خلاله الحراك السياسي غير هذا المنظار أبدا، ومن يراهن على العكس، عليه أن يتواضع وينزل للشارع العراقي، وأن يحاول إقناعهم بأن هذا الفهم غير واقعي للحالة السياسية في العراق، وأنا على يقين إنه سوف يصاب بخيبة أمل وفشل ذريع، ولهم بنتائج الانتخابات خير دليل على صحة ما نقول، لأن ما قلته الآن كنت قد ناقشته، كما فعل آخرون، أكثر من مرة.
إن الاستقطاب الطائفي في حقيقته هو أحد أكبر الفخاخ التي نصبت في طريق العملية السياسية، وهذا ما توحي به نتائج الانتخابات الأخيرة، والذي أريد منه تحديدا هو أن يبدو الانقسام في المجتمع العراقي على أنه طائفيا، وليس سياسيا، وهو ما يعني فشلا كليا للعملية السياسية في نهاية المطاف، أو في أحسن الأحوال أنها تحتاج إلى طائف عراقي لحلها، وهي الحالة التي سوف تبقى مستعصية على الحل كما هو الحال في التجربة اللبنانية.
إن الولايات المتحدة الأمريكية كانت أول الذين وقعوا بهذا الفخ بالرغم من معرفتهم للأهداف الحقيقية وراء أي طرف من الأطراف التي تتصارع على الساحة العراقية وخارجها، ففي حال التسليم بأن الصراع والاستقطاب ليس طائفيا، عليهم أن يتخلوا عن دعمهم لأطراف بدت أضعف من غيرها في الساحة السياسية، وإن عليهم أيضا دعم قوى سياسية لا يرغبون بإشراكها بشكل كامل، وهذا ما تطلبه بعض الدوائر السياسية في موقع القرار الأمريكي. الأهم من هذا وذاك، وبالرغم من أن أمريكا هي التي أسقطت نظام البعث في العراق، لكنها مازالت غير مقتنعة بمشروعها الذي جاءت به وهو اجتثاث البعث مرة واحدة وليس على مراحل، ربما كان الهدف من ذلك هو إبقاء بعض الأوراق للعب عليها في المستقبل، خصوصا على المستوى الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط، لكن الأهم هو مشروع الرئيس الأمريكي الكبير المتمثل بجعل العراق الخط الأول للمواجهة مع الإرهاب، حيث يعتبر البعث أحد أكبر المحاربين به، وهو الحاضن الفعلي لهذه البيئة الشرسة الهمجية من سقط المتاع الإنساني، وبقاء الإرهاب فاعلا على الساحة العراقية سوف يساعد على جذب المحاربين القاعديين وغيرهم من المؤمنين بضرورة الحرب مع الصليب، كل هذا لضمان استمرار الحرب على الإرهاب في خط المواجهة الأول، لكن في حال القضاء على البعث ستكون الحرب قد انتهت، أو على الأقل يبقى الإرهاب الحقيقي مشتتا هنا وهناك، ويهدد أمريكا في عقر دارها، لذا فإن مأزقها أصبح مركبا وأكثر تعقيدا من المأزق العراقي بحد ذاته. وهكذا بالفعل ساهمت بشكل غير مباشر بخلق هذه الحالة المعقدة في العراق، وهي أن الاستقطاب السياسي يبدو طائفيا قوميا وليس سياسيا في أبعاده الحقيقية، ولكن بالرغم من كل ما فعلته عن وعي وتخطيط مسبق، كانت هي أول من وقع في الفخ.
من هنا تأتي ضرورة بلورة تيار ثالث بعيدا عن الطائفية أو العنصرية، والأهم من هذا وذاك هو أن يكون متناغما مع رغبة العراقي الذي ظلم ألف ألف مرة من البعث والطائفية والعنصرية، لا أن يصطف العلمانيون وراء أي من المشاريع الكبرى المعروفة، وأخطرها على الإطلاق هو مشروع إعادة تأهيل البعث ومن ثم تأتي المشاريع القومية والطائفية المعروفة. أما بالنسبة لأمريكا، فإنها إذا أرادت لمشروعها النجاح، عليها التمسك بالمشرع الأعظم في العراق والمتمثل باجتثاث البعث من الجذور.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمات إنسانية متفاقمة وسط منع وصول المساعدات في السودان


.. جدل في وسائل الإعلام الإسرائيلية بشأن الخلافات العلنية داخل




.. أهالي جنود إسرائيليين: الحكومة تعيد أبناءنا إلى نفس الأحياء


.. الصين وروسيا تتفقان على تعميق الشراكة الاستراتيجية




.. حصيلة يوم دام في كاليدونيا الجديدة مع تواصل العنف بين الكانا